أعجوبة الكفن المفتري
أ.د/
جابر قميحةما رأيته مرة في إحدى القنوات التلفازية إلا شعرتُ أنني أمام كفن رث قديم، أثقلته حمولة من غبار وعفر، وكلما هززته جاء بموجة خانقة من هذه الحمولة:
وصاحبنا اسمه اللواء فؤاد علام، ولقبه الذي خلعوه عليه ـ أو خلعه هو على نفسه ـ "خبير الأمن" . وهو لقب لا يتفق مع الواقع في أدنى صوره. والصحيح الوحيد هو أنه خبير التعذيب لا الأمن، فالرجل مشهور بضحاياه، وأشهر الضحايا المجاهد كمال السنانيري الذي زعم الكفن علام أنه مات منتحرًا إذ شنق نفسه "بفوطة" في ماسورة حوض الحمام، وهو ادعاء لا يصدقه من يملك الحد الأدنى من العقل.
مفتريات وأكاذيب وتهاويل:
ومن أهم ملامح هذا "الكفن الأمني" الحرص الدائم على الافتراء والكذب والتهويل، واستمراء هذه القيم الخائبة الساقطة التي لا يصعب فضحها حتى على العوام.
ونقدم في السطور الآتية بعض عينات من هذه القائمة الخائبة منها:
ـ ما ذهب إليه من أن ما سماه ميليشيات الإخوان في الأزهر يمثل مشروعًا لجيش سري لضرب الحكومة والسيطرة على الحكم بأي حساب. ومضت أشهر ولا وجود لما سمي بالميليشيات ولا انقلاب، ولا جيش سريًّا، إنما هو ضرب من الأكاذيب والافتراء والتهويل.
ـ ذهابه إلى أن الاعتقال يعد قانونيا ما دام مبرًرا ، أي إذا قدمت له الحكومة تبريرًا ... أي تبرير لهذا الاعتقال مثل عقد اجتماعات تنظيمية، وحيازة منشورات وازدراء نظام الحكم... إلخ.
ـ ذهابه إلى أن عدد المعتقلين لا يزيدُ على ألفين (والواقع أنه لا يقلُ عن عشرين ألفًا). واعتمد "الكفن الأمني" في إحصائياته على ما ادعاه من أن ميزانية وزارة الداخلية المعتمدة للمعتقلين لا تكفي إلا لإعالة ألفين فقط. وهو ادعاءٌ لا محل له من الصحة.
ـ ادعاؤه بأن مرشد الإخوان الحالي "محمد مهدي عاكف" يهوى فرقعة القنابل، وإطلاق الرصاص، في إشارة إلى اتهامه بعضوية النظام الخاص، وهو في هذا الاتجاه مثل المرشد الراحل مصطفى مشهور.
واتهام الأستاذ عاكف لا دليل عليه، ونقول ذلك أيضًا في ادعائه وجود ما يسمى بالنظام الخاص، وغرام الأستاذ مشهور باستعمال القنابل والرصاص.
ـ زعمه بأن "يوسف ندا" يعيش بسويسرا في قصرٍ ثمنه (400 مليون دولار).
وهي نكتة لا تحتاج إلى تفنيد، أو هي معلومة لو صحت لأخذت مكانها في موسوعة ـ جينز- زعمه بأن الإخوان حاولوا أن يقتلوه عدة مرات، ولكنهم عجزوا عن التنفيذ.
وهو كذب بواح، لا دليل له، وقد سبقه إلى مثله زكي بدر وزير الداخلية السابق. وهي "حركة" لا يلجأ إليها إلا من يجد نفسه في حاجةٍ إلى شهرة وسندٍ جماهيري، وذلك لإحساسه بأنه محصنٌ ضد حب الجماهير.
ـ زعمه بأن الإخوان لم يتطوعوا للجهاد في فلسطين، فهو يقول ـ من الأكاذيب الكبرى التي اخترعها حسن البنا والذين معه ادعاء أنهم جاهدوا في فلسطين وقدموا تضحيات، وشهداء وأراقوا دماءهم على أرض فلسطين الحبيبة. ولكن الحقيقة ـ كما يزعم الكفن الأمني ـ أنهم لم يقدموا شهيدًا ، ولم يطلقوا رصاصة ولم يذهبوا إلى فلسطين".
وما ادعاهُ ينقضه رجالٌ وقادة عرفوا بصدقهم مثل: أحمد المواوي، وفؤاد صادق، وأمين الحسيني، والسيد طه الضبع الأسود، بل نقضه كثيرٌ من قادة الجيش الإسرائيلي.
ـ ومن مزاعمه ذهابه إلى أن أحمد السكري ـ هو المؤسس الحقيقي لجماعة الإخوان المسلمين ـ سنة 1920م. وسرقها منه حسن البنا وطرده.
والواقع أن ما أشار إليه "العلام" اسمه "الجمعية الحصافية الخيرية" في المحمودية، وكان السكري رئيسًا لها، والبنا سكرتيرًا، أما أول جمعية للإخوان فأسسها حسن البنا 1928م، في مدينة الإسماعيلية، وكان المؤسسون ستة من أهل الإسماعيلية، أي أن السكري لم يكن واحدًا من المؤسسين.
ومن عجب أن ينقض "العلام" بعد ذلك ما قاله فيقول بالحرف الواحد "وأسس حسن البنا معهم "العمال" أول فرع للإخوان في مدينة الإسماعيلية سنة 1928م "فأي "العلَّامين" نصدق؟
الدولة والأقباط:
ـ ويعرف الكفن المفتري الشهير" بخبير الأمن" أن النظام المصري قد استخدم ضد الإخوان أشد أنواع الإجرام، مثل: الاعتقالات العشوائية، بناءً على اتهامات باطلة، وتحويل المتهمين لمحاكم عسكرية، ونهب ثروات الإخوان بادعاء قيامهم بغسلها، وتمويل "الجماعة المحظورة". وكذلك التعذيب إلى درجة القتل , كما حدث للشهيد مسعد قطب , والشهيد أكرم زهيري وغيرهما. ومع ذلك نرى ذلك "الكفن" يشنُ هجومًا عاتيا على حكومة الحزب الوطني , إذ اتهمها بانتهاج الأسلوب الخاطئ في التعامل مع "الإخوان" من خلال لجوئها إلى الحلول الأمنية والبوليسية فقط، رغم أن قضيتهم ليست أمنية بالدرجة الأولى، ولكنها سياسية تحتوي على جانب ديني، وعلى وجود أخطاء جسيمة وتجاوزات غير مقبولة لن يتم تصحيحها إلا بتنامي واتساع الممارسة الديمقراطية وتقنين الضوابط التي تحد من حالة الفوضى، وفق قوله.
وطالب علام الدولة والأحزاب السياسية بمواجهة "الإخوان" بالأفكار التي تجعلهم يرتعدون ويبعدون عن الساحة السياسية؛ لأنها ملك للناس وليست حكرًا لهم، وحث الأقباط على التصدي للفكر الإخواني من خلال الانتشار في أوصال النقابات والأحزاب.
وعندما رد أحد الحاضرين قائلاً: إننا لن نستطيع ـ نحن المسيحيين ـ أن ننقد مسلما، أو نخبره بأن إسلامه صحيح أو خطأ، طالبهم علام بالوصول إلى مطالبهم وحقوقهم من خلال انضمامهم لأحزاب سياسية فعالة، وأكد أن قانون دور العبادة هو أول شيء سيناقش في الدورة البرلمانية المقبلة.
إنه علام – الكفن المفتري – يحرض النظام المباركي لتوجيه مزيد من الضربات الظالمة الغاشمة للإخوان , وكأنهم فصيل من منبوذي الهند , أوسكان استراليا الأصليين , أو الخونة الهبارين الهباشين الذين باعوا- ويبيعون- أوطانهم وضمائرهم بالمال . ولكن علام يبارك أمثال جواسيس إسرائيل كعزام عزام , ومصراتي الذي بال على هيئة المحكمة , ثم كان الإفراج بأمر سيادي . فهل هؤلاء أولى بالرعاية والإكرام والحرية من الإخوان ؟
أحرام على بلابله الدو ح حلال للطير من كل جنس ؟
* * *
إن أكاذيب هذا "الكفن المفتري" الموصوف بالخبير الأمني لا تنتهي، ولن تنتهي ، بل إنها تتجدد بصفة دائمة في وسائل الإعلام، بل إنه يجد فيها مورد رزق، وهو موردٌ من حرام، ولكن "الكفن الأمني" لا يهمه حلالٌ أو حرام، المهم أن يحصّل ثروة.
وما ذكرناه يعد قليلاً جدًّا من كثير جدًّا يصدمُ الحق والحقيقة، ولا حول ولا قوة إلا بالله.