فيما يتعدى الحرف .. لكمال جنبلاط

فيما يتعدى الحرف .. لكمال جنبلاط

كمال جنبلاط

عبد الله زنجير *

(عضو رابطة أدباء الشام)

[email protected]

كمال جنبلاط ، عظيم قومه ( الدروز ) وهو صهر أمير البيان العلامة الأستاذ شكيب أرسلان  رحمه الله . . يمزج مابين العقل والعاطفة ، والثقافة والسياسة ، والوطنية والعروبة ، والإسلام والأديان ، بمنطق اللاازدواجية في الغالب ! كمال جنبلاط مشروع معلم وفلسفة حرية وحوار ، يتميز بعقل كبير ومحاكمات ناضجة . لو طال به العمر لربما اقترب من الحق أكثر ، وقرأ الإسلام أكثر . وهذا ما يستشف من كتاباته التي نتفهم بعضها ، ونختلف مع بعضها الآخر

إغتيل كمال جنبلاط ، الشخصية العربية الإنسانية ، في السادس عشر من آذار مارس 1977 م قرب حاجز للجيش السوري

وبذكراه هذه ، نطل قليلا على كتابه ( فيما يتعدى الحرف ) الذي ألفه ( لكي يعرف الناس بعضهم بعضا أكثر من ذي قبل ) وذلك عبر هذه الإختيارات غير المبتسرة ، والتي تؤشر لنهج الرجل وحضوره المعرفي

يحكي في المقدمة فيذكر بأن ( النمل يتوجه وحده إلى حيث تكون قد وضعت قطعة من السكر ، وما من حاجة إلى دعوة النحلة والنملة . وكذلك عندما يصبح الإنسان طاهرا وكاملا ، فإن التأثير اللطيف لطبيعته ينتشر في الأرجاء ، وجميع الذين يطلبون الحقيقة ينجذبون إليه بصورة طبيعية ) ص 12

وفي بحث ما بين الإسلام والنصرانية يقول ( إننا على يقين أن قضية العصبية الطائفية إذا ما عولجت من جذورها ، وعلى الأقل فيما يؤول إلى تنقية الصحافة و دور النشر وتعميم التعليم الرسمي وخاصة في الحقل الإبتدائي ، وتطهير الجو العام من حلقات الدعاية الأجنبية ، فإن الشعب في لبنان لن يلبث أن يعود إلى هذه الوحدة المعيشية والمعنوية التي رافقت تطوره عبر العصور ) ص 33

ويتحدث عن جذور السببية فيخلص ( نتصور مرارا أننا نصنع التاريخ ، بينما التاريخ هو الذي يصنعنا . فنندفع في تياره و نعلو فوق قممه وأمواجه ونتأخر في انخفاضاته وتعرجاته ، تماما كاللاعب المسترسل في الخضم الواسع وقد لبس ما يستطيع أن يطفو به فوق سطح الماء ، وترك عنان قيادة هذا القارب الحي على عفويته وعلى هواه ! ) ص 65

ومن خلال تناوله للحضارة يذهب للقول ( الحضارة الحارجية ليست بحضارة . لا ينفع الإنسان أن يكون متمدنا متحضرا في خارجه ، بل عليه أن يكون متحضرا متمدنا في داخله .. الحضارة الحقيقية هي في الشخص  في المتحسس  في الناظر المدرك العارف للأشياء ، وليست قائمة في الأشياء . وبدون ذلك لن يكون تقدم ولا حضارة ) ص 80

وفي حديثه عن الغد يخاطب الجيل قائلا ( وها نحن نخاف اليوم علينا وعليكم من هذا التبدل السريع ، الذي لا يرافقه تقدم روحي وأخلاقي مقابل ومتواز ، والذي يفرض علينا هذا التبديل هو في معظم الأحيان رغبة هذا المصنع أو هذا المتجر أو ذاك المحترف بأن يبيع في السوق سلعة جديدة ، لكي يكسب السوق ويسيطر عليه على الدوام . فنحن غرض لاأكثر بالنسبة لسوق الإنتج وعملية التوزيع والإستهلاك ، تماما كسائر الأغراض التي نبتاعها ) ص 86

وفي تناوله لروحية العالم الجديد يؤكد بأن ( العلم التطبيقي ، في عصر الصناعة القائم ، هو أبعد ما يكون عن العلم الحقيقي . لأنه يقصد منه الربح  لا خير الإنسان أساسا وانطلاقا  وغاية ) ص 94

باختصار : كمال جنبلاط - وبغض النظر عن أقوال أنصاره وخصومه - ليس رجلا عاديا .. ولذلك قتلوه

فيما يتعدى الحرف / طبعة المركز الوطني 1987

              

* كاتب سوري