الفرارُ منَ الزحفِ

د. حامد بن أحمد الرفاعي

اتصل أحد المفكرين يقول:ما رأيكم بمن يقول:(كم تمنيت أن يكون الفقه الإسلامي مؤسساً لنظرية حق الإنسان في التمرد على الحرب الظالمة..ثم يقول:ولكن الفقهاء عادوا ارتكاساً وقرروا أحكاماً لعينة قاسية في حق الفار من الزحف..؟؟؟!!!) قلت:أما الحرب الظالمة فهي مرفوضة وممقوتة بكل المعايير في الإسلام ..بل إن الحرب المبررة برد البغي والعدوان في شرعة الإسلام ..إنما هي وسيلة مكروهة لقوله تعالى:"كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ"وهي وسيلة استثنائية من وسائل الجهاد..ينبغي أن تنتهي بزوال مبرراتها(البغي والعدوان)لقوله تعالى:"فَإِنِ انتَهَوْا فَلَا عُدْوَانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ"أمَّا مسألة الفرار من الزحف التي عبَّر عنها القرآن الكريم بقول الله تعالى:"يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفًا فَلَا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبَارَ*وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ"فهو الفرار من الحرب المشروعة لرد البغي والعدوان..ولم يقل الفقهاء الأجلاء بحق هذه الجريمة أكثر مما قال ربهم ورب الناس جميعاً سبحانه:"وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ"وقد أجمعت الشرائع الربانية والقوانين والأعراف الدولية قديماً وحديثاًعلى تَجّريم هذا الفرار ألا بمبرر..يدعم مشروعية الدفاع ورد الباغي والمعتدي لقوله تعالى:"إِلَّا مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَى فِئَةٍ"والشيء المزلزل الذي تكاد السموات تنشق لشدة فجاجته وقبحه..وتكاد الجبال تنهد وتخيّر لثقل هوله..ألا وهو قول صاحبك هذا والعياذ بالله:( وقرروا أحكاماً لعينة قاسية في حق الفار من الزحف) أي جرأة وأي وقاحة هذه..؟؟؟!!!التي يتطاول بها هذا الأحمق الأرعن على الذات الإلهية..تعالى الله عما يقول علواً كبيراً..بكل تأكيد لا يقول مثل هذا القول الأحمق الأرعن إلا واحد من ثلاث:جاهل لا صلة له بالقرآن وعلوم الإسلام وشرعته..أو جاحد بالإسلام حاقد على الإسلام ورسالته الربانية السامية..أو شبيحٌ مجرمٌ مُسيّسٌ يسعى لتضليل أجيال الأمة لصالح غايات أعداء الإسلام والمسلمين..وليعلم هذا الجاهل أن مسألة الفرار من الحروب خيانة عظمى وجريمة كبرى مقررة في قواعد ونظم وتشريعات الأمم وأعرافها..ومؤكد إجرامها وقبحها في شرائع السماء بدون استثناء..ووفق شرائع وأعراف الأديان الروحية بالإجماع..وفقهاء المسلمين تعاملوا مع هذه المسألة بكل موضوعية وعلمية ونزاهة وحيادية..لا تجد لها مثيلاً من قبل ولا من بعد..وفي حياتنا المعاصرة تناولها بتفصيل ودقة رائعة الفقيه العلامة الذي رحل عن دنيانا من قريب..الزميل الصديق الشيخ الدكتور وهبة الزحيلي رحمه الله تعالى..وهنا أسجل تقديري لتلامذته الأبرار..الذين أبنوه بحفل مهيب برعاية شقيقه العالم الصدوق الأخ العزيز الشيخ الدكتور محمد الزحيلي سلمه الله تعالى..وبعد فأنصح صاحبك هذا أن يطرق أبواب كتابات العلامة الزحيلي رحمه الله تعالى وكتابات غيره ممن عايشوه  وسبقوه من أئمة الفقه الإسلامي الأعلام الأبرار..لعله يهتدي إلى الحق ويتطهر من الاختلالات الفقهيِّة واللوثات الفكرية التي يعاني منها..ونسأل الله تعالى لنا وله الهداية والرشد وحسن الختام ..والحمد لله رب العالمين.

وسوم: العدد 632