التوازن الاستراتيجي المفقود في القرن الواحد والعشرين
التوازن الاستراتيجي المفقود
في القرن الواحد والعشرين
قراءة: م. شاهر أحمد نصر
الكسندر بانارين ـ ترجمة فؤاد مرعي
"التوازن الاستراتيجي المفقود في القرن الواحد والعشرين" من الكتب الهامة التي أصدرها اتحاد الكتاب العرب بدمشق في عام 2006. الكتاب من تأليف المفكر الروسي ألكسندر بانارين ـ ترجمة د. فؤاد مرعي.
يتضمن الكتاب أفكاراً هامة وملحة وضرورية لفهم ما يجري في بلداننا ومن حولنا، ولاستشراف آفاق المستقبل الذي ينتظر البشرية في القرن الواحد والعشرين، الذي تتميز بدايته بـ"زحف الحلف الأطلسي إلى الشرق" هذا الزحف الذي يعدّ تحطيماً جديداً للاستقرار.
لا بد بداية من التنويه إلى أننا لا نتفق مع الكثير من الأفكار التي يطرحها الكاتب، الذي يزعم محاربة الأفكار الطوباوية، ويدعو في الوقت نفسه لأفكار ليست أقل طوباوية...
من الأفكار والمسائل الهامة التي يسلط الكاتب الضوء عليها، والتي تستدعي التمعن والتدقيق، مسائل الليبرالية والديموقراطية والدولة والاقتصاد والإصلاح الاقتصادي، هذه الأفكار التي يناقشها الكاتب عند بحثه في الحرب العالمية الجديدة التي أعلنتها الرأسمالية على العالم أجمع بعد انتصارها في الحرب الباردة على الاتحاد السوفيتي، ذلك الانتصار أدى إلى تدمير النظام الاشتراكي، نتيجة لأسباب مختلفة منها الذاتي ومنها الموضوعي، والذي استخدمت في تدميره وسائل متعددة من بينها الإصلاح الاقتصادي.
قبل الحديث عن سلاح الإصلاح الاقتصادي، من الممتع التعرف على وجهة نظر الكاتب حول مسألة ستبقى تشغل البشرية لأجيال عديدة قادمة، ألا وهي:
مأساة انهيار الاتحاد السوفيتي؟
يرى الكاتب أنّ التمرد ضد الشيوعية في الاتحاد السوفيتي برز من خلال فئتين: فئة حاملة للتفكير السليم منتشرة في كل مكان، وفئة محترفة مطالبة بمبادرة فكرية جديدة، في الوقت نفسه.
لو أن الدولة السوفيتية كانت دولة مدنية، أي لو أنّها كانت تراعي الفصل بين السلطتين السياسية والروحية، لاستطاعت أن تتحول تدريجياً إلى صف المجتمع في احتجاجه الفكري على "النظرية" التي أنهكها الإيمان الأعمى، ولكن الدولة كانت منذ البداية مبنية كدولة أيديولوجية مكتبية، ولذا بالضبط وقفت إلى جانب الأيديولوجيا وضد المجتمع.ص71
الفتى أوديب ضد الاتحاد السوفيتي
يكم فضل الفرويدية بالضبط، من وجهة نظر الكاتب، في إظهارها أن المحافظة على الحالة المتحضرة للمجتمع في أية مرحلة تاريخية هي مسألة إشكالية، وأن البربرية ليست مرحلة تم تجاوزها إلى الأبد. لقد وصفت هذه المسألة بلغة الدين بأنها مسألة الإثم، أما بلغة التحليل النفسي فوصفت بأنها مسألة البناء الاجتماعي.ص103
لقد وصف فرويد "عقدة أوديب" أي السعي اللاواعي للتخلص من ذلك الشيء الذي يذكرنا دائماً بالواجب والمسؤولية ـ كقوة في داخلنا تميل إلى الفوضى والبربرية... وكلما تطورت الحضارة أكثر، كلما اتسعت أكثر منظومة القواعد الاجتماعية والأخلاقية، وازدادت قوة عقدة أوديب، وازداد احتمال الانفجار الذي يعني ثأر "مبدأ اللذة" من "مبدأ الواقع".
ونحن لن نفهم شيئاً في تاريخ الصراع بين الشيوعية والليبرالية الحديثة، إذا لم ندرك أنّ هذا الصراع جرى أمام عيني "أوديب الفتى" الذي صار نمطاً جماهيرياً، باتت عيونه ترى في الاتحاد السوفيتي الشيوعي برقابته السياسية والأخلاقية، وبتمجيده صورة حياة الكدح وبطولات الآباء، ونظامه المتشعب للموانع، التي تشمل كل جوانب الحياة، "اباً" كريهاً، يرغب، كأوديب في إزاحته من طريقه.ص105
الإصلاح الاقتصادي
تتلخص الإصلاحات الاقتصادية التي ساهمت في تدمير المنظومة الاشتراكية، والتي تتم الدعوة إليها باستمرار في الأمور التالية:
1 ـ خصخصة ملكية الدولة، بما في ذلك ثروات باطن الأرض.
2 ـ بناء اقتصاد مفتوح تمنع فيه إجراءات الحماية، وأية أفضليات للمستهلكين من أبناء البلاد، وأي تضييق على إخراج رؤوس الأموال من البلد.
3 ـ القضاء على الدولة بوصفها مالكاً وضامناً للاقتصاد الوطني، بالإضافة إلى الإجراءات التي تضع هذا الاقتصاد في حالة المنافسة الحرة مع الاقتصاد الأجنبي، يؤدي إلى القضاء السريع على الصناعة المحلية بوصفها عاجزة عن المنافسة وخاسرة.
4 ـ يؤدي الإفلاس الاقتصادي في البيئة الوطنية التي تعد بيئة لا آفاق لها، إلى جانب شرعنة إخراج رؤوس الأموال، (يؤدي) عملياً إلى توقف تام عن أي نشاط فعلي في مجال توظيف رؤوس الأموال. وتتكون منظومة من التوقعات والتقويمات، ومن "الأخلاقيات" التي يعتبر الفرد صناعياً فعالاً في ظلها، إن كان منضماً إلى وسط اقتصادي أجنبي طليعي، أما الصناعي الوطني فيغدو في هذه الظروف محروماً من أي أفق حقيقي، ونموذجاً يمثل السلوك الماضوي.
كل هذا يعني الانتقال من الفضاء الواحد للتقدم، الذي وعد به إيديولوجيو التنوير الأوربي، إلى فضاء مزدوج غير متجانس ينتظر أن يعيش فيه نمطان متناقضان غير متساويين في القيمة، أحدهما، الأعلى، يجب أن ينتزع الفضاء من الأدنى ـ وهذا هو جوهر نظرية الاقتصاد العالمي المفتوح بوصفه الوسط الطبيعي لانتقاء السوق للأنماط البشرية.ص51
ويترافق الإصلاح الاقتصادي مع غياب الأيدولوجيا اليسارية عن المسرح الاجتماعي، هذا الغياب الذي خلق فراغاً سارعت قوى نكرات إلى الاستفادة منه. فكان الأساس الأيديولوجي للإصلاحات الاقتصادية ما بات يعرف بالداروينية الاجتماعية. التي تمكنت من تجاوز حاجز الرقابة الاجتماعية بفضل الزعم بأنها ليست موجهة نحو الناس بل نحو المؤسسات: لتفلس المؤسسات الخاسرة كلها، فهذا ينظف المجال الاقتصادي لتشغله المؤسسات الرابحة.ص43
أخذ المبدأ الدارويني ـ الاجتماعي يطبق، بهذا القدر أو ذاك من الصراحة، على الأفراد، وأخذ المحتوى الحقيقي لمصطلح "الانتقاء الطبيعي للسوق" يزداد بروزاً في المناطق ذات المادة الإنسانية الأدنى قيمة. هكذا نزعت الأيديولوجيا الجديدة الأقنعة "الاقتصادية" وراحت تستعمل العتاد الاجتماعي الدارويني مصوبة إياه إلى الهدف مباشرة، أي إلى السكان.ص43 وهكذا أخذت تعود إلى التداول كلمات لوصف الأغلبية من أبناء المجتمع الهامشيين، تلك الكلمات القريبة من التمييز العنصري لوصف الشعب الذي كانوا بالأمس يعدونه بالديموقراطية.ص43
إنّ معنى الانزياح العالمي المفهوم بحسب المنهجية الداروينية الاجتماعية هو أنّ الكوكب سيتخلص، في ظروف ندرة الموارد الأرضية، من الأفواه الزائدة، ومن كل العاجزين عن التكيف كي يشغل الساحة القادرون على التكيف. وسيكون هذا الانتصار للقادرين على التكيف انتصاراً نهائياً، لأننا إذا تخلصنا من "الغيبية الإنسانية"، ينكشف أمامنا المنطق الطبيعي للتاريخ الذي لا يبرئ "الفقراء روحياً". ص243
هكذا نرى أنّ هذا النوع من الإصلاحات، والأديولوجيا الليبرالية المرافقة لها، تطالب صراحة بالحرب.ص165
ذات يوم أنقذ أبو الاقتصاد الحديث كينز، الرأسمالية حين اكتشف غرابتها التاريخية: إذا كانت المجتمعات في الماضي تعاني من أزمات نقص الإنتاج وتطالب نتيجة لذلك بإنسان قادر على تحمل الحرمان، ويقتنع بالقليل، فإنّ المجتمع البرجوازي الجديد يعاني من أزمات فائض الإنتاج، ولذا فهو يطالب بإنسان جديد شديد النهم دائماً للأشياء الاستهلاكية الجديدة في مجالات متزايدة الاتساع. إنّ الفروع الحديثة في الصناعة، التي تنتج كميات عملاقة من السلع، سرعان ما كانت ستختنق بالكساد، لو كان من ترسل إليه تلك السلع هو المستهلك الحريص، والذي يكره الهدر، والعيش في مستوى يفوق إمكاناته المادية. وما فعله كينز هو بالضبط اكتشاف وسائل اقتصادية للعيش "في مستوى يفوق الإمكانات" وأسس لها، وهذا يقوم على "اقتصاد الطلب". الكلام هنا يدور على توسيع دائرة القروض، الموجهة، ليس فقط إلى المستهلك المغامر الذي لا يخشى الغرق في الديون، بل إلى الصناعيين أيضاً، الساعين إلى امتلاك أسواق غير مجربة بالاعتماد على الامكانات التي تتيحها الفوائد المصرفية المنخفضة، ونقص التمويل الذي تقدمه ميزانية الدولة وغير ذلك من مظاهر "النقود الرخيصة".
هكذا شرع ينشأ نظام خاص هو "ديموقراطية الإفلاس" التي تقوم على قطيعتين: القطيعة بين النفسية الاستهلاكية وبين انضباطية الفرد صاحب المسئولية المهنية، والقطيعة بين مجال دوران النقود كوسيلة للسداد، ومجال دوران بواعث الإنتاج.ص172
يظهر لنا النموذج الجماهيري المعاصر على نحو متزايد سمات هارب من الصناعة، يرهقه الانضباط المهني فيندفع باتجاه الهرب من جبهة العمل إلى لذة الفراغ... هذا هو السر الانثروبيولوجي الرئيسي في العصر القادم: سيغص المجتمع بالنهابين الذين سيكونون نموذجاً يلائم روح العصر.ص173
وفي واقع الأمر: إذا كان بعضهم يتوقع لنفسه الحصول على أقصى الأرباح الممكنة بالحد الأدنى من الجهد، ويرى في ذلك منطق التحرر الليبرالي والتقدم، فإنّ ذلك لا يمكن أن يتحقق إلاّ بوجود آخرين ـ وهؤلاء يجب ان يكونوا أكثر ـ يتوجب عليهم أن يبذلوا أقصى ما يمكن من الجهد، ويرضوا مع ذلك بنتائج دنيا ـ بائسة.ص178
إنّ "مبدأ المتعة" بالنسبة إلى بعضهم يجب أن يُشرى "بمبدأ الواقع" القاسي قسوة غير إنسانية من الآخرين المسجلين في قائمة النخبة "المدللة بفضل التقدم"، فحرية الأقلية غير المحدودة يجب أن يؤمنها قيد غير محدد للأغلبية "غير الليبرالية". هذا هو الأفق الاستراتيجي للمشروع الجديد للعالم.ص179
إن محتوى الليبرالية الاقتصادية بالنسبة للبلدان "المنتقلة إلى سكة اقتصاد السوق" هو التفكيك الكامل للبيئة الاجتماعية، والبربرية، والوحشية المكشوفة، وانعدام المسئولية الاجتماعية.
إنّ ثروة 358 من أغنى أغنياء العالم المعاصرين "مليارديري العولمة" تعادل مجموع ثروة 2.3 مليار إنسان فقير يشكلون 45% من سكان كوكبنا.. وهذا يعني أنّه بدلاً من أن يقوم الاقتصاد الليبرالي الجديد بالعمل الصعب في خدمة 2.3 مليار إنسان من الفقراء يكفي أن يخدم بضع مئات من الأثرياء فيحصل على الربح نفسه دون أية احتكاكات اجتماعية غير سارة. من الواضح أننا هنا أمام نظام من التمييز العنصري الاقتصادي.
إنّ السؤال الاستراتيجي يكمن في السعي لمعرفة نوع العنصرية التي تحملها الممارسات الرأسمالية الجديدة: أهي عنصرية موجهة إلى بلدان ريف العالم غير المحمي، أم عنصرية خارجية ستندمج وبشكل متزايد مع العنصرية الاجتماعية الداخلية فتضرب بفأسها المتربول الغربي؟ص179
إذا كانت الحرب استمراراً للسياسة بوسائل أخرى، والسياسة هي الاقتصاد المكثف، فالحرب التي يعيشها العالم الآن هي من نواتج الآليات الاقتصادية السائدة. ولتجاوز هذه الحرب من الضروري معالجة العوامل الاقتصادية، في البنية الاقتصادية الرأسمالية السائدة، التي تقود حتماً إليها.
الليبرالية الجديدة والديموقراطية المعادية للشعوب
إن بين الليبرالية بوصفها نظرية سياسية كلاسيكية وبين الليبرالية كسلاح في الحرب الباردة ـ مسافة كبيرة. الليبرالية الكلاسيكية تعني انتزاع حقوق فعالة ـ أي حقوق ضرورية للفرد من أجل أن يحقق تحقيقاً تاماً قدراته ومبادراته. أما الليبرالية الدعائية المعاصرة فمؤداها هو الابتعاد عن أية التزامات وواجبات وتأييد ذلك الابتعاد.
بعبارة أخرى: الليبرالية الأولى بنت الفرد اجتماعياً وحررته من الحماية، أما الثانية فتفكك اجتماعية الفرد وتحرره من كل أشكال الواجب الاجتماعية.ص105 إنها تدمر المجتمع.
إنّ الليبرالية الحديثة لم ترتكب خيانة بحق التنوير، حين انقادت وراء الغريزة، في صراعها ضد العقل الأخلاقي فحسب، بل خانت التنوير أيضاً حين انقادت وراء الانفصال العرقي.ص108
يرى الكاتب أن الأيديولوجيا الليبرالية المعاصرة تتصرف فيما يتعلق بـ"الإنسان الاقتصادي" البرجوازي تماماً كما تتصرف الماركسية، (من وجهة نظره)، تجاه إنسانها "البروليتاري". فهاتان الشخصيتان قامتا في الأيديولوجيتين بدور المكتفي بذاته اكتفاء مطلقاً، فلا يحتاج إلى أية إضافة من جانب الأنماط الاجتماعية التاريخية والانماط الاجتماعية ـ الحضارية الأخرى، لا تحتاج ممارساته إلى أي تصويب خارجي.ص78
يمكن أن نفهم الأيدولوجيا الليبرالية المعاصرة بوصفها عملية تفسخ لكل المجتمعات إلى مستوى حالات وحيدات الخلايا غير المترابطة. إنّ الكائن وحيد الخلية يمثل الفرد الليبرالي الذي قطع كل علاقاته ومسؤولياته الاجتماعية وراح يتصرف بوصفه حاملاً لاهتمام واحد هو الاهتمام بملكيته الخاصة. فمن قبل أن تعلن أمريكا حربها على العالم كله، أعلن ممثلو الأيدولوجيا الليبرالية الحرب على كل تراث الإنسانية الحضاري، مطلقين عليه صفة "العدوانية التقليدية".
الديموقراطية الشكلانية
نلاحظ صفاً هابطاً من انحدارات الديموقراطية. في البداية ظهرت الديموقراطية والتقدم كمبدأين شموليين لا يحملان علائم قبلية، موجهين إلى الجميع دون استثناء، ثم بعد أن قام الإصلاحيون بتقسيم الناس إلى أقلية ديموقراطية وأغلبية "عدوانية" حمراء ـ بنية" اكتسب التقدم سمات نخبوية صريحة. صار التقدم يكتسب سمات الأيدولوجيا العنصرية الموجهة للاستخدام الداخلي حصراً في مجال المركز العالمي المفضل، أما المجال الريفي فلن توجه إليه فكرة الديموقراطية بعد اليوم، بل فكرة إعادة الاستعمار واستبداد الإرادة الخارجية.ص117
لماذا يعيق الشعب الديموقراطية الليبرالية؟
نبدأ بتحليل علاقة مفهوم "شعب" بمفهوم "الديموقراطية"، وكيف يبدوان في ضوء نظرية الديموقراطية السائدة الآن (أي الليبرالية). إنّ هذا مهم لأنّ الشعب (الروسي) سعى في عامي 1990 ـ 1991 إلى "الديموقراطية" ("سلطة الشعب"). وقد عبّر عن عدم رضاه على المجموعة الشيوعية المهترئة التي كانت السلطة بيدها لأنّها، بالضبط، بدّلت سلطة الشعب بسلطة الحزب بوصفه أقلية متميزة نفعية. وفي لحظة هذا الوهم القومي حرضت النظرية التقدمية الشعب وسكتت عن خلافاتها المبدئية معه، وبعد أن تمّ الأمر، وحدث "الانقلاب الديموقراطي"، وأقامت في الكرملين حكومة ترضي الغرب، بعد كل هذا فقط، أسمعت النظرية الطليعية صوتها معرية أمام العالم كله حقيقة أنّ معارضها الحقيقي ليس الشيوعية كتشكيل عارض إلى هذا الحد أو ذاك، وإنما الشعب عموماً، والشعب الروسي على وجه الخصوص.
إن أول سر من الأسرار الأيديولوجية المخفية في عصر الديموقراطية (الليبرالية الشكلانية)، هو أنّ هذه الديموقراطية، كالملكية البرجوازية نفسها، منظومة اسمية، أي أنها تضع محلّ المجتمع ككل مجموعة من الأفراد أصحاب الرغبة والمصلحة المخالفة لمصالح المجتمع. وإذا كان المجتمع حقيقة أنطولوجية وقيمية، فهذا يعني، تلقائياً، أن هناك إلى جانب المصالح الفردية الخاصة للأفراد، مصلحة جماعية حقيقية للمجتمع، هي من حيث الرتبة أرقى من كل المصالح الخاصة. وهكذا ينشأ التصنيف التالي: في الأعلى مصالح المجتمع ككل، وتحتها المصالح الجماعية للفئات الاجتماعية المختلفة، وفي الأسفل ـ المصلحة الخاصة للفرد.ص142
إنّ منظومة الديموقراطية الليبرالية كلها تتعامل مع ناخبين منفصلين، تضع كلاً منهم قبالة الآخر، تحتكرهم، تخلط بعضهم ببعض كورق اللعب. إنّ تعبير "الصراع من أجل أصوات الناخبين" نفسه سيفقد كل معنى في حال افتراض أنّ الناس يتصرفون كأعضاء مؤيدين لتلك المجموعات التي يربطهم بها الوضع الاجتماعي العام والمنشأ والمصير (وهذا افتراض تدافع عنه الماركسية). وفي هذه الحالة تعطي نتائج الانتخابات دائماً نتيجة محسوبة سلفاً تتناسب ووزن الطبقات المعنية في المجتمع. فإذا كانت الطبقة العاملة تشكل مثلاً نحو 70% من سكان البلاد، فإن حزب (أو أحزاب) الطبقة العاملة لا يمكن إلاّ أن تحصل في الانتخابات على النسبة نفسها من الأصوات تقريباً. وفي هذه الحالة تكون خسارة حزب الأقلية البرجوازية أمراً محتماً، فهو لا يستطيع أن يتوقع الحصول على غير أصوات أولئك الذين يدخلون فعلياً في دائرة المالكين البرجوازيين. بكلمات أخرى: ستكون الأغلبية الشعبية موجودة دائماً في هذا النظام في الطرف المقابل للأقلية البرجوازية. ولذا فمن أجل أن تعمل الديموقراطية البرجوازية كمنظومة غير مقيدة، لا يتم توارث الواقع كحقيقة تاريخية، وإنما يتقرر بواسطة التقنيات الانتخابية السياسية. لا بد من نقض مفهوم الشعب نفسه أو مفهوم الأغلبية الشعبية، وتعريفه تعريفاً محايداً بأنه الناخبون أو أغلبية الناخبين.ص143
إن توصيفات الشعب معروفة سلفاً، أما توصيفات أغلبية الناخبين فمجهولة. ولكي تعمل الديموقراطية التمثيلية البرجوازية كمنظومة تمثل الأغلبية غير المعطاة سلفاً، لا بد من تحقيق شرطين؛ الأول: إبعاد الأفراد المنفصلين ـ ولا سيما أبناء الطبقات الشعبية ـ إلى أقصى حد ممكن عن فئاتهم الاجتماعية، وعن فئاتهم الاجتماعية، وعن صورة العالم الفئوية والقيم الجماعية. ولا بد أيضاً من إبعاد الناخبين "كإلكترون طليق" عن فئتهم الاجتماعية بهويتها الجماعية المميزة ومصلحتها.ص144
أما إذا طالبنا الديموقراطية بالتزام الحقائق الموضوعية التزاماً صارماً فإنّ شرعية إرادة أغلبية الناخبين تصبح معلقة في الهواء، ومعها شرعية الديموقراطية نفسها. هذا لا يعني أن الديموقراطية نظام لا يخطئ، بل الأقرب أنه نظام يمتلك فرصاً لتصحيح الأخطاء التي يمكن أن تقع فيها أغلبية الناخبين في الانتخابات التالية. يتضح من هذا أنّ لدى الديموقراطية معارضين يتقرر مصيرهما في هذا الوقت بالضبط: المعارض الأول هو الإيمان بالتاريخ، الإيمان بأنّه يمتلك المعنى الأسمى والوحيد المتعلق بالمصائر النهائية للإنسانية. يكشف عن هذا المعنى الوعي الذي تربى على تقاليد الوحدانية القديمة، ولذا فهو متدرب على أن يرى في تنوع الأحداث التاريخية سياقاً خفياً مرتبطاً بالإرادة الإلهية، بنشاط الروح المطلق (عند هيغل) أو بالقوانين الموضوعية للتاريخ (عند ماركس).ص145
لنفترض، فعلاً أنّه بين الكثرة من الأحزاب المتنافسة يوجد حزب واحد طليعي، مسلح بمعرفة تاريخية عليا، أي يعرف أفضل من الآخرين إلى أين يتحرك التاريخ العالمي وما مغزاه. إنّ هذا الحزب، بحسب فهمنا، سيعرف مصلحة الشعب أفضل من الشعب الذي لم يطلع على خطط التاريخ الكبير. ولذا سيمتلك هذا الحزب شرعية خاصة تختلف عن تلك المفهومة ديموقراطياً. فشرعية طموحه إلى السلطة لا تتحدد بعدد الأصوات التي ينالها في الانتخابات، وإنما بدرجة نفاذه إلى أرقى قوانين التاريخ وأسراره. إنّه المسئول عن الشعب مسئولية الكبار "الذين يعرفون" عن الأطفال الذين "لا يعرفون" ولذا فهو يمتلك حق فرض إرادته على الأغلبية الجاهلة.
من الواضح أننا هنا قدمنا منطق حزب طليعي من النمط البلشفي. فعلى أساس هذا المنطق ذاته بنى البلاشفة، الذين حصلوا في انتخابات الجمعية التأسيسية على أصوات الأقلية (24.5%) حقهم في الاستيلاء على السلطة. لقد كانت هذه الحقيقة التاريخية المؤلمة ـ الانقلاب البلشفي ـ نقطة انعطاف في تطور الوعي التعددي ـ الديموقراطي الغربي: فمنذ ذلك الحين صار عن عمد وعياً لا أدرياً لا يطمح إلى معرفة معنى التاريخ. ومنذ ذلك التاريخ يطارد الليبراليون أي تسلل نحو البحث عن معنى التاريخ مهما كان صغيراً، وينظرون بشك إلى كل أنواع استلهام التاريخ. وصار نموذجهم الاجتماعي المحبب هو (الإنسان) المتعيش الغارق كلياً في حياته اليومية والبعيد عن التفكير في المعاني التاريخية السامية. والمتعيش هو، بالضبط، من ينظر إلى السياسة نظرته إلى السلعة: إنه ينتقي في السوق البرامج الحزبية والوعود الانتخابية الملائمة له شخصياً إلى أقصى حد، من غير الاهتمام بما قد تعنيه في الحسابات الاجتماعية التاريخية الكبرى.ص146
ولكن يتضح اليوم، حين غابت عن المسرح الأحزاب الطليعية المستندة مباشرة إلى التاريخ الكبير وقوانينه العليا، بنتيجة الانقلاب الليبرالي، أن للديموقراطية الشكلانية معارضاً آخر غاب عن النظر مؤقتاً، هو الشعب بوصفه كلاً حضارياً تاريخياً. وتبين أنّه يتصف بكل العيوب "الطليعية": الهوية الجماعية، التي تنفي الفردية الصارمة والتعددية (بمعنى انتقال الفرد الحر عبر الموشور الاجتماعي ـ السياسي)، والعقيدة (أو المعتقدات) الجماعية، التي يصعب تحايثها مع الديموقراطية التعددية التي تتقبل كل شيء، والذاكرة التاريخية الجماعية، بانية أساس الانتخابات والأفضليات غير النفعية.ص146
العقل الديموقراطي على هذه الشاكلة، يلزم المرء بأن يكون سطحياً انطولوجياً (لا ينقب عن الحقائق الموضوعية) وغير ميال أخلاقياً ـ من غير ذلك لا يصبح المجتمع المدني "مجتمعاً مفتوحاً" حقاً، بحيث يستطيع دخوله من يتحرر مسبقاً من عبء "المعتقدات الصلبة".
الشعار الليبرالي القديم هو المطالبة بالتزام الفصل بين المصالح والقيم، فالنفعيون المهتمون بالمصلحة يتفاهمون فيما بينهم بشكل أسهل كثيراً ويكونون أقل هياجاً ونفاذ صبر من الرومانتيكيين أنصار "المبادئ التي لا يجوز التنازل عنها". من هنا جاء شعار: لتسقط المبادئ!ص152
إن الاختصاصيين في التوافق المدني هم اليوم بالضبط أصحاب أيديولوجيا الفردية الحيوانية يساعدهم في ذلك انعدام المسؤولية الاجتماعية بوصفه عاملاً يهدم الضمير الاجتماعي الذي استغرق بناؤه زمناً طويلاً، وبنية الوعي الاجتماعي التوافقي نفسها.ص157
إنّ عمى الديموقراطية الشكلية الاجتماعي ـ انعدام إحساسها بالتفاوت الاجتماعي الحقيقي، وبالظلم في الحياة اليومية غير السياسية، يبدو اليوم واضحاً للعيان، ولكنه من حيث المبدأ كان نقصاً ملحوظاً منذ زمن بعيد. وقد قدمت الماركسية نقداً مقنعاً لهذه الشكلية الخالية من الحس الاجتماعي في الديموقراطية البرجوازية.ص189
نحن سنكتشف لأنفسنا الكثير مما هو مفيد في الديموقراطية إذا تعلمنا التمييز بين جانبين: الديموقراطية كنظام قيمي، يعتمد على مفهوم السيادة السياسية للشعب، والديموقراطية كنظام تكنولوجي ينفي صراحة تلك السيادة لصالح الموقف التكنولوجي من الشعب بوصفه كتلة خاضعة للعلاج، علماً بأنّ الجانب القيمي يتراجع باستمرار إلى الخلف، والجانب التكنولوجي يتقدم فيستولى على المسرح السياسي..ص190
هكذا إذن تؤدي الديموقراطية (الشكلانية) حين تكون نظاماً تكنولوجياً سياسياً إلى تردٍّ حقيقي في نوعية الإنسان المعاصر، واضعة إياه أمام خيارين: إما البقاء عموماً خارج السياسة، وإما دخول السياسة بدور شخصية انتهازية لا تمتلك مواقف وقناعات راسخة. ولهذا السبب يرفض النظام التكنولوجي للديموقراطية المعاصرة مفهوم الشعب نفسه كشخصية جماعية راسخة تحمل عبر متاهات التاريخ كلها، وعبر التغيرات والتقلبات السياسية سمات قومية بارزة.ص190
إنّ "ديموقراطية" هؤلاء السادة "الشكلانية" لا تعرف إلاّ الزينة الأيديولوجية للتوافق، ولكنها تتجاهل تماماً مقدماته الاجتماعية المتعلقة بالتضامن المدني الفعال والمسئولية الاجتماعية. فالنظرية الليبرالية تطرح، كمقدمة للتوافق، اللامبالاة بالقيم. ولكن اللامبالاة بالقيم هي التي تولد ذلك الصمم الاجتماعي المتطرف وانعدام المسئولية الذي أنتج الموجة الراهنة من الهجوم البرجوازي المضاد على الحقوق الاجتماعية، وراح يهدد بتدمير مقدمات التوافق المدني الحقيقي بنفسها.ص157
الاستعمار الجديد يتستر وراء شعارات نشر الديموقراطية
نحن هنا نتعامل مع تغيير شرير للمصطلحات. يقول هابيرماس صراحة إنّ الغرب الديموقراطي لا يستطيع أن ينتظر حتى يقوم الفرديون الليبراليون من الداخل بالتدمير التام للسلطة الجماعية المطلقة للدولة غير الليبرالية في شتى أنحاء العالم. إنّ لهؤلاء الفرديين الحق في طلب المساعدة من القوى الخارجية، وللغرب، بدوره، الحق في التدخل العسكري ضد الإنسان لصالح أنصاره هؤلاء.ص165
يبدو هابيرماس مستعداً لأن يستغل تلك الجرعة المفيدة التي تستطيع إمبريالية النمط الاستعماري أن تقدمها لأممية النمط "الفكري" الجديدة. يقول: "... نقطة الدفاع الكوني عن حقوق الإنسان هي عدم وجود سلطة تنفيذية قادرة عند الضرورة على التدخل في عمل السلطة العليا في الدولة الوطنية وخلق الظروف المناسبة لمراعاة البيان الشامل لحقوق الإنسان. ففي كثير من الحالات تنشأ الحاجة لتأكيد حقوق الإنسان خلافاً لرغبة الحكومات الوطنية ولذا لا بد من إعادة النظر في تحريم القانون الدولي للتدخل".ص165 إنّها دعوة واضحة للحرب والاستعمار الجديد.
علاقة اليهودية بالعولمة كما يراها الكاتب
ونتعرف في هذا الكتاب على أفكار جديرة بالتمعن يطرحها الكاتب حول موقع اليهودية من العولمة، مبيناً أن لا أحد يستطيع تجاهل حقيقة أن "ثورة العولميين الليبرالية" الجيدة وجدت أيديولوجيتها وفدائييها العنيدين في الأقلية اليهودية النشطة، حيث تبدو عجائب العولمة المعاصرة كلها تقريباً مألوفة لدى هذه الأقلية، ومنسجمة مع تقاليد الطائفة اليهودية التي عاشت قروناً عديدة في مجال محدود وتحمل قيماً محدودة. فمجمل السمات: الابتعاد عن الأغلبية المحلية، والميل إلى نموذج السوق الخاص مقياساً للنجاح، في مقابل استخدام نموذج خدمة الدولة الوطنية، والميل إلى الممارسات غير الخاضعة للضبط والتوجيه، والأخلاق السرية والتضامن العالمي الخفي بين المتغامزين من وراء ظهر "الجاهلين بذلك"، وأخيراً السعي الملح للعثور على سند وحصن أمان في الخارج ـ كل ذلك يحقق وحدة متميزة بين نفسية الأقلية اليهودية ونفسية تيار العولمة الحديث. إنّ هذه الوحدة بالضبط هي إحدى آليات التنامي المتبادل بين الحروب الإمبريالية والأهلية.ص262
وتقوم الأقلية اليهودية العنيدة، بعد أن استولت على السلطة الرابعة... وسائل الإعلام الجماهيرية الديموقراطية ـ موضوعياً، بدور المطالب بديكتاتورية دموية جديدة، قادرة في نهاية المطاف على إخضاع الأغلبية "الحمراء ـ البنية" في "هذا" البلد، من خلال نقدها "الانثروبولوجي" التحريضي للذهنية الروسية والعقيدة الروسية والتقاليد الروسية.
لا شك أبداً في أنّ الكلام لا يدور في هذه الحالة على ديكتاتورية وطنية، بل ديكتاتورية خارجة عن الوطن ومعادية له تؤدي وظيفة المحتل ضد الشعب الرافض للإصلاح.ص269
أفكار تسدعي النقاش
يتضمن الكتاب الكثير من الأفكار التي تستدعي النقاش، والتي كان من المفضل أن يبدي المترجم رأيه فيها: من بينها مفهوم الدولة، والسبل والأفكار الأصولية، والطوباوية، التي يدعو الكاتب إلى اتباعها للخروج من الأزمة التي تمر البشرية بها، نتيجة انتصار الليبرالية الجديدة المتوحشة في المعركة الحالية، إذ يقول: "أمام الاستقطاب الذي يحصل في العالم ينشأ خيار: إما مجتمع مدني يتحول إلى مجتمع للأقلية الثرية، ويتسلح ليحمي مجاله المرفه من اختراقات "القاع الاجتماعي" غير المرغوب فيها، ويصبح نظاماً عسكرياً للإبادة العرقية، وإما تملك فكرة الدولة الاجتماعية ـ الكبرى من جديد. غير أن العودة إلى هذه الفكرة على أساس الاجتماعية ـ الديموقراطية، أو "الوسطية" الليبرالية الجديدة أمر مستحيل. إنّ فكرة الانتقاء الطبيعي التي اكتسبت الشرعية في علم الاقتصاد وفي الثقافة غير الدينية لا يمكن التغلب عليها من داخل الوعي الغربي نفسه. الأمر هنا يتطلب اختراقاً قوياً للفكرة الشرقية عن الدولة الكبيرة بوصفها دولة مقدسة، مفوضة غيبياً لصالح "الناس الصغار".
ويتابع: "يجب أن تنتقل فكرة الإمبراطورية الشرقية إلى الغرب، الإمبراطورية الحاملة لمعناها المقدس المتجه إلى الفقراء والمشردين في هذا العالم".ص499
كم هو مؤسف أن يفقد المفكر البوصلة. أليس ضرورياً التفكير في مسألة تطوير آليات مفهوم الدولة، وليس العودة إلى الماضي السحيق، وهي عودة ليست محمودة، وغير مضمونة العواقب وغير ممكنة. ألا تبرر هذه الأفكار وجود ونمو التيارات والأفكار الأصولية الدينية، وسعيها لاستبدال الدولة بالخلافة.
يوجد في العالم أقطاب متعددة، من الضروري إقامة علاقة صحيحة بينها. ولن يتم التأثير في الداخل الرأسمالي، أن لم توجد المقدمات الضرورية للتأثير.
ومن الأفكار التي يطرحها الكاتب والتي تحتاج إلى نقاش، رأي الكاتب بأنّه "ليس من قبيل المصادفة أن تكون الاشتراكية العلمية قد نشأت في رأس يهودي (ك. ماركس) (لا في رأس بروتستانتي أو كاثوليكي)."ص499
تثير هذه الأفكار تساؤلات كثيرة، ومن بينها: هل الاشتراكية العلمية نتاج التعاليم اليهودية الموجودة في رأس ماركس، أم أن الماركسية هي نتاج مخاض عام عرفته البشرية، بما في ذلك المخاض الكبير في مجمل الفكر الإنسان؟، هل نستطيع فصل الماركسية عن أصولها الأساسية: الاشتراكية الفرنسية، والفلسفة الألمانية والاقتصاد السياسي البريطاني، هل هذه المصادر تعاليم يهودية؟
كما نرى من المفيد توجيه السؤالين التاليين إلى الذين يتجنون على ماركس نتيجة نسب والده اليهودي، ألا وهما: هل تغير الاتهامات الموجهة إلى ماركس من صحة قانون فضل القيمة الذي اكتشفه؟ وهل التعاليم اليهودية التي ربما كانت موجودة في رأس أنشتاين هي التي دفعته لاكتشاف النظرية النسبية.
إنّ اختلافنا مع الكاتب في الكثير من الأفكار الواردة في هذا الكتاب لا يقلل من أهميته، بل القارئ الجيد هو من يستفيد من الأفكار التي لا تنسجم مع قناعاته، وكم نحن بحاجة إلى المعالجة النقدية لكل ما نقرأه.
وفي الختام لا بد من توجيه الشكر إلى الدكتور فؤاد مرعي على الجهد الكبير الذي بذله لترجمة هذا الكتاب، وإلى اتحاد الكتاب العرب بدمشق على سعيه المستمر لاغناء المكتبة العربية بالكتب النفيسة، ومنها هذا الكتاب الغني والهام، والذي يقع في 570 صفحة من القطع الكبير.