المجد للأطفال والحجارة
نصافح من؟
نصالح من؟
وما في الضفة الأخرى
ولا في البيد غير حراب إسرائيل مهتزّه
وغير كتائب من عهد حطّينِ
بما صنعت سيوف الروم معتزّه!
ح.أ.
الإهداء
إلى أبي بكر ياسين، إيقاع الإسلام
في ذلك الأرخبيل البعيد
إلى أحمد ياسين، صوت الفجر في ليل الهزيمة
إلى عبد السلام ياسين، مستودع تواضع السنبلة، وشموخ الجبال الأطلسية
سلام على آل ياسين في المشارق والمغارب
عَهدُ الشَّتات
{1}
ركب الصحاب تفرّقا
يا ليت عرّاف اليمامة ما رقى
{2}
عهد الشتات اليوم يبدأ والغزاةُ
ناموا على سُرُرٍ السلامٍ..
فوطّنوا الروح السجين على احتمال مباضع الأعداء فينا
واحتمال مواجع الأطفال، والقُوّاد ماتوا
وتلقَّفَ الشّعْبَ الشّتاتُ
{3}
مفتاح قلعتنا العتيدة
اليوم يُسلمه الزعيم إلى العدوّ،
ويستريح إلى المخدّة والجريدة
لقد استراح الفارس المغوارُ،
وانتحرتْ على يده القصيدةُ، فاحتسى دمَّ القصيدةْ
فلمن يُزيّن بالمسدّس خِصره؟
ولمنْ يُصلّي بعدما دفن العقيدةْ؟
{4}
وا حسرتاه!
أكلت من الثديين حُرةْ
لا تحْرصنَّ على حياةْ
فالموتُ أكرمُ ألف مرَّةْ
الاثنين:13\09\1993
حَديثُ القبَّرَة
بعدما أجمعوا أمرهم في العشاء
بعدما أوضعوا..
يبتغون الوقيعة ما بين أمٍّ وأبْ
وبين امرئٍ وأخيهِ
وصاحبةٍ وبنيها
ويستبدلون بماضي العزائمِ سيف الخشبْ
بعدما هيّئُوا قبرهُ
بعدما وقّعوا،
بعدما رجعوا بالغنيمة وانتعلوا الكبرياءْ
بعدما شيّعوا كلَّ أحلامه المشتهاة
وكلّ مواعيده المثمرةْ
بعدما أودعوا زبد البحْر في لحظة أنْهُرَهْ
أطلق القائد الملهمُ الحنجرةْ
والمسدّسُ خصره يتدلّى كزنّار راهبةٍ تسأل المغفرة:
قد رفعنا جدار السّلام
وسقنا إلى البلد الميْتِ غيمته الممطرةْ
قالت القبّرةْ:
لا تصدّقْ بما لا يكونُ،
ولا تأسفنَّ على ما ذهبْ
قلت: والثالثة؟
وهمى صوتها كانهمار السّماءْ:
ليست السّلم تفّاحةً من أثيرٍ
تجيئك في طبقٍ من ذهبْ
واللبيب اللبيب الذي يجعل البندقيّة ريشتهُ،
ويؤثر أن يجعل الدمَ ، يا صاحبي، محبرةْ
وجدة:8 جمادى الآخرة1415
12 نوفمبر 1994
الحانُ
يقف الشّاعر ذهلانَ على الأرض الخرابْ
ما الذي تبصرُ عيناكَ؟
غرابْ
ناعباً في طللٍ، حُزْنَ يمامْ
يغمر الكونَ.
وماذا يبصرُ القلْبُ؟
حطاماً في حطامْ
يقف الشّاعر ذهلان وفي القلْبِ حرابْ
لم تعدْ بيروتُ بيروتَ، ولا الأرضُ هي الأرضَ،
ولا لون السّماءْ
لم يعدْ صدر حبيبي
مخْبأ الحزْنِ، ولا مستودع الحكمةِ في ليل الخطوبِ
لم يعدْ ثغر حبيبي
نبع ماءْ
لم يعدْ يفضي على الشّعْر سوى بوّابة البحر الكئيبِ
لم تعدْ بيروتُ بيروتَ ولا هذا الوطنْ
حانةً يأوي إليها الشعراءْ
شاعرٌ يأكل من لحم القضيّةْ
منشدا تحت عراجين الشجنْ
علّمتني سطوة الظلمة أن أرحلَ،
أن أختارَ في الليل مصيري
أن أضمّ الجرحَ، أغزو ليل باريس، وأختار عطوري
عّلّمتني كيف أرتاد النجوم الخمسَ، أغتال عصافير الشّعور
...........................
...........................
حين يكبو الشّعرُ في الليلِ وتعشو الباصرةْ
التفتْ تبصرْ بعين الذَّاكرةْ
أمماً تتلو سواها
تبصر الدّنيا متاها
إنه يسترق السمعَ إلى جرح الحضارةْ
يرتدي من زخرف القول الرّفثْ
وهْو يرتاد السّراديبَ، يسمّي كلّ شيءٍ عبثاً
التباريحُ عبثْ
التراتيلُ عبثْ
الأعاصير التي تصدر من نهر الجُثثْ
كلّ شيء عبثٌ إثر عبثْ
غير بومٍ يئد النّاسَ على أصداء قنديل حزين
تخذ الجبّ قرارهْ
برد الإيمانُ في قلبك، يا قلبي،
وغالت نورَك الوهّاجَ أغلال الغوايةْ
وصياصي ذاتك الشّمّاء أضحتْ شلو آيةْ
ليس شكّاً، بل لضعف نسجته الكبرياءُ الموقدةْ
فالتمسْ هدْيك في ظلّ الغبار
قبل أن يأتيَ ظلٌّ من دخانْ.
كان حانْ
قرْبه ينبض حانْ
وفتى يتخذ الشوقَ حصانهْ
يدخل المسجد عصراً
ويصلّي وحدهُ، أو ربّما
خلفه كانت تصلّي الأعمدةْ
بنفوسٍ مجْهدةْ
مسجدٌ آخر في الظلمة كانْ
عاشقاً صوت الأذانْ
والأذان
كان يستوطنُ من وحشته جرحَ اسطوانةْ
عَصافير اللّهيب
تعطينني وهجاً فأنهض من جديدْ
من بعدما سدّ الغبار منافذ الجرح الوليدْ
من بعدما صدئت حياتي، مثلما يصدا الحديدْ
وتكلّس الدّمُ في المفاصل والوريدْ
تعطينني ألقاً فينتفض البدنْ
ويزاح عن قبري الكفنْ
تعطينني أملا، فأشرع للهواء نوافذي الخضراءَ،
أطلقُ للفضاء الرّحْبِ من شغفٍ،
ومن لهفٍ، عصافير اللهيبْ
وأقولُ والدَّمْعُ الصَّبيبْ
سرٌّ بأجفاني يكابرُ أن يجودْ:
لا تبك يا بلدي الحبيبْ
فجموعك الحبلى لها طلعٌ نضيدْ
باريس: 21 6 1985
اعْتذَار
أتتني رسائلكمْ في الضّحى
مضمّخةً بعبير الجهادْ
فجرّدْتُ سيفيَ حَرْفاً تجلّى
وقد يفْتح الخافقينِ المدادْ
وأرسلت خيلي المغيرات صبْحاً
تغورُ وتُنْجِدُ في كلِّ وادْ
وللكلمات العتاقِ انطلاقٌ
كبتْ دونه الصّافناتُ الجيادْ
ولكنّني ظامئٌ للذي
شربتمْ به في ليالي السّهادْ
وقدْ شاقني طائر الحرمينِ
حتّى تفطّر منّي الفؤادْ
وأعْلمُ أنّ سبيل الضّلالِ
شهيٌّ، وأنّ سبيلَ الرّشادْ..
فمالي تقَيِّدني الشَّهواتُ
وتخْلد نفسي لغير السّدادْ
فمعْذرةً إن أنا لم يطرْ
جنَاحايَ بي نحو أرض الجلادْ
وأعْلم أنَّ الغبار سينْفي
دخانَ جهنّم يوم التنادْ
أينْفَعُ معتذراً عذْرُهُ
إذا جأرتْ في القيود البلادْ
وقام الفتى ابن المباركِ يدعو:
يا عابد الحرمين الجهادْ
الجمعة 9 شوال 1410
4 ماي 1990
هِبيني لحْظةً أخرى ..
هبيني لحظة أخرى
تُجدِّدْ عمْريّ الفاني
أمامي ألفُ معْركةٍ
وقُدَّامي قد اشتعلتْ حروبٌ تقصم الظّهْرا
هبيني لحظة تمتصُّ أحزاني
وتنبتُ في فؤاد العاشق الصبْرا
فتُزْهِرُ ألفُ عندلةٍ بديواني
هبيني لحظةً أخرى
إذا ما اهْتزَ بُنياني
تقيني ضربةَ الزّلْزال،
تقمع نزغ شيطاني
تدثِّرني بخوف اللهِ،
تحميني من الشهواتِ،
من خطرات عصياني
وكيف أقاتل الأعداءَ إن أمّارتي بالسّوء لم ألجم غوايتها
وقادتني لخسران؟
هبيني، رغم بعدي، لحظةً أخرى
أشمُّ قميص يوسفَ حين يغشاني
وألثمه وإخوته،
وأقرأ صمتك المغموس في أعراق نيسانِ
يُمهِّدُ لي الطريق الصّعْبَ، يزرعُ.. يزرعُ النّصرا
هبيني لحظةً أخرى
لأحضن درعي المجبول من عزمي وإيماني
وسيف الله أحْملهُ
إذا ما سدّ دربي سوطُ طُغيانِ
هبيني لحظةً أخرى
فما اعْددْتُ لي عُدّةْ
وما أسرجْتُ خيْلي بعدُ ،
كي أمضي، أصدُّ جحافل الرِّدَّةْ
وما هيّأتُ لي كفناً، وقد نهبوا تراثَ أبي
وداسوا هيْبة الكتُبِ
وقد أساورَ أمّيَ الثكْلى، وباعوا الدّين والوطنا
هبيني لحظةً أدْفعْ بها الوهَنا
وأخْلعْ جُبّةً من عارْ
وأرفع من جديدٍ رايةً خفقتْ بحطّينِ
وأكتب آخر الأشعارِ،
أكتب أنبل الأشعارْ
بلغمِ.أو ..بسكِّينِ
المدينة المنورة:93 وجدة 94
المَجْد للأطْفَالِ والحِجارَة
المجد للأطفال والحجارةْ
من أطلعوا من ليلنا نهارهْ
ومن جفاف عمْرنا النّضارةْ
من دفنوا المدائن المنْهارةْ
وفتحوا أزْمنة الحضارةْ
المجد للأطفال والحجارة
من أشعلوا في يأسنا الشّرارةْ
من شيّدوا في دربنا منارةْ
من زرعوا في الأضلع البشارةْ
وصنعوا لشعْبنا انتصارهْ
غرْناطة الثّانيَة
( 1491 – 1991 )
يستعيرُ مدامع العشّاقِ
هذا النّيزك الفضّيُّ عند تكسّر الأشواقِ
يعْلن في القبائل أن آخر قلْعةٍ بدويّةٍ
قد أسلمتْ للذميين سلاحها
لم يبق في ليل الجراح سوى الرّحيلْ
أرسمْ نشيد الفتح والمسرى على زند الأصيلْ
ستظلّ وحْدك تستردّ نضارة الأشياءِ،
وحدك تستمدُّ توهّج الأسماءِ،
وحدك لا تبيع البرتقالَ اليافويَّ لأذرع الغرباءِ،
وحدك أنت في كلّ المحافلِ صيحة الأشواقِ،
وحدك في دروب الموت راية عاشقِ كفّاه فوق الجمرِ،
وحدك أنت في غرناطةٍ سيفٌ بخاصرة الذين تبوءوا سُرُرَ الخيانةِ،
أيّا السيفُ العصيُّ على الفصولْ
أرسل حمائمك الجوارح، فهْي تحسن أن تقولْ:
أسرجْ غبار الصافناتِ، فهذه البيداء حشْرُك،
والسُّيوف لها صليلْ
واقرأ كتابكَ، فهْو موئلك المباركُ، وهْو مسراك الجليلْ.
باريس: 03 - 11- 1991
البحّار
أنا الذي أبحرتُ من سنينْ
معفّر الجبينْ
مقطّع الأطرافِ يا أحبّتي، منقطع الوتينْ
من سلفي كان صلاح الدّين
وكان نور الدّينْ
كيف إذن، وا أسفا، انتهيت
لشاطئٍ حيران، لا برٍّ، ولا أمينْ
أشرعتي مكسورةٌ، وعالمي حنينْ.
كلّ الطغاة جرّبوا، من عهد هولاكو إلى رابينْ
أن يثقبوا رأسي، وأن يصادروا مشاعري،
وأن يراقبوا بكلّ لحظة خواطري،
ويأخذوا منِّيَ باليمينْ
وفي الحروب يجعلون جسدي
خوفا على عرشهمُ، ترسهم المكينْ
لكنّني أطلع مثل البرق من محاجر القرونْ
أسلحتي حجارةٌ، ورحمةٌ من ربّكمْ،
وآيةٌ من سفره المبينْ
يضيق بي الطغاة ذرعا ..
يشربون، ثمّ يعلنونْ
بأنّني معلّمٌ مجنونْ
يُقْذفُ بي، كأنني المجرم، في غيابة السجونْ
حتّى إذا مسّهمُ القحطُ، وغالتهم يدُ السنينْ
إذا همُ إليّ يُهرعونْ
كلّمني عزيزُ مصر: أيّها الأمينْ
إنّك عندي اليومُ سيّدٌ مكينْ
لكنّني من قبل أن يتمّ لي التَّمكينْ
يُحرّض المليكُ ضدِّي معشرٌ أجرأ من مجلّح الذئابْ
تغريه بي أجهزة السافاك والموساد:
نخاف أن يُبدِّل الدّين، وأن يُظْهِرَ في بلادنا الفسادْ
حذارِ فهْو مجرمٌ مرتابْ
وتوصدُ الأبوابُ دوني، توصد الأبوابْ
لكنّني أطلع مثل البرق ليس يعرف الحدودْ
والنّهْر للوراء لا يعودْ
وأبدأ الإبحارَ من جديدْ
أشرعتي محْكمةٌ، وبصري حديد.
المدينة المنورة:
الخميس 4 محرم 1414\ 24 يونيو 1993
أمّ الحَمَام ..
أمُّ الحمام مرّةً
قالت لهم لا تخرجوا
قالت لهم في عشّها
قالت لهم لا تخرجوا
ففي خروجكم أذى
وخطرٌ وحرجُ
فخرجوا من عشّهم
ولم يبالوا بالخطر
حين أتاهم ثعلبٌ
تقدح عينه الشّررْ
لم يهنوا.... لم يحْزنوا...
ورجموه بالحجرْ
صبْوَة الأطْفال
تطلُّ الشّمسُ من خلف الشراع رقيقةً عذبة
ويبقى الفلك بين الموج يرتقبُ الضباب،
ويحتسي الرّهْبة
ويغشانا الظلام ليستبيح بقيّة العزّة
وأصبحت الأيائل تغتدي وتروح،
ألْسنة اللهيب لها الدليلُ:
ومن سيحملنا إلى القدْس العتيقةِ؟
أو إلى يافا الأسيرة أو إلى غزّة؟
سيمضي العام تلو العام..
ويبْحر زورق الأحلام..
وتكبر صبوة الأطفالِ، في يدها الحجارةُ،
تستردُّ الأمرَ،
ترجم سامريّ العصْرْ
وتمنح روحَها الخفّاقَ قلب الصخْرْ
نصافحُ منْ؟
نصالحُ منْ؟
وما في الضفّة الأخرى،
ولا في البيد غير حراب إسرائيل مهتزّة
وغير كتائب من عهد حطِّنٍ،
بما صنعَتْ سيوف الرّوم معتزّة
ألا يا سيّد الشُّهداءِ، يا حمْزةْ
أعدْ زمن الجِهاد إلى مفاصلنا،
وخلّ كتائب الشهداءِ تحْفَرْ قبْر من باعوا
بسوق بني قريظةٍ عرْض أمٍّ صانَ صولتَها
غداة الرّوْع قعقاعُ
فألْف مناةَ تحكمنا
وألف يزيد يرجمنا
وعند (البيت) يشرب كأسه المزّة.
1989
القرار
(إلى اللائي خرجن في شوارع الجزائر، وهنّ يهتفن: احكمونا بالإسلام.. نكني تسلاس انفطمة نسومر ماتشي انجان دارك)
[1]. (نحن من سلالة فاطمة نسومر، لا جان دارك)
وسوم: العدد 736