شعراء في مواجهة الطغيان

شعراء في مواجهة الطغيان

سيد سليم سلمي *

[email protected]

المؤلف : محمد عبد الشافي القوصي ، صحفي الأهرام ، وأحد الأعضاء المؤسسين لمكتب رابطة الأدب الإسلامي العالمية في مصر .

الناشر : دار المريخ للنشر والتوزيع

الطبعة : الأولى 2005

عندما تجلس إلى الأستاذ / محمد عبد الشافي القوصي ، وتستمع إليه ؛ تشعر أنك في حديقة غناء متنوعةٌ أشجارها ، مغرية قطوفها ، فإذا ما قرأت له ؛ وجدت نفسك في عالم يرقى بك عن مستوى الحياة المادية إلى المعارج الروحية التي تستطيع من خلالها أن تشم عاطر الرياحين وتتذوق لذيذ الثمار .

والكتاب الذي نحن بصدد عرضه للأستاذ محمد عبد الشافي ( شعراء في مواجهة الطغيان ( يطوف بنا مستغرقاً أزمنة وعصور الشعر المختلفة ، كما يتنقل بنا إلى جميع الأماكن التي تمت فيها تلك المواجهات بين الشعراء والطغاة.

وقد قسم المؤلف كتابه ـ الذي وصل إلى أربعمائة وست صفحات من القطاع الكبير ـ إلى خمسة فصول جاء أكبرها وأهمها الفصل الخامس والأخير ـ الذي استغرق ما يقرب من ثلاثة أرباع الكتاب ـ ( قصائد لها تاريخ ) والذي ضم أهم القصائد في سوح المواجهات بين هؤلاء الشعراء الثائرين والطغاة المستبدين في شتى العصور والأماكن .

وعن الهدف من الكتاب يقول المؤلف في المقدمة : " إن هذا الكتاب ـ بمثابة ـ صندوق للشكاوى ، ودفتر للمظالم ، ومستودع للدموع والهموم والأحزان ... أو هو أشبه بساحة مصارعة ، ومحكمة علانية منعقدة ، تتبادل فيها الاتهامات بين الظالمين والمظلومين ، وبين المفترِين والمفترَى عليهم ، أو بين الطغاة المسلحين والمستضعفين العزل "ـ وفي الفصل الأول يحدثنا الكاتب عن رسالة الشعراء فيقول : " ... وإن كانت رسالة الشعراء هي جزء من رسالة الأدباء والمثقفين عامة ... إلا أنني توجهت بحديثي هنا إلى ( الشعراء ) وحدهم ، باعتبارهم الصف الأول في فريق المثقفين ، فهم أعلى الأدباء صوتاً ، وأوسعهم صدى ، وأكثرهم تأثيراً في الجماهير على مر العصور .. فهم قادة الأمة نحو الخير والتقدم ، لأنهم الصدى الصادق لرغبات هذه الأمة والسجل لتياراتها النفسية واتجاهاتها الفكرية ... نعم للشعر رسالة ، وللشعر غاية .. فما أجلها من رسالة ، وما أبعدها من غاية ، إنها رسالة تنوء بحملها الجبال الرواسي ، وإنها لكبيرة إلا على أولي العزم من الشعراء " الذين آمنوا وعملوا الصالحات وذكروا الله كثيراً وانتصروا من بعد ما ظلموا " ! . { 227: الشعراء }

ويستدل المؤلف على ما ساقه بقول الداعية المعروف يوسف القرضاوي في إحدى قصائده:

وقـفـتك  يا شعري على الحق iiوحده
وإن قال غِرٌ : ثروتي ، قلت : دعوتي
فـعش  كوكباً يا شعر يهدي إلى iiالعلا


فـإن لـم أنـل إلاه قلت لهم : حسبي
وإن قال لي : حزبي ، أقول له : iiربي
ويَـنـقَـض رجماً للشياطين كالشهب
ـ أما الفصل الثاني فقد افرده لمن سماهم ( كناسة الشعراء ) وهم كما يصفهم
بحق : " هم أرخص طوائف الأدباء ، وأسوأ طبقات المبدعين على الإطلاق ـ وأقول : إن كان لهم إبداع سوى الوحي الشيطاني ـ إنهم أدعياء الثقافة ، والمتسكعين على أرصفة الأدب ـ وما أكثرهم في هذا الزمان ـ ، فهم الشعراء الذين أفرزوا كناسة الشعر ، ونفايات الفكر ، وحامض الثقافة ، حتى صنعوا حاجزاً مريراً ، وسداً منيعاً بين الشعر والجمهور ، مما حدا بناقد حداثي من كتائبهم أن يصدر كتاباً أسماه ( زمن الرواية ) ، كأنه يريد أن يقول للناس ما عاد الشعر ديوان العرب ، فقد مضى زمانه ودالت دولته وانتهى عصره ـ من وجهة نظر هذا " الهمام " !

ويذهب المؤلف إلى تحديد الذين عناهم في هذا الفصل فيقول : " وثمة أصناف ثلاثة تأتي في مقدمة ( كناسة الشعراء ) هم على النحو التالي : شعراء البلاط ، وشعراء الحداثة ، وشعراء العامية ، ويدخل في زمرتهم كثير من الشعراء المنحرفين الذين يكذبون بيوم الدين ، والذين يخوضون مع الخائضين ...وكل هؤلاء وهؤلاء .. ليست لهم قضية ولا رسالة في هذا الوجود ، ولا يحملون هماً عربياً ولا إسلامياً ... إنهم مشغولون بهموم أخرى وقضايا أخرى .. مشغولون بالتعاون مع الهيئات والمنظمات المشبوهة ، وتسويق النظريات والفلسفات والمذاهب الغربية الشاذة والترويج لها في بلادنا وأوطاننا التي هي مهد الأنبياء ومهبط رسالات السماء " .

ويضرب الكاتب أمثلة لما قاله شعراء البلاط ، منها ما قاله احدهم يمدح الخليفة الفاطمي المعز لدين الله :

ما شئت لا ما شاءت الأقدار     فاحكم فأنت الواحد القهار

 و كأنما أنـت النبي  محمد      وكأنما أنصارك الأنصار

كما يحدثنا عن شعراء الحداثة قائلاً : " أما عن عبث الحداثيين والهذيان الذي يمارسه كاهن الحداثيين العرب " أدونيس " ويسميه شعراً ، إليكم هذا النموذج ، ثم احكموا على صاحبه بما شئتم ـ بشرط ألا تكتموا الشهادة ومن يكتمها فإنه آثم قلبه ـ :

مكان ولادتي ..

1930 الشمس قدم الطفل

عرفت أقل من امرأة

لأنني تزوجت بأكثر من امرأة

عرفت أقل من رجل

لأنني تزوجت بأكثر من رجل

أعلنا ..

الزواج غبار ..

لكن ..

مثل يرقة تتحول إلى فراشة ..

هكذا يتحول غبار الزواج .

إلى زهرة من العشق ..

1933 نبتة تشعل قنديلاً ..

1940 طفل بعد الغيم ينتظره الحريق .

1950 تمطر في أنحاء أخرى .

ستحظى بينابيع يأخذها غيرك .

الجسد أطول طريق إلى الجسد .

هل اللمس للجسد وحده حقا ؟

هذا نموذج من شعر أدونيس الذي يدعو إليه ، بل لقد أنشأ مجلة يدعو فيها إلى هذا المذهب العبثي الجديد هي مجلة " مواقف " التي تصدر في بيروت ، ويصدر كل عدد منها وهو ممتلئ بهذا السخف ، وبالدعوة إليه والدفاع عنه ، واعتباره نموذجاً للشعر العصري الأصيل الذي ليس بعده ولا قبله شعر آخر ـ على حد قول رجاء النقاش ـ . "

وعن شعراء العامية يقول : " شعراء العامية هم " ثالثة الأثافي " ، أو هم الصنف الثالث من ( كناسة الشعراء ) .. الذين لا يألون جهداً في سبيل مقاومة اللغة العربية الفصحى أو عزلها ، ووضع الألغام في طريقها ما بين الحين والحين ، شأنهم في ذلك شأن " إخوانهم " الداعين إلى إحلال اللغات الأجنبية محل اللغة العربية ... " 0ويلاحظ أنه لم يذكر نماذج من شعرهم ؛ لأن شعرهم عنده مكروه ، ولا يرضى عنه هو كشعر ، بل لا يسميه شعراً .

ـ وفي الفصل الثالث من الكتاب يحدثنا المؤلف عن الشعر السياسي فيقول : " والشعر السياسي يتصنعه المبدعون ولا يتكلفونه كغيره من الأغراض الشعرية الأخرى كالفخر والوصف والمدائح ، إنما بفرض نفسه عليهم فرضاً بسبب سوء أحوال البلاد الاجتماعية وتدهور اوضاعها السياسية ... " ويسوق المؤلف نماذج من اشعار هؤلاء السياسيين ماراً بأكثر من عصر وإن جاء معظمها عن عصرنا الأشد ابتلاءً .

ـ وفي الفصل الرابع يصف الكاتب شعراء المعارضة بقوله : " شعراء المعارضة تغلب عليهم روح التمرد أو الثورة ، وقد ساعدهم هذا أن يكونوا خارجين على الأنظمة ، أو غير منتمين إليها ... ( شراء المعارضة ) يبدون ككتيبة من العصاة ، فقد أجبرتهم الحياة بصفة عامة على أن يعبروا عن القلق والفقر والهروب والموت والأشياء التناول ... ( شعراء المعارضة ) لا يميلون إلى الغزل أوالنسيب ، فطبيعتهم الجادة تمنعهم من ذلك ، أو أنهم غير مؤهلين للتعامل مع النساء ، فلم تلفت انتباههم المرأة في الحياة ، بقدر ما لفت انتباههم انتباههم الطغاة والمستبدون ، وحكام الجور ، وأمراء السوء ! ( شعراء المعارضة لا يجمع بينهم زمان بذاته ، ولا تجمعهم عائلة أو قرية أو مدينة بعينها إلا " عائلة الرفض " أو " قبيلة الرجولة " أو " مدينة العصيان " .

ـ وفي الفصل الخامس والأخير الذي يمثل صلب الكتاب ( قصائد لها تاريخ ) نجد المؤلف قد حشد لنا أربعين فارساً ركبوا صهوة الأدب متسلحين ـ كل حسب عصره ـ بسيوف ، وطلقات ، ودانات الشعر وهم في مواجهة الطغاة في كل عصر ومصر .

ويعد الكتاب ثروة أدبية عامة تستغرق عصور وأمكنة الشعر المختلفة ، وقد ذكرنا الكتاب بما سبق وأن كتيه الأستاذ الدكتور : محمد رجب البيومي ـ متعه الله بالصحة والعافية ـ ( علماء في وجه الطغيان ) جزى الله الكاتبين خيراً ، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .

              

* عضو رابطة الأدب الإسلامي العالمية

عضو رابطة الأدب الحديث

مشرف صفحة أدب وثقافة في جريدة صوت العروبة

له ثلاثة دواوين :أصداء نفس ، نفثات روح ، نفحات قلب في حب أهل البيت.

وله ثلاثة كتب : من كنوز الشعر والحكمة ، أحلى عشرين قصيدة في حب أهل البيت ، الجماعات المتطرفة معايشة وحوارات.