فعلمْتُ أنَّ محمَّدًا مبعوثُ مَنْ = برأَ الوجودَ ، ومنَّ بالأفضالِ
ويروقُ لي وعْدُ النبيِّ r فما غفتْ = عينايَ في حِلِّي ولا ترحالي
تعسَ الذين يحاربون محمَّدًا r = من ظالمين بغوا ومن أنذالِ
كيفَ استدرَّ حليبَها خيرُ الورى r = وأتى بمعجزةٍ بلا إشكالِ
وتعودُ في العصرِ الحديثِ وجوهُهم= كبدورِ ليلٍ ضاءَ بالإطلالِ
زمنُ التآكلِ والتخاذلِ قد مضى = وانجابَ وجهُ الفتحِ بعد ضلالِ
بالبيِّناتِ صدى الحشودِ بمسمعي = فاهجرْ تباطُؤَ هازئٍ محتالِ
الفجرُ نادى للصلاةِ مجدِّدًا = وجهَ الوجودِ بصبحِه المتلالي
هوامش :
- البلبال : الهموم والأنكاد
- الأجوال : النواحي
- الشملال : القويَّة
- التنبال : المذموم ، القصير عن نيل المعالي
- الأرسال :الأرتال من الإبل
- الآطال : الخواصر
وعْدٌ يحيِّرُني ، ويقلقُ بالي= ويضجُّ في جسدي ، وفي أسمالي
أسراقةُ البدويُّ يلبسُ تاجَهم = تاجَ الفخارِ ، وشارةَ الأقيالِ !
ويعودُ معتدًّا بوهجِ مشاعرٍ = وكوهجِ يومَ الفتحِ في استهلالي
وتردُّه آمالُ نفسٍ همُّها = حبُّ الحياةِ ، وحبُّ زهوِ المالِ !
وتخيبُ إذْ أحيتْ بفلبي فطرتي = خوفا من الشكوى لسوءِ فِعالي
أقدمْتُ ياللهولِ أرفُل بالرؤى = طلبًا لمجدٍ زائلٍ وجِمالِ
وقطعْتُ بيدًا قد توقَّدَ رملُها = حتى رأيْتُ على الرمالِ زوالي
إني رأيْتُ الرملَ ماجَ بأخمُصي = ورأيْتُ قدرةَ خالقي الفعَّالِ
والجاهليَّةُ والطغاةُ ، وعالَمٌ = متخبِّطٌ بالزيفِ والأوحالِ
والحاكميَّةُ للضلالِ وللهوى = ولكلِّ باغٍ مرجفٍ دجَّالِ
والظلمُ قيدٌ للسفاهةِ والأذى = أعتى من الأصفادِ والأغلالِ
وتناحُرٌ وتنابُزٌ ، ورجالُها = يتسابقون لخسَّةِ الأعمالِ
بالغيِّ والقيمِ الرخيصةِ والخنا = والفحشِ بعدَ الفعلِ بالأقوالِ
بئستْ حياةُ الجاهليةِ إنَّها = قتلٌ لروحِ تطلُّعِ الأجيالِ
***= ***
وأدورُ ويحَ القلبِ إنِّي حائرٌ = وهواجسي في يمنتي وشِمالي
وأصيخُ للصوتِ الذي في داخلي = يشفي تخبُّطَ حيرتي وخبالي
هذا الطريدُ سيملكُ الدنيا غدًا = من غيرِ حولٍ في يديْهِ ومالِ !
ويصوغُها بعدَ البداوةِ أُمَّةً = تطوي عروشَ الظالمِ المختالِ !
وأنا سألبسُ تاجَ كسرى ويحني = ماضرَّني في ذي الرؤى الستعجالي
يانفسُ : هل تهوي القلاعُ وتنتهي = صولاتُهم بمضاربِ الأبطالِ !
أيشيدُ مُلْكًا في الصحارى ضاحيًا = هذا الطريدُ بأحلكِ الأحوالِ ؟!
قد أخرجوهُ ، وألَّبُوا أشياعَهم = من بعدِ إيذاءٍ له وجِدالِ
وطغاتُهم فيها سُكارى عربدوا = والسَّعدُ بين القومِ في إقبالِ
وهو الطريدُ وحولَه أصحابُه = في فقرِ عمَّارٍ وضعفِ بلالِ
أَوَيستطيعُ مهاجرون فراشُهم = جمرُ الرمالِ ، و وطأةُ البلبالِ (1)
أنْ يفرشوا أرض الزمانِ جنائنًا = و يطرِّزوا للكونِ أبهجَ حالِ
يانفسُ : أنوارُ النبيِّ r جليَّةٌ = في وجهِه المتلألئ المفضالِ
إني أرى وعدَ الرسولِ r حقيقةً = تُنبي بفتحٍ هلَّ في الأجوالِ (2)
وأنا أَأَ حلمُ ؟ أمْ تراني خائبًا ؟ = أم فزتُ وابشرايَ بالآمالِ !
يانفسُ عودي ياسراقةُ واصطبرْ = فغدًا ترى ما لم يكنْ بالبالِ !
عودي فما أقسى إذا خابَ الرجا = أو غامَ طالعُه على الرئبالِ !
ذا صوتُه وجميلُ طيفٍ صاغه = مامثلُه في عالَم الأشكالِ !
نَبِّئْ طغاةَ الكفرِ أنَّهُمُ إذا = راموا هلاكَ مهاجرٍ صوَّالِ
لن يقدروا أبدًا عليه ولا على = طمسِ الهدى ، والكوكبِ المتلالي
فالدِّينُ للدَّيَّانِ خابَ عدوُّه = وإن احتمى بسلاحِه الفعَّالِ !
ولئن تدرَّرعَ بالحديدِ ، وإن أتى = بجنودِه ، فالكفرُ في إذلالِ
يأتي على بأسِ العدوِّ فناؤُه = وتزولُ عنه مظاهرُ الإقبالِ
وحيٌ سماويٌّ يدقُّ جلالُه = عن نظرةِ السُّفهاءِ والجُهَّالِ
دعْهَا فإنَّ اللهَ يُمهلُ مَنْ بغى = والَّلهُ بالمرصادِ للمحتالِ
وَعَدَ النبيُّ r المسلمين بعزَّةٍ = يلفونَها بجلائلِ الأعمالِ
وعْدٌ يرى فيه الهُداةُ سبيلَهم = رغمَ الظلامِ ، وآهةُ الإعوالِ
آتٍ ونورُ اللهِ لم يأفلْ ولم = ينضبْ دفوقُ أريجِه السلسالِ
فله الشبابُ : دماؤُهم . وإنَّهم = أهلُ الوفا في الوثبةِ الشِّملالِ (3)
ما الفوزُبالجنَّاتِ إلا بالهدى = والظلمُ رغمَ عتوِّه لزوالِ
والنَّصرُ للإسلامِ رغمِ فسادِهم = ماكان منصرمًا ، ولا بمُحالِ
آتٍ لأُمتنا بظلِّ كتابِها = فاصدعْ به في الصُّبحِ والآصالِ
ليس الحنيفُ بملَّةٍ مبتورةٍ = أو فكرةٍ للواهم التنبالِ (4)
إنَّ الشَّريعةَ دعوةٌ أبديَّةٌ = من قبضةِ الأجدادِ للأنجالِ
فانظرْ إلى روَّادِها وصفاتِهم = تشهدْ سُمُوَّ مناهجٍ وخصالِ
هي شرعةٌ بيضاءُ هلَّ عطاؤُها = بالبِرِّ والإبثارِ للأجيالِ
فاضتْ بها مجدا يدُ الهادي r وقد = عادتْ على الدنيا بخيرِ ظلالِ
أَسمعْتَ بالعجفاءِ شاةِ مضيفةٍ = لنبيِّنا r والضَّرعُ غيرُ مُوالِ !
يا أُمَّ معبد فاشربي من سلسلٍ = عذْبٍ يطيبُ مذاقَه و زلالِ
وَلْتَنْعَم الأيامُ في آلائه = فهو الرؤوفُ بأهلِها والوالي
صلَّى عليه اللهُ في عليائه = واللهُ ذو فضلٍ و ذو إجلالِ
***= *** وجوهُهم
هاجرْتَ لاوجلاً ولا برحيلِ مَنْ = تبعوكَ هاجَ الخوفُ في الأرسالِ (5)
فقلوبُهم ضاءتْ بنورِ عقيدةٍ = فمضوا بلا وجلٍ ولا إذلالِ
علَّمتَهُم بذلَ النفوسِ رخيصةً = للهِ لا للطعنِ بالآطالِ (6)
في عالمٍ ضجَّتْ حضارتُه بما = لذئابِها من غدرِهم وثعالي
يمشون فوقَ الجمرِ في غدواتهم = لايسأمون السَّعيَ شطرَ نزالِ
عصرٌ به استشرى فسادُ عقائدٍ = وبداءِ حقدٍ في القلوبِ عُضالِ
ساد الطغاةُ به وفيه استنسرتْ = غربانُه ، فالضَّبعُ كالرئبالِ !
عصرٌ به انقلبتْ مفاهيمُ الحِجَى = فالحقُّ باتَ كمنكرِ الأفعالِ
والصَّالحون سجونُهم أبياتُهم = والقتلُ والتشريدُ أفضلُ حالِ
قهقهْ أيا زمنَ الغوايةِ والهوى = و دعِ الأُباةَ الصِّيدَ في الأغلالِ
يا أرضُ وجهُكِ ما أشدَّ سوادَه = من ربقةِ الأرجاسِ في الصَّلصالِ
بشريَّةٌ عمياءُ يلهثُ خلفَها = سوءُ المصيرِ على يدِ الخُذَّالِ
وسفى الربيعَ الحُلوَ عصفُ عصابةٍ = ملعونةٍ تعدو لشرِّ مآلِ
أيغيبُ وجهُ الصَّالحين وقد طمى = سيلُ السَّفاهةِ لجَّ بالأوصالِ
وتلجلجتْ أنفاسُهم بصدورِهم = من غيرِ ما أملٍ ولا استقلالِ
ماذا نقولُ ، وللتجبُّرِ مسمعٌ = يأبى سماعَ النُّصحِ في الأقوالِ
والقولُ في وعدِ النبيِّ محمَّدٍ r = يُغني عن الإفصاحِ والإيصالِ
فتجلَّدي يانفسُ هذي حقبةٌ = أسرتْ نهارَ العصبةِ البُذَّالِ
لسنا على الزيفِ الرخيصِ مسيرُنا = أبدًا ، ولا نبكي على الأطلال
دافوا الكرامةَ بالهوانِ وصرَّحوا = أنَّ المآثرَ بِتْنَ في استحلالِ
ولووا عن السَّاحِ الخضيبةِ بالدما = أعناقَهم وهفوا مع الإجفالِ
لم يبقَ للخيلِ الكريمةِ ضبحُها = أو هِزَّةُ الإرعادِ والتَّصهالِ
ماتتْ مروءتُهم وجفَّ ترابُهم = وخوى اخضلالُ الدوحِ في الأجذالِ
ضلُّوا وما زالوا على إمعانِهم = وخُطاهُمُ الرعناءُ في إرقالِ
قد دوَّخونا فالإذاعةُ ثورةٌ = صخَّابةٌ محمومةُ الإرسالِ
تبًّا لأيامٍ مفاسدُها بهم = كُرَبٌ تفورُ بدامسِ الأحوالِ
ولقد رأوا ما قدَّموه لأُمَّةٍ = من خيبةٍ ومهانةٍ و كلالِ
لكنَّه الكِبرُ البغيضُ يلفُّهُم = والكِبرُ بالأهواءِ ذو إعمالِ
فَلْيعلموا أَنَّا بغيرِ كتابِنا = هملٌ بلا فخرٍ ولا آمالِ
والأمَّةُ اهتزَّتْ لشرٍّ نابها = مكدودةً من وطأةِ الأثقالِ
قد أقسمتْ بالله ألاَّ تنثني = عن سعيِها بالنفسِ والأموالِ
كي تستعيدَ مكانَها بين الورى = وتعيدَ منزلةَ الفخارِ الغالي
***= ***
غرباءُ عصرٍ ياسراقةُ إنَّنا = في هجرةٍ للشِّيبِ والأطفالِ
أكلتْ محيَّانا الهمومُ وصوَّحتْ = أحناؤُنا من وطأةِ الأثقالِ
لكنْ وقددارَ الزمانُ ، وكبَّرتْ = في المشرقين حناجرُ الأبطالِ
وبدا رحيلُ الغفلةِ العمياءِ عن = قِممِ بدنيا الصابرين طِوالِ
فانشرْ عليهم ياسراقةُ حلَّةً = مزهوَّةً بجلائلِ الأعمالِ
كم هزَّهم بوحُ الحنين إذِ الفدا = نادى ، وجمرِ الثأرِ في إشعالِ