غزة لن تنكسر

غزة لن تنكسر

يسري الغول*

[email protected]

انتهى اجتماع وزيرة الخارجية الإسرائيلية تسيبي ليفني مع الرئيس المصري مبارك بالموافقة على ضرب غزة، مع رجاء بسيط من جانب الحكومة المصرية بألا تستهدف إسرائيل المدنيين في القطاع. كان هذا ما خلُص إليه الاجتماع الذي عقد قبل يومين في القاهرة والذي استمر لأكثر من ساعة ونصف، وتمت المباركة بقصف غزة من جانب الحكومات العربية المتأمركة، وبمباركة ودعاء من حكومة السيد محمود عباس التي لا زالت -حتى بعد قصف قطاع غزة، وقتل المئات من أهله- تمارس التغول في الضفة وتقوم باعتقال العشرات من أبناء حركة حماس، كأنها رسالة حقيقية بإنهاء حركة حماس من الحياة السياسية الفلسطينية، كتنفيذ لقرار ليفني بإنهاء حكومة حماس التي تستند إلى شرعية المقاومة. ولنقف أمام عدة محطات إزاء ما جرى في قطاع غزة:

أولاً: فقد أعلنت إسرائيل سابقاً بأنها ستقوم باستهداف قطاع غزة، واجتياحه بالكامل والقضاء على حكومة حماس ومنع إطلاق الصواريخ واستعادة جلعاد شاليط، ولأن إسرائيل لن تجني ذلك من وراء اجتياحها المتوقع، بعد تجربتها في حرب لبنان الأخيرة وخروجها مندحرة من هناك، قررت إسرائيل ضرب المقار الحكومية بغزة عن بكرة أبيها من أجل إنهاء القيادة العسكرية والسياسية لحكومة السيد هنية، وإضعاف شعبية حكومة حماس الشرعية في القطاع، وذلك بعد فشلها الذريع في تقويض شعبية حماس التي ظهرت في مهرجان انطلاقتها الأخير بحجم مهول لم يكن متوقعاً، والذي أذهل قيادة رام الله أيضاً والانهزاميين من العرب، لذلك فقد قررت إسرائيل ضرب غزة بمن فيها ومن عليها.

ثانياً: لم تستطع الحكومة الصهيونية ضرب قطاع غزة وقتل المئات من المدنيين إلا بعد حصولها على الضوء الأخضر من الإدارة الأمريكية وبعض الحكومات العربية وبمباركة رئيس سلطة التنسيق الأمني محمود عباس، وبغطاء دولي كبير من جانب الاتحاد الأوروبي الذي أعلن عن زيادة العلاقات الدبلوماسية بينه وبين دولة الكيان، رغم ما يقوم به الصهاينة من انتهاك لحقوق الإنسان تجاه قطاع غزة، وتجاه الفلسطينيين في الخليل وغيرها من مدن الضفة.

ثالثاً: تدرك إسرائيل جيداً بأن العالم لن يحرك ساكناً تجاه قتلها للمدنيين الفلسطينيين، سيما وأن المباركة عربية، خصوصاً مصر التي تعمل قدر المستطاع للحد من انتشار نفوذ الإسلاميين ولطمس الهوية الإسلامية المتمثلة بحكومة حماس التي تعتبر امتداداً لجماعة الإخوان المسلمين. وتجربة إسرائيل في مجازرها تجاه العرب لا يخلو من مهازل ابتدأت بانهزام الجيوش العربية وهروبهم من أمام الجيش اليهودي المحتل أثناء هجرة الـ48 ومصادرة سلاح أبنائه الشرفاء آنذاك، امتداداً إلى اليوم الذي أُحرق فيه المسجد الأقصى والذي كان حسب تعبير جولدا مائير آنذاك بأنه أتعس يوم في حياتها ليتحول في اليوم الثاني من تلك الحادثة إلى أسعد يوم في حياتها، عندما وجدت العرب يغطون في صمت عميق ولم يحركوا ساكناً تجاه حريق المسجد الأقصى سوى بعدد من المظاهرات الشعبية التي لا تعبر عن الموقف الرسمي العربي. وعلى ما يبدو فإن الصمت لا يزال مطبقاً حتى اللحظة والموقف العربي الانهزامي دليل على تعاون ومشاركة المنظومة العربية الرسمية مع الكيان الصهيوني لتدمير قطاع غزة بمن فيه، حتى كبار الدعاة من المسلمين اليوم رضوا بأن يكونوا مع الخوالف ولم يحركوا ساكناً تجاه ما يجري.

رابعاً: إسرائيل لن تتوقف عن ضرب قطاع غزة، وستواصل عدوانها الغاشم عبر طائراتها، ومدفعياتها، وبوارجها، دون النزول إلى أرض المعركة، فديدن المحتل هو البقاء بعيداً عن الخطر، والقتل الصهيوني النازي سيستمر بحق الفلسطينيين سيما وأن التبريرات جاهزة من طرف سلطة محمود عباس والتي ظهرت على لسان مستشار الرئيس نمر حماد حين حمّل حركة حماس مسؤولية تلك المجزرة، في محاولة منه لإعفاء الطرف الصهيوني عن كل تلك المجازر والجرائم التي تحدث بحق الفلسطينيين، وتصريحات الطيب عبد الرحيم بأن الشرعية ستعود قريباً إلى غزة، قاصداً بذلك حركة فتح، كما أن مصر نصبت حواجزها وسلاحها على حدود معبر رفح خشية من دخول المدنيين الفلسطينيين إلى الأراضي المصرية هرباً من القصف الذي قد يطول الأخضر واليابس في قطاع غزة (الكيان المعادي) لمصر وإسرائيل. ثم إن الصمت الرسمي العربي المخزي والمخجل حتى اللحظة لا يبشر بخير، فربما يقود ذلك الضعف العربي إلى مزيد من الجرائم الصهيونية بحق أبناء شعبنا.

أخيراً: غزة لن تنكسر، ولن تنتهي، وحماس لن تنكسر أيضاً، وشعبيتها لن تتقوض كما يظن البعض، بل إنها ستأخذ في الانبساط وستتوحد كافة الأطراف الفلسطينية لبقائها وحمايتها كمشروع وطني عظيم، استطاع أن يصون المقاومة بعد أن عمل الكثيرين على إسقاط ذلك المشروع من اجل المفاوضات الهزيلة التي لم يجن أهلها سوى مزيداً من الحواجز في الضفة الغربية، ومزيداً من اعتداءات المستوطنين في الخليل، ومزيداً من الاجتياحات الإسرائيلية إلى مدن الضفة الغربية تحت غطاء سلطة التنسيق الأمني.

والمتابع لنشأة حركة حماس والمراحل التي مرت بها سيدرك بأن كل الضربات التي تكال ضد الحركة وأبنائها وقادتها، لن تزيدها إلا قوة. فحين حاول البعض إنهاء الوجود الحمساوي عام 1996 وتم اعتقال كافة أبناء الحركة في سجون الأمن الوقائي والمخابرات آنذاك، خرجت الحركة بعد ذلك أقوى شكيمة وأشد قوة. لذلك لا يجب علينا كشرفاء أن نخاف على مشروع المقاومة الذي سيبقى حتى الرمق الأخير موجوداً في أهل العزة، أهل غزة.

              

*عضو اتحاد الكتاب الفلسطينيين

غزة – فلسطين