بين المختلط والنسبي

صلاح حميدة

[email protected]

للانتخابات في العالم العديد من الأنظمة، تصيغها الشعوب والبرلمانات حسب التوازنات الداخلية بين القوى والأحزاب والمجموعات المختلفة، وتسعى هذه القوى والأطراف إلى تحصيل أفضل نظام إنتخابي.

فلسطينياً، النظام الانتخابي التشريعي كان في البداية، نظاماً قائماً على الدوائر الانتخابية، يختار الناخبون مرشحهم مباشرة، وفي هذا النظام يلعب العامل الشخصي للمرشح دوراً  مهماً في الانتخاب، فضلاً عن العامل السياسي، فمعروف أن الشعب الفلسطيني شعب مسيس ولا يختار المرشحين للأسباب الشخصية فقط.

في دورة الانتخابات التشريعية الأولى لم يثر أي جدل حول هذا النظام، والسبب يعود - حسب تقديري- لغياب المنافسة لحركة فتح في الانتخابات، وبالتالي فهي نافست نفسها، وكان كل قيادي من الحركة يطمح لحجز مقعد له في المجلس، في ظل غياب كافة القوى المؤثرة من المعركة الانتخابية، فيما لم تحصل فسائل الديكور الوطني على أي مقعد، ولم تحتج تلك القوى حينها على النتيجة، ولتطالب بنظام نسبي للانتخاب، فيما لم تتكرم حركة فتح بالنظر لمعاناة هؤلاء الانتخابية، واكتفت بمنحهم مخصصاتهم الشهرية.

عندما طرح بقوة موضوع دخول حماس في الانتخابات البلدية والتشريعية الفلسطينية بعد اتفاق القاهرة، قرر المتنفذون في السلطة تنفيذ الانتخابات البلدية بالتقسيط، لدراسة نتائج كل مرحلة على حدة، وعندما برزت النتائج الأولية لتلك الانتخابات، قرر هؤلاء تغيير النظام الانتخابي للبلديات إلى نظام نسبي كامل، لتجاوز معضلة عدم وجود شخصيات تحظى بمقبولية جماهيرية في المنافسين لحركة حماس، النظام النسبي حسّن النتائج في أماكن، وفي مناطق أخرى كالمدن الرئيسة لم يجد نفعاً، وكان الفوز الاسلامي ساحقاً، وهذا كان أبلغ دليل على حجم الفوز الذي كانت ستحصل عليه حركة حماس في الانتخابات التشريعية.

هذا دفع قوى رئيسة في حركة فتح للعمل على محورين، عملوا في البداية على محاولة إلغاء الانتخابات(المعلومة من مصادر فتحاوية)، وعملوا على سن تشريعات تقلص حجم الفوز المتوقع لحماس، وهذه التشريعات تلخصت، بما يعرف بالنظام المختلط، وهو هجين بين نظام القوائم النسبي الذي استخدم في البلديات، ونظام الدوائر الذي كان معتمداً سابقاً من قبل، ويعود رفض كتلة فتح المسيطرة على المجلس حينها لاقرار نظام نسبي كامل، إلى أمل الكثير من أعضاء المجلس بالفوز بولاية جديدة حسب الدوائر، لعدم قدرتهم على الدخول في القوائم النسبية التابعة للتنظيم الذي كان يشهد صراعاً شديداً على الدخول في القائمة، مما أدى لفرز قائمتين انتخابيتين، إستدعى تدخلاً مباشراً من مدير المخابرات المصرية لتوحيدهما، وغضت حينها حركة حماس الطرف عن التجاوز القانوني في هذا الموضوع(رغبة منها في هزيمتهم موحدين) كما قال أحد الباحثين في ذلك الوقت على قناة الجزيرة الفضائية.

بالرغم من تفصيل القوانين الانتخابية على مقاس الحزب الحاكم حينها، إلا أن فوزاً ساحقاً حصل، قلب المعادلات المحلية والاقليمية والدولية، وحصل ما حصل، حتى كانت حوارات القاهرة الحالية، وثارت مسألة النظام الانتخابي مجدداً، وتجند الجميع لحرمان حماس مستقبلاً من تحقيق أي فوز ساحق، وعملوا ويعملون على مدار الساعة لاكمال  الانقلاب على نتائج الانتخابات التشريعية، من خلال توثيق ذلك وتطويبه بانقلاب دستوري، وهذا يتمثل بفرض نظام الانتخابات النسبية بشكل كامل، مع نسبة حسم قليلة تتيح  دخول كافة الحركات المنقرضة الفاقدة للفاعلية السياسية والاجتماعية والوطنية، والتي أضحت أدوات ودكاكين تعيش على ما تجود به عليها حركة فتح.

في هذا الصدد أعتقد أن أفضل نظام انتخابي هو نظام الدوائر الانتخابية، ولا قيمة لا للنظام النسبي ولا النظام المختلط، فنظام الدوائر هو الذي يعطي الحرية الحقيقية للناخب الفلسطيني لاختيار مرشحه الذي يعرفه جيداً، ويعرف خلفياته السياسية والاجتماعية والنضالية، بعكس النظامين السابقين اللذان تدخل فيهما الاعتبارات التنظيمية على حساب خيارات الناس، وهذا النظام لا يضر الحركات الكبرى ولا الصغرى أيضاً، فهو يدفع هذه الحركات إلى ترشيح مرشحين يحظون بثقة الجماهير ويتميزون بنظافة الكف وحسن الخلق واللباقة والتواضع والنقاء الوطني، ويبعد من لا يتصفون بالكثير من الصفات الحميدة، ويتسلقون الارادة الشعبية من خلال اغتصاب القائمة النسبية.

هذا النظام يبرز أفضل مرشحين في الدائرة، فيما يبعد أي شبح لما يذكر عن التفرد وغير التفرد، والديكتاتورية، وأعتقد أن من يطرحون النظام النسبي الكامل من أجل التمثيل للأحزاب الصغيرة، فالنظام المختلط يحوي النظام النسبي، ولم تحقق تلك الأحزاب الصغيرة أي نتائج مهمة من خلاله، بل كانت نتائج هزلية، ولذلك فحرصها على الدفع باتجاه النظام النسبي الكامل، ليس إعطاؤها فرصة للتمثيل في المجلس، ولكن حرمان حركة حماس من القدرة على الفوز بغالبية مهمة في الانتخابات، وتمنح هذه القوة الفسيفسائية القدرة على لعب دور بيضة القبان في الحياة السياسية والتوازنات الحزبية الداخلية، وممارسة الابتزاز السياسي، والخروج من حكم الكبار إلى حكم الدكتاتور الانتهازي الصغير، وهذا تلخيص للمطالب الاستعمارية في جعل الأقلية تحكم الأغلبية في الحكومة والبرلمان وربما الرئاسة أيضاً، بتفصيل قانوني؟.

فمطالب هذه الاطراف الفسيفسائية لا تخرج عن السياق العام للانقلاب على نتائج الانتخابات التشريعية، فهذه الأطراف وقفت من اليوم الأول مع الانقلاب على نتائج الانتخابات، بل دعمته، واعترفت بالحكومة المعينة، واعتبرتها الحكومة الشرعية، واتهمت الحكومة الشرعية(حكومة الوحدة الوطنية) أنها حكومة الانقلاب؟! في انحراف قيمي وأخلاقي واضح، ولذلك فهذه الأطراف غير مؤتمنة على أن تمنح مفاتيح الحياة السياسية الفلسطينية، لأنها طرف في الصراع وليست محايدة أبداً.

الخلاصة، الانتخابات على أساس الدائرة هي الأفضل للأسباب السابقة الذكر، ولا أعتقد أن النظام النسبي أو المختلط سيعطيان الشعب حقه في الاختيار، وإذا كان أي حزب أو حركة، صغير أو ناضل قديماً، أو انقرض، فهذا راجع إلى أسباب تتعلق بالبنية والقيم والأفكار، وبدلاً من (تحميل الشعب الفلسطيني جميلة) أنهم ناضلوا قبل سنوات، فعليهم مراجعة أسباب انقراضهم والخروج للشعب ببرامج جديدة ووجوه جديدة تحظى بالمقبولية الجماهيرية، بدلاً من الاجتهاد في وضع العراقيل في طريق غيرهم والانقلاب على فوزه، والعيش دائماً على الماضي الجميل والتباهي به، وإغماض العين عن الواقع السقيم وتجاهله.