حالة الاستبداد أخطر من الاستعمار

وهما وجهان لعملة واحدة

مؤمن محمد نديم كويفاتيه/ سوري في اليمن

[email protected]

الاستبداد هو حالة معروفة لدى الكثيرين من الشعوب ، وهي طبيعة أزلية لكل حاكم فاشل يُريد أن يُغطّي عجزه عبر فرض إرادته وقناعته للبقاء والاستمرار هذا إن كان قرار وجوده من ذاته ، وهي في الغالب في عصرنا الحاضر مسنودة في بقاءها الى الاستعمار كونها خير وسيلةٍ للحفاظ على مصالح الاستعمار المُضرة بمصالح الشعوب ، وهذا الاستعمار الذي جرّب الاحتلال والاستيطان لمص خيرات الأوطان ، عبر تعيينه لمندوبين ساميين من قِبله أو حُكام مُباشرين يُديرون حُكّام محليين كما جرى في سورية عند الاحتلال الفرنسي ، ولكن هذه الطريقة كانت مُكلفة بالنسبة للدول الاستعمارية التي دفعت أثمان تجربتها تلك الكثير الكثير من أبناءها وأموالها لتعود في النهاية خائبة وهائمةً على وجهها ، لترضخ في النهاية أمام إرادة الجماهير الحرّة في التحرر ونيل استقلالها وحريتها ، بعد تولي حكومات وطنية مشت مع نبض الشارع وحققت الكثير من الانتصارات ، حتّى أن فرنساً مثلاً لم تستطع أن تُجبر الرئيس  المُنتخب ديمقراطياً شكري القوتلي على توقيع مُعاهدة تضمن لها بعض الوجود والنفوذ في بلادنا ، الذي – القوتلي - وقف إلى جانبة أعضاء البرلمان السوري المُنتخب والجماهير الشعبية رغم ما فعله الاستعمار من مجازر ذهب ضحيتها الآلاف وقصفه للعاصمة دمشق ، للضغط على الحُكّام المُنتخبين ، وكان من أشهر  مجازر الفرنسيين  للبرلمان السوري في نهاية أيّار 1945 ، دون أن يوهن ذلك من العزيمة شيئاً في التحرر وفرض الإرادة الوطنية التي أوصلت البلاد إلى الاستقلال في 17 نيسان 1946 ، لتتعاقب بعد ذلك حكومات وطنية مُتعددة وكانت جميعها عصيّة على الاستعمار ولا تخضع إلا لإرادة الشعب ، بل وكانت تتماهى في إرضاء رغبات الشعب وتوجهاته وتطلعاته الذي به كانت تُحقق المُعجزات ، وفي حال المُخالفة كانت تُزال بإرادة الجماهير.

لكن هذه الاستقلالية  لم تكن لتُرضي الدول الاستعمارية ذات المصالح ، فأمريكا التي أيدت استقلال سورية للتخلص من الفرنسيين لتمرير مصالحها المُجحفة في هذا البلد عبر السوريين بما عُرف بقضية " التابلاين " وهي لنقل النفط عبر سورية بأجور مقطوعة بغض النظر عن الكمية ، بينما المُفاوض السوري رأى أن تُحسب الأسعار بحسب الكمية التي يُراد تمريرها ، مما أغضب الجانب الأمريكي الذي بدأ يُعد العدّة للبديل الذي يقبل بتمرير هذه القضية بأرخص الأثمان وقضية توقيع الهدنة مع إسرائيل على حساب الأرض السورية ووفق الشروط الإسرائيلية ، إضافة لتوقيع الاتفاق المالي مع فرنسا التي رفضت سورية ربط نقدها بالنقد الفرنسي المتدهور، مما دعى  الطرفان الفرنسي والأمريكي لوضع الخطط لقلب نظام الحكم الديمقراطي الوطني للمجيء بمن يوقع ، فوجدوا ضالتهم بالضابط الذي حامت حوله تُهم فضيحة الفساد في التموين العسكري ، والذي في ملفه العسكري الكثير من التجاوزات والشُبهات وهو وزير الدفاع حسني الزعيم  ، الذي قام بالانقلاب المشئوم بتاريخ 30 آذار 1949بتدبير وتخطيط كاملين من تلك الدولتين الفرنسية والأمريكية – كما جاء في وثائقهما التي كُشف النقاب عنها - ، والذي رفضت كُل القوى الوطنية التعاون معه أو مُشاركته في الحكومة فقام على إثر ذلك باعتقال رؤساء الأحزاب وكل من له علاقة بالسلطة من أجل السلطة ، ثُمّ  شكّل حكومة الهجين لتكون أُولى برامجها توقيع ما رفض توقيعه الوطنيين بقيادة الرئيس المُعتقل وحكومته وبقية الأحرار ، وإزالة الأوقاف الإسلامية وإحلال قوانين مدنية وجنائية على نمط الأتاتوركية الذي أعلن عن شديد إعجابه بها محل القوانين الإسلامية وتعيين محافظين عسكريون يتمتعون بالسلطتين المدنية والعسكرية ، ليُهز هذا العُتل بهذه الأفعال المجتمع السوري في ثوابته ويُعلن أيضاً نقمته على اللباس التقليدي لتمتلئ شوارع دمشق  بمجموعات غريبة من القبعات الأُوربية وافتتاح النوادي الليلية على الأنغام الأمريكية ، وهنا كان للقوى الوطنية الإسلامية وغيرها دورهم البارز في مُقارعة الطاغوت وتعبئة الشارع ضد هذا الدخيل للإفراج عن كافة السجناء وإعادة الأمور إلى أصحابها الشرعيين ، وكذلك كثرت التيارات المُعادية الوطنية لنهج الزعيم ومنهم الضباط القوميون.

يقول فارس الخوري رئيس وزراء سورية في الأربعينيات " إن انقلاب الزعيم كان أكبر كارثة تُصيب سورية في العصر الحديث " لأنها هي التي مهدت فيما بعد لطموحات العسكريين للتدخل في السياسة ، وجعل الحياة المدنية أشبه بثكنات عسكرية ، ومهدت فيما بعد لحالة الاستبداد التي تعيشها سورية اليوم منذ ما يقرب عن النصف قرن من الزمان  مدعومة من الخارج لإضعاف الجبهة الداخلية وقوّة سورية أمام العدو الإسرائيلي ولاستعباد الشعوب عبر دكتاتور يحكم ويُمرر الكثير من الأمور المُضرة بمصالح البلاد والشعوب ، ويكون خاتماً بأيديهم يفعل ما هو أكبر وأعمق من التدمير في بُنية المُجتمع وعزيمة الأُمّة والعناصر الفاعلة فيه ، هذا عدا عن المجازر التي يرتكبها واستذلال النّاس  وبغطاء من هذا الخارج  على جرائمهم ، كما حصل في مذبحتي حماة الأولى والثانية التدميريتين ومجازر المُدن الأُخرى التي ذهب ضحيتها عشرات الآلاف من الأبرياء المدنيين ولم تلقى أي صدىً دولي وأي تحرّك يُحاسب الفاعلين ، ليكون انقلاب حسني الزعيم أولى تجارب الاستعمار فينا لتعميم الفكرة فيما بعد  وتطويرها بشكل حربائي في عالمنا العربي ، تتغير ألوانها وأساليبها بحسب مُقتضيات الوضع الراهن ، ليكون هؤلاء الطُغاة للدول الخارجية ذات الأطماع كوكلاء وأدوات لهم يُنفذون ما يُملى عليهم عبر ربطهم بهم وبإرادتهم لا بإرادة شعوبهم  ، لتهتز فرائصهم عندما يصدر تصريح عنهم يُدينهم أو يوبخهم أو فيه رائحة فقدان الثقة بهم  ، ليعملوا فيما بعد  على استرضائه وهم لا يُبالون بأبناء أُمتهم وشعبهم ومطالبهم وهمهم الوحيد هو الخارج الذي يدعمهم بكل سبل البقاء من أدوات الإرهاب ووسائل السيطرة القمعية والتغطية الغير أخلاقية على جرائمهم ، مُستغنين بذلك عن تدخلهم المُباشر عبر هؤلاء الوكلاء الدكتاتوريين الاستبداديين الظلمة أعداء الشعوب والإنسانية جمعاء.