بعد تصريحات أوباما

محمود أحمد الأحوازي

[email protected]

بعد تصريحات أوباما ، هل مازالت هناك آليات عربية لمنع التدخل والتوسع الإيراني أم على العرب ان يرفعوا الرايات البيضاء بعد اليوم؟

عول العرب كثيرا على أمريكا لإيقاف برنامج إيران النووي وتسلحها الصاروخي الذي يستهدف بالدرجة الأولى إخضاع العرب للسيطرة الصفوية الفارسية على المنطقة العربية وتغيير هويتها، لكن اوباما صرح هذا اليوم بمناسبة عيد النيروز الإيراني، صرح انه سيعيد العلاقة مع إيران وتعهد ألا ينتخب حل غير الحل الدبلوماسي للمشاكل العالقة بين البلدين!  وهذا التصريح من أوباما يعني بالدرجة الأولى للعرب، ان أمريكا اعترفت بقبول مشاركة إيران في الكعكة العربية ولإيران الحق ان تستمر، بل وتوسع من تمددها وتوسعها مستقبلا والعراق لم يكن إلا مقدمة لهذا التوسع وأمريكا لا تعارض في المستقبل المصالح الإيرانية في المنطقة إلا إذا مس مصالحها، وهذا ما لم يحصل ان تم الاتفاق بين الدولتين الشريكتين هذه المرة!

و سبق لنا وانذرنا ضمن مقالات ومقابلات تلفزيونية عديدة ان السياسة الأمريكية ستتفق مع السياسة الإيرانية بالنهاية نظرا لظروفها العسكرية والاقتصادية التي تركها لها بوش بعد 8 سنوات، حكمها بحروب عدة على عدة جبهات، كما وسبق وأشرنا الى ان التعنت الإيراني مضمون عدم الرد عليه عسكريا من قبل أمريكا وان المناوشات الكلامية كلها كانت من اجل بيع سلاح أكثر على الدول العربية الضعيفة والثرية وعقد المعاهدات العسكرية والأمنية معها بالدرجة الأولى، وان كانت هذه المعاهدات لن تنفع الدول العربية هي الأخرى حيث ان احتلال الجزر الإماراتية الثلاث أمام أعيننا والتي لم تتحرك لإعادتها أمركا الحليفة للإمارات ولو بكلمة وساطة!!

وبعد خطاب أوباما، أصبح واضحا جدا ان إيران ستكون لها خطوات متسرعة في التوسع مستقبلا باتجاه الدول العربية وهي مطمئنة من عدم تمكن العرب من عمل أي شي ولسببين رئيسيين، الأول هو ان لا توجد دولة عربية واحدة قادرة على مواجهة إيران عسكريا وهم مقسمين حتى هذه اللحظة، والثاني، ان التحالف الأمريكي مع بعض الدول العربية لا يعني بالضرورة عودة الجيوش الأمريكية للدفاع عن هذه الدول في حال نشوب حرب جديدة تسببها إيران هذه المرة، مما يعني ان أمريكا لن تطلق رصاصة واحدة للدفاع عن حلفائها وهي في حالة اقتصادية وعسكرية يرثى لها في هذه المرحلة!! وعدم تمايل أمريكا في الدفاع عن العرب ثبت حتى قبل ان تصبح أمريكا عاجزة عن القيام بحرب جديدة في مثل هذه الظروف الصعبة التي تمر بها، وهذا ما ثبت بالفعل قبل اليوم في احتلال الجزر الإماراتية التي غضت النظر بريطانيا عن احتلالها عام 1971 بعد ما تركتها دفاع للإمارات العربية المتحدة وهي تعرف جيدا الإدعاءات الإيرانية في الجزر الثلاث ولم تحاول أمريكا التي تقود حلف الناتو الذي تمكن من تفكيك يوغسلافيا عسكريا والإتحاد السوفييتي سياسيا، لم تحاول عمل أي شيء لصالح حليفتها الإمارات العربية المتحدة!.

اليوم، و الأحواز العربية محتلة من قبل إيران مما سمع ذلك لإيران ان تكون على بضعة أمتار من حدود العراق الضعيف والمغلوب على أمره بسبب الإحتلال الأمريكي- الإيراني له وتفكك أسرته الواحدة مابين لأجيء ومقاوم و عميل، اليوم الذي أسست فيه إيران قواعدها العسكرية  على جزر الإمارات وأصبحت مدن الأمارات العربية المتحدة في مرمى السلاح الخفيف للحرس الإيراني، اليوم والعراق أصبح تتحكم في مستقبله آيات الشيطان الإيرانية من أمثال السيستاني والمرتزقة الفرس الذين ربتهم إيران في أحضانها وأوصلتهم للحكم بتواطؤ من قوى الإحتلال الأمريكية، اليوم والدول العربية المجاورة لإيران بمجملها مختلة اجتماعيا بسبب التدخل الإيراني المنظم خلال عقود من العمل الطائفي والعنصري في هذه الدول، اليوم والدول العربية الكبرى لا تمتلك القدرة ولا الإرادة للعمل مع الدول العربية الأخرى لإيقاف المد الإيراني، اليوم والدول الكبرى سلمت أمرها لأمر إيران الواقع دون استشارة حلفائهم العرب، اليوم وإيران أسست لنفسها قواعد قوة عسكرية وطائفية قوية في بعض الدول العربية مثل العراق وسورية ولبنان وغزة وغيرها، اليوم أصبحت إيران خطرا حقيقيا على الاستقرار العربي وعلى الهوية العربية للمنطقة برمتها.

ما قاله اوباما اليوم رسم للأمة العربية وخصوصا لدول الجوار لإيران، رسم عدم الاستقرار والتهديد الدائم والاستسلام للاستفزازات وبالنهاية التدخل الإيراني في الوقت المناسب وهذا واقع جديد كنا قد حذرنا منه كثيرا بعد ما تبين الخيط الأبيض من الأسود في تعامل أمريكا مع التسلح الصاروخي والنووي الإيراني المتغاير تماما مع تعاملها مع أي تطور عسكري واقتصادي للدول العربية في مجال التسليح والتكنولوجيا والعراق نموذجا حيا أمام أعيننا،

ما الحل إذا؟ وما على العرب ان يفعلوا بعد استسلام أمريكا وقبولها تزاوج المصالح مع إيران؟ وكيف يمكن للعرب ان يمنعوا إيران من التدخل وهي أصبحت قوة إقليمية اعترفت بها أمريكا حليفة العرب وحامي حماهم الأول من الخطر الإيراني حسب تصور معظم قادة العالم العربي، حيث ستضطر أمريكا للتعامل بتسامح لأي تدخل إيراني قادم في المنطقة وفي العالم العربي خصوصا، خاصة وان القوة الإيرانية التي لا تريد مواجهة أمريكا والإضرار بمصالحها في المنطقة تعني بالتأكيد أنها متطابقة مع المصلحة الأمريكية، حيث تسبب هذه القوة سقوط عربي أسرع و"ارخص" في أحضانها!

إذا ما هو الحل للعرب!

لا شك ان الأمور تعقدت أكثر بالنسبة للجانب العربي في تعاملها مع الخطر الإيراني بعد خطاب أوباما الذي سننقل الى أفعال قريبا، حيث حتى لو أرادت الدول العربية ان تغير من سياساتها تجاه القضايا العربية لإيقاف تبني إيران لها وإيقاف التمدد الإيراني تحت غطاءها، أصبح هذا القرار متأخرا جدا حيث إيران وقوى "الممانعة" المواجهة لإسرائيل أصبحت الآن وبعد خطاب اوباما، أصبحت في موقع أفضل بكثير مما كانت عليه وهذا بفضل التمدد الإيراني وتدخله وتبنيه للقضية الفلسطينية ولو هذا لم يأتي من مصداقية في الشعارات بل من منطلق مصلحة إيرانية صفوية في التمدد.  وهذا الواقع الجديد سيعطي للمجوعات العربية المتحالفة مع إيران ولسوريا قوة جديدة للتعامل مع التعنت الإسرائيلي في المستقبل خاصة وان كل المحاولات العربية المعتدلة فشلت في الحصول على أي تقدم للقضية الفلسطينية بتحركها المستمر.

لكن هل هذا هو الحل الوحيد الذي أصبح صعب على الدول العربية الوصول إليه ونخص هنا الدول العربية " المعتدلة"؟ وهل تتمكن الدول العربية ان تبني استراتيجية مؤثرة في تعاملها مع إيران والتدخلات الإيرانية بعد هذه التغييرات الكبيرة التي طرأت على توازن القوى في المنطقة التي أعطت إيران الفرصة لتوسيع نشاطها التخريبي في المنطقة العربية؟  أم ان قوى الاعتدال أصبحت مكتوفة الأيدي مقابل قوة إيران التي تساندها مجموعات العربية وسورية التي أصبحت في وضع أفضل بكثير مما كانت عليه قبل هذه التغييرات خاصة وانها صاحبة مصلحة في هذه التغييرات نظرا لما يمكن ان تؤول إليه الأمور في علاقة إسرائيل بمجموعة الممانعة بعد تغيير السياسة الأمريكية تجاه إيران؟

لكن سر الضعف الإيراني يكمن في مكان آخر تماما! وهذا المكان هو الوضع الداخلي الإيراني المضطرب، حيث كل ما حصلت عليه إيران مازال غير كافي لضمان أمنها وسلامة ترابها! وإذا إيران أصبحت أكثر خطرا على العالم العربي مازال للعالم العربي أوراق يلعبها وهي قوية ومؤثرة جدا. إذا هناك حل عربي وهناك إمكان لمنع إيران من تطاولها وتمددها وتوسعها على حساب العرب. وهذا الحل يمكن له ان يمنع إيران من التدخل مستقبلا في شؤون الدول العربية من جانب ومن جانب آخر، لا يترك لإيران أي فرصة لتطوير ترسانتها الصاروخية وتطويرها لبرنامجها النووي. هذا الحل هو الضمان الوحيد للتعامل مع الخطر الإيراني مستقبلا. 

يمكن لهذا الحل ان يسير على اتجاهين، أو بالأحرى على جبهتين، الجبهة الأولى هي "الجبهة العربية الداخلية" حيث على العرب ان يقوموا بتقوية بنيتهم الدفاعية لكن هذه المرة ليس بشراء الأسلحة وتكديسها، بل بالعمل العربي المشترك والتحرك باتجاه بناء قوة دفاعية عربية مشتركة لمواجهة أي تهديد عسكري وامني من إيران كما وعلى العرب ان يحاولوا منع أي نفوذ إيراني في صفهم العربي لتشتيت موقفهم المشترك الذي ستحاول ايران تصدعه بهرولة عدد من دوله الصغيرة باتجاهها بسبب تخوفهم من التدخلات الإيرانية، وهذا بالإضافة الى ضرورة التفاف الشعب العربي على قياداته لمنع تسلل العناصر الإيرانية واستغلالها الظروف السياسية والمعيشية والاجتماعية الموجودة في معظم الدول العربية،  أما الجبهة الثانية وهي الجبهة التي ستقوض كافة الأنشطة التخريبية والعسكرية الإيرانية في المنطقة، فهي جبهة الأحواز والشعوب غير الفارسية في إيران، حيث باستفادة العرب من هذه الورقة، ستغرق إيران وخلال فترة قصيرة، ستغرق في مشاكلها الداخلية، وبالنهاية ستقوم الشعوب التي تصل نسبتها في المجتمع الإيراني الى 62% من 75 مليون أيراني، ستقوم بتفكيك إيران أو تحوله الى بلد فدرالي، وتبقى فارس مع كل عنجهيتها وسط هذه القوميات المتحررة بعيدة عن أهدافها التوسعية في العالم العربي، بل تبقى مشغولة بالدفاع عن نفسها من أعداءها الجدد الذين كانوا تحت عباءة دكتاتوريتها لأكثر من ثمانية عقود مظلمة. ولا يتصور البعض ان طرحنا لهذه الحلول يأتي بسبب حاجتنا نحن الأحوازيين للتحرك العربي لمساعدة القضية الأحوازية وان كنا بحاجة لذلك، لكنه يأتي من واقع ملموس على الأرض، حيث اننا نحن الأحوازيين اعرف  بكثير من أي متابع عربي آخر للشأن والقدرات الإيرانية ولنقاط ضعفها الحقيقية نظرا لتعايشنا مع الفرس ومع القوميات في إيران لثمانية عقود ونصف ونظرا لمعرفتنا بإمكان القوة العربية الكامنة والتي ستظهر بكل قوتها مقابل التدخلات الإيرانية وهذا ثبت في حرب الثماني سنوات ويعرف الجميع كيف تمكن العراق من صد التدخل الإيراني  و إيقاف خطط توسعه، لا بل وتمكن الجيش العراقي الذي سانده العرب، تمكن من الدخول لمئات الكيلومترات داخل حدود إيران حيث اضطرت القوة العربية  الخميني على تجرع كأس السم المعروف!