سيرة عن الغناء في السودان !!!
سيرة عن الغناء في السودان !!!
توثيقي للفن السوداني
سليمان عبد الله حمد
نتناول في هذا المقام تحليل لكتاب الصحافي السوداني المغترب معاوية حسن يس بعنوان (من تاريخ الغناء والموسيقي في السودان ) ما عده النقاد والمهتمون بالنشاطات الفنية والموسيقية مساهمة غير مسبوقة منذ عقود في حقل الدراسات السودانية الذي قلت المساهمات فيه حتى على الصعيد الأكاديمي 000 ناشر الكتاب هو مركز عبد الكريم ميرغنى الثقافي (تحت رعاية رجل الأعمال الأنيق محمود عثمان صالح ) ويمثل الكتاب الجزء الأول من موسوعة تاريخ الفناء والموسيقي في السودان التى ألفها الصحافي والإذاعي السوداني معاوية حسن يس ، وهو جهد مقدر أستغرق أكثر من 20 عاماً من البحث والتمحيص والتدقيق والمقالات النادرة والصور التاريخية الثمينة ، وقد تولى التقديم من الموسوعة ومؤلفها الشاعر السوداني المبدع محمد المكي إبراهيم الذي يعد أحد أبرز أعلام الفكر السوداني المعاصر ، وهو سفير سابق للسودان في عدد من الدول ويقيم حالياً في الولايات المتحدة 000
ويقول استاذ الدراسات السودانية المعروف الدكتور /عبد الله علي إبراهيم في تقديمه للجزء الثاني من الكتاب الموسوعة ( سيعجب القارئ بسعة حيلة المؤلف من جهة المصادر التي استعان بها في تأليفه ) ويضيف هذا كتاب نافع لن تعود الكتابة عن الأغنية السودانية المعروفة بعده كما كانت قبله ، وسيبقي مثله في وكد البحث وتحري المصادر وبراءة الخاطر قدوة تحتذي في حقول أخري ) 000
تفاعل وامتزاج طوعي :
يقول الشاعر محمد المكى إبراهيم في تقديمه (في هذا السفر النفيس ينقب المؤلف في تاريخ الفناء والموسيقي في السودان منذ الجذور الأولى إلى مراحل التطور والارتقاء مستخدماً في وضع هذا الكتاب الفريد ذاكرة المؤرخ ومنهج السوسيولوجست ومسحاة الآثار ليتتبع نشوء الغناء السوداني في أعمال التاريخ القديم لحضارات نوبياً وميروي وكوش مع رصيفاتها من حضارات السودان في الجنوب وتقلي والفونج ودارفور ، وفي تفاعلات تلك الحضارات السودانية فرادي ومجتمعه 000 ويضيف عمل صعب ولكنه عمل جليل فمن خلاله يطل علينا وطن واحد لشعب واحد متعدد الثقافات قادر على التعايش والإصغاء لحضاراته المكونة معتزاً بكل جزئياتها وسامحاً لها بالتفاعل والامتزاج دون عقد أو تعقيدات ، وفي غضون ذلك يكشف المؤلف للقراء جمال السودان القديم الجديد واعتزازه بمكوناته الحضارية وذلك من خلال التطور التدريجي لواحد من أحب أشكال الثقافة إلى القلوب وهو فن الموسيقي والغناء ، ثم يخرج من متاهة الماضي بما فيها من عماء التكوين الأول و جزافيته و قابلياته للاستكناه ليدلف بنا إلى الأزمنة الحديثة حيث يتوقف كل شيء على التوثيق والتدقيق ) 000
يقول محمد المكى إبراهيم عن المؤلف معاوية يس ( للكاتب باع لا يجاري ، فهو المؤرخ والمدقق المحقق والصحافي الشاهد على عصره ، والرجل الذي التقى بالمبدعين المعنيين وسمع منهم وناقشهم وجادلهم وأطلع على رواياتهم للأحداث ومحصها وضاهاها بروايات الآخرين ، وهو إلى ذلك متفهم لفن الموسيقي ولفن الشعر الذى يقترن به في تقديم الأغنية كحملة لحنية وشعرية موقعة على نسق فني معهود وغير معهود ) 000 يختم الشاعر تقديمة بالقول ( لقد ووجدت في متابعة فصول الكتاب متعة كبرى فكيف بالغاوين الحقيقيين ( وما أكثرهم تحت شمس السودان المغنية من أرباب الطرب والأريحية ممن يذهلون عن أنفسهم متي تملكتهم نشوة الطرب ) 0000
فجر الأغنية الحديثة :
يتناول المؤلف في الفصل الأول تحت عنوان الغناء في السودان منذ أقدم العصور مستشهداً بأكبر عدد من الشواهد والمراجع التاريخية والوثائق ، بدءاً من عهود الحضارات السودانية الغابرة حتى عهد الدولة المهدية ليصل إلى فجر الأغنية الحديثة وهي التسمية التى يطلقها على ما يعرف في السودان بأغنية الحقيبة ، و أورد في هذا الجانب بحثاً شاملاً غير مسبوق عن بيئة الغناء في الفترة التى قادت إلى ظهور أغنية الحقيبة خصوصاً شعر المناحات والحماسة القبلية ، مروراً بعهد أغنية الطنبور التي خرجت من اهادبها أغنية الحقيبة ، ثم يفرد باباً لميلاد الأغنية الحديثة ، موثقاً لبدايات فن الحقيبة وما يعتريه من اضطراب في الروايات والأسانيد 000
وفي الفصل الثاني ينبري المؤلف لدراسة تاريخ الموسيقي السودانية خصوصاً محاولات تعريفها ، مروراً بانعكاسات مشكلة الهوية التي يعانيها السودان على توجهات وأفكار الموسيقيين في هذا الشأن ، ويحاول سرد خصائص الموسيقي الغنائية السودانية ومشكلاتها مع التعرض لآراء ومقالات الكتاب والأكاديميين الغربيين الذين درسوا جوانب الموسيقي السودانية مثل العالم الألماني ( سايمون أرتور ) ويفرد باباً في هذا الفصل لأسانيد عزف العود في السودان 000 يتضمن مقابلة نادرة مع العازفين برعى محمد دفع الله وبشير عباس وعلى مكى مع مسرد يرصد المقطوعات الموسيقية لكل مهنم مع تاريخ تسجيلها للإذاعة السودانية ، ثم يتطرق إلى تاريخ آله الكمان وسيرة أبرز عازفيها خصوصاً البروفسور الماحي إسماعيل والعازف الرائد السر عبد الله والموسيقار علاء الدين حمزة والعازفين على ميرغني ومحمد عبد الله محمدية ، وينبري المؤلف لتدوين تاريخ آلتى الأكورديون والقيثاره في البلاد ، ثم يعرج على تاريخ آله الطمبور الشبيهة بالربابة العربية بإمتدادتها في الشمال والجنوب وجبال النوبة والنيل ، مع عرض واف لكتاب الأكاديمية البريطانية (غويندولن بلملي) ( الطمبور السوداني ) يورد أيضاً معلومات عن تاريخ الآلات النحاسية في البلاد ، وبقية الآلات الشعبية الشائعة في السودان ، ويكرس المؤلف فصلاً لتاريخ الموسيقي والغناء السودانيين في المتاحف والجامعات العربية ، وكيفية تصنيف الموسيقي السودانية في الغرب باعتبارها موسيقى عالمية 000
تاريخ الإذاعة السودانية :
في فصل آخر يبحث المؤلف في تاريخ الإذاعة السودانية منذ التجارب اللاسلكية الأولى التي أجراها الاستعمال البريطاني على متن باخرة على مياه النيل والبرقيات التي تبادلتها سلطات الدفاع والاستخبارات البريطانية في هذا الشأن ، وبدايات البث الاذاعي والشخصيات التي بدأت العمل والتقاليد الإذاعية السودانيى مع رصد محاولات تطوير طاقة ا لبث وتوسيع الاستوديوهات ويورد مسرداً شائقاً بأسماء- المديرين الذين تعاقبوا على إدارة الإذاعة السودانية منذ عهد البريطاني (فنش دوسون ) إلى عهد مديرها الحالي (2005 م) مع السيرة التفصيلية الخاصة بالأستاذ / على محمد شمو وزير الإعلام السابق 000
ويتضمن الفصل أهم المذيعين ومقدمي البرامج ومهندسي الصوت والمخرجين ومسئولي المكتبة الصوتية ، ويعزز المؤلف هذا الفصل بباب يتناول فيه تاريخ صناعة الإنتاج الفني بدءاً من إنتاج أسطوانات مرحلة حقيبة الفن في عشرينات القرن ال العشرون مروراً بتجربة محمد حسن سعد وولده منصور (منصفون) وحسن مصطفي صالح (سودان فون) ويلحق بهذا الفصل معلومات طريفة عن إلصاق اسماء المدن والمناطق بأسماء المطربين 000
وقبل أن يختم هذا الجانب يورد وقائع تاريخية مهمة من أضابير دفاتر مكتبة البازار التي حصل عليها من صاحبها المرحوم ديميتري البازار قبل وفاته في عام 1989 م ، ويرفقها بصور نادرة لأغلفة أهم الأسطوانات السودانية التي صدرت خارج السودان ، خصوصاً الأسطوانات الأربع التي أنتجها المطربون عبد العزيز داود وعبد الكريم الكابلي وأحمد المصطفي والموسيقار برعى محمد دفع الله في واشنطن سنة 1975 م إلى جانب الأسطوانات السودانية التي صدرت في لندن خلال الثمانينات والتسعينات من القرن الماضي 000
سير شعراء ومطربي الحقيبة :
ويكرس المؤلف الفصل الرابع من كتابة لتدوين تراجم رواد الغناء السوداني الحديث الذي يسميه العامة حقيبة الفن ، وهي سير خالية من الانطباعية إذ عكف المؤلف على كتابتها بعد بحث وتقص ومقابلات ورجوع إلى امهات كتب الدراسات السودانية والمجلات السودانية وتشمل التراجم : الشاعر العبادي ، عمر البنا ، سيد عبد العزيز ، صالح عبد السيد ، عبد الرحمن الريح ، خليل فرح ، محمد ود الرضى ، حدباي ، أحمد العمرابي ، عبيد عبد الرحمن ، محمد على الأمي ، عميد الغناء السوداني محمد أحمد سرور ، على الشايقي ، الأمين برهان ، كرومة ، إبراهيم عبد الجليل ، عبد الله الماحي ، أولاد شمبات ، ديميتري البازار 0
وتتضمن ترجمة العبادي ملفاً خاصاً بإنتاجه المسرحي ، مع نصوص عدد من القصائد التي لم ينشرها العبادي ، ويتطرق في ترجمته لسيد عبد العزيز إلى جهده في التأليف المسرحي وهي جوانب تكاد تكون منسية بسبب افتقار مكتبة الدراسات السودانية إلى مثل هذه السير التي تستند إلى وقائع وأسانيد ومقابلات صحافية وإذاعية 0
ويختم المؤلف الجزء الأول من كتابه الموسوعي بمسرد يمثل تقويماً أو جدولاً زمنياً لأهم الأحداث التي شهدتها الساحة الفنية في السودان ، منذ دخول آلات الموسيقي السردارية إلى البلاد عام 1884 م ، وتكوين موسيقي الأورط العسكرية في 1888 م ، ويشمل المسرد تدوين تاريخ ميلاد ووفاة معظم أقطاب الساحة الفنية والشعرية الغنائية السودانية 000
أعتقد جازماً بان الكتاب فيه كثير الحقائق والمعلومات التي ظلت غائبة عن كثيرة ممن يشغلون الساحة الفنية السودانية اليوم ، فضلاً بأنها تتضمن فصولاً من الحنين إلى الماضي المنسي ، فهو مرجع حقيقي لمن أراد أن يرى الماضي بعين الرضي كما هو إضافة حقيقية لمكتبة الأغنية السودانية الحديثة 000 فهلا استفاد جيل اليوم من تجارب جيل الأمس الجميل 000 (قد يكون الماضي اجمل ولكن الحاضر أحلي )
سوف يكون لنا لقاء آخر مع مبدع وزمن من الفن السوداني الأصيل في الأيام القادمات 000 مع صادق مودتى حتى يحين اللقاء مع مبدع وزمن من بلادي 000