البعد الإنساني في الرسالة الإسلامية(4)

البعد الإنساني في الرسالة الإسلامية(4)

عدنان سعد الدين

الفصل الرابع

خصائص الحضارة الإسلامية

من الوجهة الإنسانية

ثمة جدوى في الحديث عن مفاهيم الحضارات ومقوماتها، وعن النافعة منها والضارة، وذلك قبل أن نقف مع الحضارة الإسلامية ونتعرف على ما تحمله من نزعة إنسانية ورسالة عالمية، مكتفين بالتنويه عن أمرين اثنين قبل الدخول في صلب الموضوع.

أولهما: أن الحضارة الصالحة للإنسانية قاطبة, تلك التي تفسح المجال لنمو العقل وتفتحه واكتشافه آفاق الوجود، فتزيده علماً ومعرفة نافعة، وهي التي تزيد من قدرة الإنسان في السيطرة على الطبيعة وتسخيرها بعد أن يتحرر من سلطانها، وهي التي ترفع من مستوى حياته، وتحقق الكثير من طموحاته، وتزيد من سعادته، وتسهل له أمر معاشه، وتمكنه من سيطرته على غرائزه وأهوائه، وتفسح المجال أمام قلبه وروحه، كما أفسحت له المجال أمام عقله وتفكيره، وتنمي فيه الإيثار والبذل مكان الأثرة والشح، وتجعل من أول أهداف الإنسان فعل الخير لنفسه، وللآخرين وللناس أجمعين.

الحضارة الصالحة التي تزيد من تماسك الأفراد في المجتمع وترابطهم وتضامنهم وتكافلهم من الوجهتين المادية والنفسية، وذلك بتحقيق المساواة في الفرص، وتطبيق العدل في توزيع الحقوق المادية والمعنوية، وتمكين الضعفاء والفقراء من نيل حقوقهم في الحياة والمعاش والتعليم وغير ذلك، تشمل شعوب الأرض قاطبة في عالمنا الأرضي([1]).

ثانيهما: أن الأمة الإسلامية مؤهلة أكثر مما عداها للقيام بالدور الحضاري المترتب، وقادرة على حمل لواء هذا الدور لجملة أسباب أهمها:

1- ما أثبته الكتاب الكريم ونص عليه بوضوح من استعداد الأمة الإسلامية للقيام بهذا الدور في آياته المحكمات: {كنتم خير أمة أخرجت للناس، تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله}([2])، {الذين إن مكناهم في الأرض، أقاموا الصلاة، وآتوا الزكاة، وأمروا بالمعروف، ونهوا عن المنكر}([3])، {وكذلك جعلناكم أمة وسطاً لتكونوا شهداء على الناس، ويكون الرسول عليكم شهيداً}([4]) فكلما كانت الحضارة عالمية في رسالتها، إنسانية في نزعتها، خلقية في اتجاهاتها، واقعية في مبادئها، كانت أخلد في التاريخ، وأبقى على الزمن، وأجدر بالتكريم([5]).

2- إن المسلمين ذوو حضارة روحانية إيجابية بناءة، تلازم الجندي في حربه، والعامل في مصنعه، والعالم في درسه، والفيلسوف في بحثه، والقاضي في محكمته، روحانية تسمو بالإنسان من كمال إلى كمال، وتذكره بالله الذي خلقه، وأنه جزء من الناس الذين يعيش معهم، ومن العالم الذي هو جزء منه في وحدته الكبرى.

3- أثبت المسلمون في الماضي قدرتهم على إنشاء الحضارة الإنسانية المثلى، وإن منصفاً لا ينكر أنها كانت أفضل الحضارات رحمة بالناس، وسمواً بالخلق، وعدالة في الحكم، وإشراقاً في الروح، واقتراباً من المثل الأعلى للإنسان في مختلف عصوره وأطواره.

وإذا رجعنا إلى أصول عقيدة المسلمين نجد أن القرآن الكريم يشير بصراحة إلى جدارة المسلمين من بين أمم العالم للقيام بالدور الحضاري الذي تتطلبه الإنسانية في عصرنا الحاضر، ليس لامتيازنا عن غيرنا بالعرق أو الجنس، (فتلك خرافة لم يؤمن بها الإسلام يوماً، بل رفضها في كل أحكامه وتعاليمه)، بل لصفاء عقيدتنا وصدق إخلاصنا للإنسانية قاطبة، وسمو الرسالة التي اختارها الله لعباده شاملة وكاملة وخاتمة.

خصائص الحضارة الإسلامية

من أولى هذه الخصائص أنها قامت على أساس الوحدانية المطلقة في العقيدة، ونادت بالإله الواحد الذي لا شريك له في ملكه وحكمه، وهذا السمو في فهم الوحدانية كان له أثر كبير في رفع مستوى الإنسان وتحرير الشعوب من طغيان الملوك المستبدين والأشراف المتألهين، والأقوياء الظالمين، ورجال الدين المستغلين، كما كان له الأثر البالغ في تصحيح العلاقة بين الحاكمين والمحكومين. هذه الوحدانية المطلقة في العقيدة طبعت كل الأسس والنظم التي جاءت بها الحضارة الإسلامية، فهنالك الوحدة في الرسالة، والوحدة في التشريع، والوحدة في الأهداف العامة، والوحدة في الكيان الإنساني العام.

ومن أبرز خصائص الحضارة الإسلامية أنها إنسانية النـزعة والهدف، عالمية الأفق والرسالة، فالبشرية تنتمي لأصل واحد وعائلة واحدة: كلكم لآدم وآدم من تراب([6]).

ومن خصائصها كذلك أنها جعلت للمبادئ الأخلاقية الاعتبار الأكبر في كل نظمها ومختلف ميادين نشاطها. كما أن الحضارة الإسلامية سوّت بين الناس جميعاً، فالكل متساوون أمام القانون، فلا تمييز بين خليفة ومواطن، ولا بين منسوب وآخر من عامة الخلق، ولا بين غني وفقير أو بين قوي وضعيف، ولا بين أبيض وأسود: فالضعيف فيكم قوي عندي حتى آخذ له الحق، والقوي فيكم ضعيف عندي حتى آخذ منه الحق([7]). والله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطع محمد يدها([8])، فالخلق كلهم ـ في ميزان الإسلام ـ عيال الله فأحبهم إليه أنفعهم لعياله([9]).

ومن خصائص الحضارة الإسلامية، بل ربما كان من أعظمها وأدعاها للدهشة ذلك التسامح الديني العجيب الذي لم تعرفه حضارة مثلها، قامت على الدين، وكانت أشد ما عرف التاريخ تسامحاً وعدالة ورحمة وإنسانية، وحسبنا أن نعرف أن حضارة تنفرد في التاريخ بأن الذي أقامها دين واحد، ولكنها كانت للأديان جميعاً([10]).

النزعة الإنسانية في الرسالة الإسلامية

1- لا يسع الإنسان أو الباحث في حضارة أمتنا الخالدة وآثارها إلا أن يُعنى بالنـزعة الإنسانية التي تميزت بها الحضارة الإسلامية عن الحضارات الأخرى، إذ نقلت الإنسانية من أجواء الحقد والكراهية والتفرقة والعصبية إلى أجواء الحب والتسامح والتعاون والتساوي أمام الله، ولدى القانون وفي كيان المجتمع تساوياً لا أثر فيه لاستعلاء عرق على عرق أو فئة على فئة أو أمة على أمة.

أما النـزعة الإنسانية في مبادئها، فتبدو واضحة مشرقة كالشمس حين يعلن الإسلام أن الناس جميعاً خلقوا من نفس واحدة: {يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة، وخلق منها زوجها، وبث منهما رجالاً كثيراً ونساءً}([11])، فالأصل البشري لأبناء البشرية قاطبة هو أصل واحد، ومهما تفرق الناس بعد ذلك إلى أمم وقبائل وبلدان وأجناس، فإنما هو كتفرق أبناء البيت الواحد وهم من أب واحد وأم واحدة. وعلى هذا الأساس انبثق المبدأ الإنساني الخالد ليكون إعلاناً للبشرية قاطبة: {يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى، وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا}([12]).

هكذا يستمر الإسلام في إعلان الوحدة الإنسانية بين الناس (عبر آيات القرآن وأحاديث وأفعال النبي عليه الصلاة والسلام) كإخوة من أب وأم، والوحدة الاجتماعية في المجتمع كشجرة تهتز أغصانها إذا لمستها الرياح لا فرق بين أعلاها وأدناها. ومن المفيد أن نلفت النظر لنلحظ كثرة الخطاب القرآني للناس بالألفاظ التي تشعرهم بوحدة الأصل الإنساني: يا أيها الناس، يا بني آدم، دون أن يميز الخطاب أمة على أمة أو جنساً على جنس أو فريقاً على فريق آخر([13]).

أما النـزعة الإنسانية في التشريع الحضاري للرسالة الإسلامية فيبدو واضحاً في كل باب من أبوابه، ففي الصلاة يقف الناس جميعاً بين يدي الله، لا يخصص مكان لملك أو عظيم أو عالم، وفي الصوم يجوع الناس كلهم، لا يستثنى من بينهم أمير أو غني أو شريف، وفي الحج يلبس الناس لباساً واحداً، ويقفون موقفاً واحداً، ويؤدون منسكاً واحداً لا تمييز بين قاصٍ ودانٍ، ولا بين قوي وضعيف، ولا بين أشراف وعامة. فإذا انتقلنا إلى أحكام القانون المدني وجدنا الحق هو الشرعة السائدة والمطلقة بين الناس، والعدل هو الغرض المقصود من التشريع، ودفع الظلم هو اللواء الذي يرفعه القانون ليفيء إليه كل مضطهد ومظلوم. وإذا التفتنا إلى القانون الجزائي رأينا العقوبة واحدة لكل من يرتكبها من الناس، فمن قَتَلَ قُتل، ومن سَرَقَ عوقب، ومن اعتدى أُدِّب، لا فرق أن يكون المعتدي أمير المؤمنين أو عامل النسيج، والمعتدى عليه أعجمياً كان أو عربياً، شرقياً كان أو غربياً، فالكل سواء في نظر القانون وفي ميزان التشريع الإسلامي: {الحر بالحر والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى}([14]). بعد ذلك يسمو التشريع إلى أرفع من هذا حيث يثبت الكرامة الإنسانية للناس جميعاً بقطع النظر عن أديانهم وأعراقهم وألوانهم، فيقضي القرآن الكريم وينص في إحدى آياته: {ولقد كرَّمنا بني آدم}([15])، وهذه الكرامة هي التي تضمن للناس جميعاً حقهم في الحياة والعقيدة والعلم والحرية والعيش، إنها للناس جميعاً، ومن واجب الدولة أن تكفلها للجميع على قدم المساواة، بدون تمييز أو استثناء([16]).

في العام 100هـ شكت جارية سوداء تسمى فرتونة إلى أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز أن لها حائطاً قصيراً، يقتحم منه عليها، فَيُسرق دجاجها، فكتب إلى واليه في مصر أيوب بن شرحبيل: إذا جاءك كتابي فاركب بنفسك حتى تحصنه لها، فلما استلم كتاب أمير المؤمنين ركب بنفسه إلى الجيزة ليسأل عن فرتونة حتى عثر على مكانها، فإذا هي سوداء مسكينة، فأعلمها بما كتب به أمير المؤمنين، وحصَّن لها بيتها([17]).

التاريخ يقول كلمته

هذه هي مظاهر النـزعة الإنسانية في مبادئ الرسالة الإسلامية وتشريعها حينما أُعلنت للناس، فكيف كان واقعها عندما حكمت وسادت؟ هل ظلت تلك المبادئ ميثاقاً نظرياً كميثاق حقوق الإنسان في شرعة الأمم المتحدة، تحتفل الدول بذكرى إعلانه يوماً في كل عام، بينما تمتهنه الدول الكبرى في كل ساعة وفي كل يوم وفي كل شهر من شهور السنة؟!! هل ظلت تلك المبادئ حبيسة في البلد الذي أعلنت فيه كما احتبست مبادئ الثورة الفرنسية في فرنسا، وحرّمت على مستعمراتها وعلى البلدان التي وقعت تحت حكمها أو انتدابها؟ هل نصبت تماثيل جديدة كما نصب تمثال الحرية في نيويورك أول ما يراه القادم إلى تلك الديار؛ بينما تنطق أعمال أمريكا في خارج حدودها نطقاً يشجب الحرية، ويهزأ بها ويضطهد الداعين إليها. لنستمع إلى التاريخ الذي هو أصدق شاهد، لنستمع إلى روائع النـزعة الإنسانية في الحضارة الإسلامية كما تؤيدها الحقائق الناطقة في تصرفات حكامها وسلوك أفرادها.

كان أبو ذر وبلال صحابيين آمنا برسالة الإسلام واتبعا الرسول ونهجه صلى الله عليه وسلم. حدث بينهما نزاع تطور حتى قال أبو ذر لبلال: يا ابن السوداء، فشكا بلال إلى النبي صلى الله عليه وسلم أبا ذر، فقال المصطفى صلى الله عليه وسلم لأبي ذر: أعيرته بأمه؟ إنك امرؤ فيك جاهلية، فندم أبو ذر وتاب عن خطئه، حتى إنه أمر بلالاً أن يطأ على وجهه مبالغة في الندم والاعتذار والتوبة. وفي ذات يوم وقف رسول الله صلى الله عليه وسلم على باب الكعبة وقال: يا معشر قريش: إن الله أذهب عنكم نخوة الجاهلية وتعظمها بالآباء، الناس من آدم، وآدم من تراب، ثم تلا قول الله تعالى، وذلك قبل أن يتم له النصر: {يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى، وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا، إن أكرمكم عند الله أتقاكم}([18])، وهذا الخليفة عمر يرى في السوق شيخاً كبيراً يسأل الصدقة، فيسأله عمر: ما أنت يا شيخ؟ فيجيبه: أنا شيخ كبير أسأل الجزية والنفقة، وكان يهودياً من سكان المدينة، فإذا بالخليفة يقول له: ما أنصفناك يا شيخ، أخذنا منك الجزية شاباً، ثم ضيعناك شيخاً، وأخذ بيده إلى بيته، فقدم له ما كان من طعامه، ثم أرسل إلى خازن بيت المال يقول: افرض لهذا وأمثاله ما يغنيه ويغني عياله([19]). وحدث أن سرقت امرأة من بني مخزوم ـ القبيلة القرشية ـ وجيء بها لتعاقب، فأهمَّ ذلك قريشاً، فأرسلوا أسامة بن زيد حِبَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم وابن حِبِّه ليشفع للمخزومية عند رسول الله، فغضب النبي صلى الله عليه وسلم غضباً شديداً، وقال لأسامة: أتشفع في حدّ من حدود الله؟ ثم قام في الناس خطيباً وقال: إنما أهلك الذين من قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد، وأيم الله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها([20]).

آفاق الأخوة الإنسانية في ميزان الرسالة

1- دعا النبي صلى الله عليه وسلم بالقول والعمل إلى التعاون بين الشعوب وإلى إقامة علاقات دولية فيما بين الشعوب أو الحكومات أو الكيانات، وطبّق النبي صلى الله عليه وسلم ذلك عندما جاء إلى المدينة، فعقد حلفاً مع اليهود، أساسه التعاون على البر وحماية الفضيلة ومنع الأذى، وكان صلى الله عليه وسلم يعقد المعاهدات مع القبائل العربية ـ من غير المسلمين ـ لإيجاد تعاون إنساني لإعلاء المعاني الإنسانية([21]). والنبي صلى الله عليه وسلم يعمم آفاق وساحات التعاون الإنساني، فيعلن أن الله تعالى يُمد بالقوة والعون كل من يسعف إنساناً ويساعده ويخفف عنه آلامه فيقول: والله في عون العبد ما دام العبد في عون أخيه([22])، دون أن يحدد أو يعيّن ذلك الأخ، ليشمل الأخوة الإنسانية، ولا يقتصر على الأخوة الدينية أو الإقليمية([23]).

2- والأنبياء جميعاً إخوة في آي القرآن، لا تفاضل بينهم من حيث الرسالة، ومن أركان الإيمان في العقيدة الإسلامية أن يؤمن المسلمون بهم جميعاً: {قولوا آمنا بالله، وما أنزل إلينا، وما أنزل إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط، وما أوتي موسى وعيسى، وما أوتي النبيون من ربهم لا نفرق بين أحد منهم، ونحن له مسلمون}([24]) ويدخل في هذا السياق أماكن العبادة للديانات السماوية، فإنها في حكم الشريعة السمحاء محترمة يجب الدفاع عنها وحمايتها كحماية مساجد المسلمين سواء بسواء: {ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيراً}([25]) والاختلاف في الأديان لا يحول دون البر والصلة والضيافة: {اليوم أحل لكم الطيبات، وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم، وطعامكم حل لهم، والمحصنات من المؤمنات، والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم}([26]) وعندما يختلف الناس في أفكارهم ومعتقداتهم، فالحوار بالحسنى هو السبيل، {ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن}([27])، حتى عندما ينتصر المسلمون في الحرب على خصومهم يظل المغلوبون في عقيدتهم أحراراً دون أن يكرهوا على ترك دينهم أو تغيير معتقدهم.

التسامح والعدل لدى المسلمين

1- والذي يلفت النظر ويسترعي الانتباه ما بلغه المسلمون من تسامح قلَّ نظيره في التاريخ إن كان له نظير، فعندما استولى محمد الفاتح على القسطنطينية حرباً، وفيها مقر البطريركية الأرثوذكسية في الشرق كله، أعلن الفاتح يومئذ تأمين سكانها على أموالهم وأرواحهم وعقائدهم وكنائسهم وصلبانهم، وأعفاهم من الجندية، ومنح رؤساءهم سلطة التشريع وفض الخصومات بين رعاياهم دون أن تتدخل الدولة فيها، حتى كان بطريرك الروم بما أعطي من سلطان أشبه بحكومة داخل حكومة، وظل ومن معه متمتعين بخير حال نحو خمسمائة عام([28]).

2- وكان خواصُّ النصارى في العهدين الأموي والعباسي محل الرعاية لدى الخلفاء، وكان لبعض أطبائهم الإشراف على مدارس بغداد ودمشق زمناً طويلاً، فقد كان ابن أثال النصراني طبيب معاوية الخاص، وكان سرجون كاتب معاوية، وعين مروان اثناسيوس مع آخر اسمه إسحاق في وظائف الحكومة في مصر، ثم بلغ اثناسيوس مرتبة الرئاسة في دواوين الدولة، وكان عظيم الثراء واسع الجاه، وقد شيد كنيسة في الرها من إيجار أربعمائة حانوت كان يملكها، وبلغ من شهرته أن عبد الملك بن مروان أوكل إليه تعليم أخيه الصغير عبد العزيز الذي أصبح والياً على مصر، وهو والد عمر بن عبد العزيز، ومن أشهر الأطباء الذين كان لهم حظوة عند الخلفاء جرجيس بن يختيشوع، كان مقرباً من الخليفة المنصور، ولما مات جزع عليه المنصور جزعاً شديداً، وأمر أن يدفن بالبخور والشموع على طريقة ديانته، وكان بختيشوع بن جبرائيل طبيب المتوكل، وصاحب الحظوة لديه، حتى إنه ـ أي بختيشوع ـ يضاهي الخليفة في اللباس وحسن الحال وكثرة المال وكمال المروءة، وكان للأخطل مكانة عظيمة في العهد الأموي، وكان إبراهيم بن هلال الصابي قد بلغ أرفع مناصب الدولة، وتقلد الأعمال الجليلة، وكان بينه وبين كبار العلماء والأدباء من المسلمين صلات حسنة، وعندما توفي رثاه الشريف الرضي شيخ الهاشميين ونقيبهم بقصائد بديعة كالقصيدة الدالية التي منها:

أرأيت مـن حملوا على الأعـواد أرأيت كيف خبـا ضيـاء النادي

ما كنت أعلم قبل حطك في الثرى أن الثرى يعلو على الأطواد([29])

3- ومما يدعو المسلمين إلى الاعتزاز بمجدهم الحضاري ما حظي به أهل الكتاب ومن هم في حكمهم من رعاية فائقة، وحماية مطلقة، على مدى العصور تنفيذاً للتوجيهات النبوية الصارمة في هذا الشأن، فقد روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: ألا من ظلم معاهداً أو انتقصه أو كلفه فوق طاقته أو أخذ منه شيئاً بغير طيب نفس فأنا حجيجه يوم القيامة([30])، وقال صلى الله عليه وسلم: من آذى ذمياً فأنا خصمه، ومن كنت خصمه خصمته يوم القيامة([31]).

الحديث عن روح التسامح التي عمت العالم الإسلامي قديماً وحديثاً لا يكاد ينقضي، والكتب التي تناولت هذا الموضوع وأسهبت به تملأ حيزاً كبيراً في المكتبة الإسلامية، والغربيون رغم تعصب الكثيرين منهم، فإن المنصفين قدموا شهادات ودراسات قيمة عن تسامح المسلمين مع خصومهم في حالات السلم والحرب جميعاً وبعد النصر، وتحدثوا عن تسامح صلاح الدين وملوك الأيوبيين ومحمد الفاتح وآخرين، وقارنوا بين ما فعله الإسبان في الأندلس وما أحدثه الصليبيون في بلاد الشام ومصر من فتك وقتل وإحراق، وبين تسامح العرب والمسلمين على مدار التاريخ، وهذا التسامح لم يأت اجتهاداً من الساسة والقادة المسلمين، ولا سيما أنه حدث في فترات لا ينازع المسلمين في سلطانهم أحد كالذي جرى في أيام الأمويين والعباسيين وعهود أخرى، وإنما كان التسامح ثمرة للتعاليم الإسلامية والهدْي النبوي، وقبل ذلك وبعده للتوجيه القرآني وآياته الكريمة.

4- وثمة ألوان من التسامح ظهرت في عصور الإسلام الزاهية تدعو إلى الإعجاب والتأمل، كالتي ذكرها خلف بن المثنى قال: لقد شهدنا في البصرة عشرة يجتمعون في مجلس لا يعرف مثلهم في الدنيا علماً ونباهة، وهم: الخليل بن أحمد النحوي المشهور وهو سني، والحميري الشاعر وهو شيعي، وصالح بن عبد القدوس وهو زنديق ثنوي، وسفيان بن مجاشع وهو خارجي صفري، وبشار بن برد وهو شعوبي ماجن، وحماد عجرد وهو زنديق شعوبي، وابن رأس الجالوت الشاعر وهو يهودي، وابن نظير المتكلم وهو نصراني، وعمر بن المؤيد وهو مجوسي، وابن سنان الحراني وهو صابئي، كانوا يجتمعون فيتناشدون الأشعار ويتناقلون الأخبار ويتحدثون في جو من الود لا تكاد تعرف أن بينهم هذا الاختلاف الشديد في دياناتهم ومذاهبهم.

ومن مظاهر التسامح الديني في الحضارة الإسلامية الاحتفالات بالأعياد لأهل الديانات الأخرى من غير المسلمين، فمنذ العهد الأموي كان للنصارى احتفالاتهم العامة في الشوارع، تتقدمها الصلبان ورجال الدين بألبستهم الكهنوتية، فقد دخل البطريرك ميخائيل الإسكندرية في احتفال رائع وبين يديه الصلبان والأناجيل، وذلك في عهد هشام بن عبد الملك، وجرت العادة في أيام الرشيد أن يخرج النصارى في موكب كبير وبين أيديهم الصلبان في عيد الفصح.

يقول المستر درابر الأمريكي: إن المسلمين الأولين في زمن الخلفاء لم يقتصروا في معاملة أهل العلم من النصارى النسطوريين واليهود على مجرد الاحترام، بل فوضوا إليهم كثيراً من الأعمال الجسام ومناصب الدولة العليا، حتى إن هارون الرشيد وضع جميع المدارس تحت مراقبة حنَّا بن ماسويه، ويقول المؤرخ الشهير المعاصر ولز في صدد بحثه عن تعاليم الإسلام: إنها أسست في العالم تقاليد عظيمة للتعامل العادل الكريم، وإنها لتنفخ في الناس روح الكرم والسماحة([32]). ويقول المستر مارك ساين في وصف الإمبراطورية الإسلامية في عهد الرشيد: وكان المسيحيون والوثنيون واليهود والمسلمون في خدمة الحكومة على سواء، ويقول ليفي بروتستال في كتابه ـ إسبانيا الإسلامية في القرن العاشر: إن كاتب الذمم كثيراً ما كان نصرانياً أو يهودياً، ومن اليهود من كانوا ينوبون عن الخليفة في السفارات إلى دول أوربا الغربية، ويقول أرنولد توماس في كتابه: الدعوة إلى الإسلام الذي كتبه في مطلع القرن العشرين: كان المسلمون على خلاف غيرهم، إذ يظهر أنهم لم يألوا جهداً في أن يعاملوا رعاياهم من المسيحيين بالعدل والقسطاط([33]).

5- أما العدل فقد بلغ مداه عندما رفع الإسلام بعدالته وإنسانيته وإشاعته للعلم كثيراً من الضعفاء والأرقاء إلى مصاف العلماء والفقهاء وكبار القضاة، فقد كان عبد الملك بن مروان يأمر المنادي في موسم الحج أن ينادي أن لا يفتي الناس إلا عطاء ابن أبي رباح إمام أهل مكة وعالمها وفقيهها، وكان عطاء أسود أعور أفطس أشلّ أعرج مفلفل الشَّعْر، فكان إذا جلس في حلقته العلمية بين الألوف من تلاميذه بدا كأنه غراب أسود في حقل من القطن، هذا الأسود الأعور الأفطس جعلت منه الحضارة الإسلامية ذات الطابع الإنساني إماماً عظيماً يرجع الناس إليه بالفتوى، ومدرسة يتخرج على يديه الألوف من البيض، وهو عندهم جميعاً محل الإكبار والحب والتقدير([34]).

ومن المعالم المضيئة في تحرير الإنسان في إرادته وكرامته وحريته أن الدفاع عن الضعفاء المستذلين في الشعوب الأخرى واجب على المسلمين مثل دفاع المسلمين عن حريتهم وكرامتهم، وقد جاء هذا الاستنهاض بهذه المسؤولية الإنسانية في نداء قرآني يتضمن استنكاراً للمتقاعسين عن تحمل هذا الواجب: {ومالكم لا تقاتلون في سبيل الله والمستضعفين من الرجال والنساء والولدان الذين يقولون ربنا أخرجنا من هذه القرية الظالم أهلها، واجعل لنا من لدنك ولياً واجعل لنا من لدنك نصيراً}([35]).

كذلك حرر الإسلام الإنسان من الأرباب المزيفين والطواغيت المتألهين الذين وضعوا أنفسهم فوق المستوى البشري، فاستعبدوا الناس، وأعطوا لأنفسهم حصانة تجعلهم فوق المساءلة، وأنهم لا يُسألون عما يفعلون، فحطم الإسلام هذه الهالة في نفوس المؤمنين، وبث فيهم روح التمرد والرفض لهذا التسلط، لأن الناس جميعاً متساوون، وكلهم من أب واحد، فالخليفة يخضع للأحكام والنظام مثل أي مواطن سواء بسواء، والخليفة يَمْثُل أمام القضاء كأي فرد في المجتمع، بل يستطيع أن يقاضيه أي مواطن أياً كان معتقده أو مذهبه، وعلى الخليفة أن يلتزم بحكم القضاء ويقوم بتنفيذه، فها هو عمر بن الخطاب يشتكي عليه رجل يهودي كان سيدنا عمر قد أخذ منه فرساً على سوم الشراء، فَحَمَل عليه، فخاطبه اليهودي، فقال عمر: اجعل بيني وبينك رجلاً، فقال: إني أرضى بشريح القاضي، فحكم القاضي لصالح اليهودي، وقال لعمر: أخذته صحيحاً سليماً فأنت له ضامن حتى ترده صحيحاً سليماً، وها هو سيدنا علي بن أبي طالب يفقد درعاً له في صفين فيجدها عند يهودي، فيرفع دعوى ضد اليهودي إلى القاضي شريح، ويجلسهما شريح ويحكم في القضية([36])، ويشاء القدر أن يكون الحكم لغير صالح الخليفتين عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب.

العلاقات الدولية وحقوق الإنسان

في العلاقات الدولية بين المسلمين والشعوب الأخرى يقضي الإسلام في الحفاظ على حقوق الإنسان في وفاء المسلمين بالعهود لغيرهم مهما كلفهم ذلك من عنت وتضحيات، فعندما حشد الروم جموعهم على حدود البلاد الشمالية الإسلامية في الشام، كتب أبو عبيدة إلى كل والٍ خلفه في المدن التي صالح أهلها يأمرهم أن يردوا عليهم ما جُبِيَ منهم من الجزية والخراج، وكتب إليهم: إنما رددنا عليكم أموالكم لأنه بلغنا ما جُمع لنا من الجموع، وإنا كنا قد أخذنا منكم أموالاً على أن نحميكم وندافع عنكم، ونحن الآن خارجون عنكم لا نملك حمايتكم، فهذه أموالكم نردها إليكم، ونحن لكم على الشرط إن نصرنا الله عليهم([37]). وحدث مثل هذا في الحروب الصليبية، فقد رد صلاح الدين الأيوبي الجزية إلى نصارى الشام حين اضطر للانسحاب منها([38])، وفي مصر أعطى عمرو بن العاص لأهلها الأمان على أنفسهم وملتهم وأموالهم وكنائسهم وصلبهم وبرهم وبحرهم، لا يدخل عليهم شيء من ذلك ولا ينتقص.

ولما ولي الخلافة عمر بن عبد العزيز وفد عليه قوم من أهل سمرقند، فرفعوا إليه أن قتيبة بن مسلم الباهلي قائد الجيش الإسلامي دخل مدينتهم وأسكنها المسلمين غدراً بغير حق، فكتب إلى عامله هناك أن ينصب لهم قاضياً ينظر فيما ذكروا، فإن قضى بإخراج المسلمين من سمرقند أُخرجوا، فنصب لهم الوالي ـ جميع بن حاضر الباجي ـ قاضياً ينظر في شكواهم، فحكم القاضي بإخراج المسلمين، على أن ينذرهم قائد الجيش الإسلامي بعد ذلك، وينابذهم وفقاً لمبادئ الحرب الإسلامية حتى يكون أهل سمرقند على استعداد لقتال المسلمين فلا يؤخذوا بغتة، فلما رأى أهل سمرقند ما لا مثيل له في التاريخ من عدالة تنفذها الدولة على جيشها وقائدها قالوا: هذه أمة لا تحارب، وإن حُكْمَها رحمة ونعمة، فرضوا ببقاء الجيش الإسلامي، وأقروا أن يقيم المسلمون معهم في سمرقند، وفي حروب التتار في بلاد الشام وقع بأيدي التتار كثير من أسرى المسلمين واليهود والنصارى، فتدخل شيخ الإسلام ابن تيمية مع أمير التتار في أمر الأسرى وفك إسارهم، فأجابه الأمير إلى فك أسرى المسلمين دون النصارى واليهود، فأبى ابن تيمية ذلك وقال له: لا بد من افتكاك جميع من معك من اليهود والنصارى الذين هم أهل ذمتنا، ولا ندع أسيراً من أهل الملة ولا من أهل الذمة([39]).

ومن الأمثلة البارزة لمعاهدات الصلح الدائمة التي تحدد حقوق غير المسلمين الذميين، وتحفظ للإنسان حقوقه وحريته، ما جاء في كتاب النبي صلى الله عليه وسلم لأهل نجران اليمن: ولنجران وحاشيتها جوار الله وذمة محمد النبي رسول الله على أموالهم وأنفسهم وأرضهم وملتهم وغائبهم وشاهدهم وعشيرتهم وكل ما تحت أيديهم من قليل أو كثير، لا يغير أسقف من أسقفيته، ولا راهب من رهبانيته، ولا كاهن من كهانته، ليس عليهم دنية ولا دم جاهلية، ولا يخسرون ولا يعسرون، ولا يطأ أرضهم جيش، ومن سأل منهم حقاً فبينهم النصف غير ظالمين ولا مظلومين([40]). ومن معاهدات الصلح التاريخية البارزة كذلك صلح الخليفة عمر بن الخطاب مع أهل القدس، وقد جاء فيه: هذا ما أعطى عبد الله عمر أمير المؤمنين أهل إيلياء من الأمان، أعطاهم أماناً لأنفسهم وأموالهم، وكنائسهم وصلبانهم، وسقيمها وبريئها وسائر ملتها أن لا تسكن كنائسهم ولا تهدم ولا ينتقص منها ولا من حيزها ولا من صليبهم، ولا من شيء من أموالهم، شهد على ذلك خالد بن الوليد وعمرو بن العاص وعبد الرحمن بن عوف ومعاوية بن أبي سفيان، وكتبت سنة خمس عشرة هجرية، ثم رفض عمر أن يصلي في الكنيسة عندما حضرته الصلاة خشية أن يقتدي به المسلمون، فتصبح الصلاة داخل الكنيسة حقاً، وقد يؤدي ذلك إلى الاستيلاء على الكنيسة([41]).

حصانة الرسل والسفراء

كفل الإسلام للسفراء والرسل كل أنواع الحماية والرعاية والحصانة والتكريم حتى وإن أساؤوا إلى المسلمين، فلم يقتل الرسول صلى الله عليه وسلم رسولي مسيلمة الكذاب، بل قال لهما: لو كنت قاتلاً رسولاً لقتلتكما، ورد رسول الله صلى الله عليه وسلم مبعوث قريش إليهم، بالرغم من إعلان إسلامه بمجرد رؤية النبي صلى الله عليه وسلم وقال عليه السلام: إني لا أخيس بالعهد ـ لا أنقضه ـ، ولا أحبس البرود ـ أي الرسل ـ، ولكن ارجع إليهم، فإن كان في قلبك الذي فيه فارجع([42]).

لقد أجمع الفقهاء على مشروعية الأمان وأجازوا للمبعوث السياسي أن يدخل بلاد المسلمين من دون حاجة إلى عقد أمان، ولم يجيزوا الغدر برسل العدو حتى ولو قتل الأعداء رهائن المسلمين الموجودين عندهم، فلا تقتل رسلهم([43])، بينما كان الصليبيون يقتلون رسل المسلمين، فلا يعاملهم صلاح الدين بالمثل تمسكاً بأوامر الإسلام، بينما قاعدة تحريم الغدر بالسفراء لم تتأصل إلا في عامي 1907 و1949([44]).

عالمية الرسالة الإسلامية

العالمية في الرسالة الإسلامية واضحة وضوح الشمس في رابعة النهار، لأنها واردة في كل تعاليمه وأحكامه، وفي أسسه الروحية وقيمه الخلقية، وفي التبشير بأن الرسول بعث رحمة للعالمين ولعباد الله أجمعين، قال الله تعالى لنبيه الكريم: {وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين}([45])، وهذا إعلان فريد من نوعه، لأن مساحته الزمنية تحوي جميع الأجيال والأدوار التاريخية، ومساحته المكانية تغطي العالم أجمع([46]).

فالوحدة الإنسانية بارزة في النصوص، وثابتة في الأحكام، أكدها الرسول صلى الله عليه وسلم في أطول خطبة وأعظمها، وفي إعلانه العالمي الخالد في حجة الوداع: أيها الناس: إن ربكم واحد، وإن أباكم واحد، كلكم لآدم وآدم من تراب، إن أكرمكم عند الله أتقاكم، وليس لعربي على عجمي فضل إلا بالتقوى([47])، فالإنسان أخو الإنسان من جهتين، والإنسان أخو الإنسان مرتين، مرة وهي الأساس لأن الرب واحد، ومرة ثانية لأن الأب واحد: {يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها}([48]). وحينما قام النبي صلى الله عليه وسلم بهذا الإعلان التاريخي العظيم لم يكن العالم في وضع طبيعي هادئ يسيغ أو يتقبل هذه الكلمات الصريحة ويطيقها، فلم يكن هذا الإعلان أقل من زلزال هائل عنيف([49]).

وأتبع الإسلام هذا الإعلان الذي آخى فيه بين الناس جميعاً واعتبرهم أسرة واحدة، بإعلان آخر لا يقل أهمية وشأناً، أعلن الإسلام كرامة الإنسان وسموه وشرف الإنسانية وعلو قدرها، وكانت قبل ذلك بعض الحيوانات أعز لدى عبّادها من الإنسان، بل كانت تقدم لها القرابين من دم الإنسان ولحمه، فأعاد سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم إلى الإنسانية شرفها وكرامتها، ورد إليها اعتبارها، وأعلن أن الإنسان أعز موجود في هذا الكون، وأغلى جوهر في هذا العالم: {ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر، ورزقناهم من الطيبات، وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلاً}([50]). لقد بلغت درجة تكريم الإسلام للإنسان أن اعتبر الإنسان خليفة الله في الأرض، وأن الله سخر له ما في الكون، وجعله تحت سلطانه ليسوده ويسيطر عليه، كما أن هذا التكريم كما تدل الآيات والأحاديث ليس خاصاً بعنصر دون عنصر، ولا بجنس دون جنس، بل لكل من يتحقق فيه معنى الإنسانية([51]) ثم بلغ تكريم الإسلام للإنسان ذروته عندما احتفظ له بهذه الكرامة في حال حياته وبعد مماته، لقد مرت جنازة يهودي فوقف لها النبي تكريماً، فقال له بعض أصحابه: إنها جنازة يهودي، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أليست نَفْساً([52])؟ فتكريم الإنسان لكونه إنساناً مبدأ مطلق بصرف النظر عن فكره ورأيه ومعتقده.

حقوق الإنسان في ظل الحروب

إذا كان من العجب أن يبلغ حرص الإسلام على حفظ حقوق الإنسان والدفاع عن شرفه ودمه وعرضه وحرياته وحمايته من أي عدوان عليه في حال السلم بالقدر الذي رأيناه وقرأناه في البحوث السابقة، فإن من الأعجب أن تبقى حقوق الإنسان مصونة وكرامته موفورة في ظل الحروب (والأسلحة متشابكة) كما في حال السلم، فقد نهى رسول الله عن المثلة وعن تشويه أجسام القتلى، وأوجب دفنهم كيلا تترك في العراء لوحوش الغاب وكواسر الطير، كما نهى الرسول الكريم ذو القلب الرحيم عن تعذيب الجرحى أو قتلهم أو تركهم في ميدان المعركة، بل أمر بمداواتهم والاعتناء بهم حتى يشفى الأسير فَيفْدَى أو يطلق سراحه([53])، وطيلة فترة الأسر (ريثما يبت بموضوعه) يعامل معاملة كريمة، لأن الإحسان إليه وتأمين أموره من علاج وكساء وسكن وغذاء ومراسلة مع عائلته وذويه تندرج تحت أعمال البر والخير التي يؤجر المسلم عليها وتضاف إلى سجل حسناته: {ويطعمون الطعام على حبه مسكيناً ويتيماً وأسيراً، إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاء ولا شكوراً}([54]). إن هذه الأحكام صدرت وطبقت منذ السنوات الأولى لظهور الإسلام أي قبل أربعة عشر قرناً من اتفاقيات جنيف الخاصة بالأسرى والتي أقرت في منتصف القرن العشرين.

فالحرب الإنسانية الخالصة لله دفاعاً عن الحق والفضيلة والخير وحقوق الإنسان والحريات... إلخ ينبغي أن تظل إنسانية في وسائلها، وعند اشتداد وطيسها، ومن هنا جاءت الوصايا غير المسبوقة في التاريخ: لا تمثلوا ولا تقتلوا طفلاً صغيراً ولا شيخاً كبيراً ولا امرأة، ولا تعقروا نخلاً ولا تحرقوه، ولا تقطعوا شجرة مثمرة، ولا تذبحوا شاة ولا بقرة ولا بعيراً إلا لمأكلة، وسوف تمرون بأقوام قد فرغوا أنفسهم في الصوامع، فدعوهم وما فرغوا أنفسهم له (من وصية أبي بكر لجيش أسامة)([55]).

المسلمون والدور الحضاري المرتقب

يؤكد كثير من الباحثين في الحضارات ومستقبل البشرية والدفاع عن الإنسان وحماية حقوقه من الانتهاك أن ليس ثمة من يستطيع القيام بالدور الحضاري المرتقب إلا الأمة الإسلامية، ما تمسكت بالتعاليم والأحكام الشرعية تمسكاً صادقاً مخلصاً، ولن يستطيع حمل لواء الحضارة غير المؤمنين بالرسالة الإسلامية، وذلك: لأن عقيدتنا نقية راقية خالصة من شوائب الشرك ورواسب الوثنية، تحرر الإنسان من كل خضوع أو ركوع لغير الخالق ذي الجلال والعزة، الرحيم بخلقه وعباده الذي يأخذ بنواصيهم إلى السعادتين في الدارين الأولى والآخرة، ولأن شريعتنا السمحاء تؤكد على العدل المطلق والمساواة التامة، وتحرير الإنسان، والارتقاء به إلى مصاف الملائكة الأطهار المقربين، ولأن أمتنا أخيراً، وليس آخراً أثبتت في الماضي قدرتها على إنشاء حضارة إنسانية راقية، ومن ثم فهي قادرة ومؤهلة للقيام بالدور الحضاري المنشود الذي تتطلع إليه شعوب الأرض لينقذها من كارثة يخشى جميع المفكرين والمصلحين والروحانيين والفلاسفة والدعاة إلى الخير من وقوعها فيكون في ذلك تدمير البشرية إن لم يكن زوالها.

وقبل أن نأتي على ختام هذا الفصل، نسائل أنفسنا ونحاسبها بحزم قائلين: هل يدفع بنا التعصب لأمتنا وحضارتنا وشريعتنا وتاريخنا، فنبرز دورها الحضاري على هذه الصورة المشرقة؟!! وهل تغرينا عصبية للنيل من الحضارات الأخرى، ولا سيما الغربية منها، فنبرز منها صفحات مخجلة للتاريخ البشري كله؟

في إجابة صريحة نحاكم بها أنفسنا فنقول:

1- إن الإسلام شجب العصبية وشنّ عليها حرباً لا هوادة فيها. قال النبي صلى الله عليه وسلم: ليس منا من دعا إلى عصبية، وليس منا من قاتل على عصبية، وليس منا من مات على عصبية([56])، وهذا لا يشمل انتماء الإنسان إلى وطنه، أو تنكره لحب بلده، فقد سأل أبيّ بن كعب النبي صلى الله عليه وسلم: أمن العصبية أن يحب الرجل قومه؟ فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: لا، ولكن من العصبية أن ينصر الرجل قومه على الظلم([57]).

2- أنكر الإسلام الظلم، وأمر بالعدل مع الناس جميعاً، ولو كان بعضهم عدواً: {ولا يجرمنكم شنآن قوم على أن لا تعدلوا، اعدلوا هو أقرب للتقوى}([58]). وقد وردت آيات كثيرة في السياق تشجب الظلم وتحض على القسط والعدل.

3- حرم الإسلام الكذب، واعتبر الكاذبين خارج إطار الإيمان: {إنما يفتري الكذب الذين لا يؤمنون بآيات الله}([59])، وقد قال المصطفى صلى الله عليه وسلم: مهما زلت قدم المسلم في الوقوع في فاحشة أو ارتكب من معصية، فلا يمكن أن يقع في حبائل الكذب والإفك والبهتان والافتراء، فقال قولته الحاسمة: المؤمن لا يكذب([60])، أي أن الذي يكذب لا يكون في دائرة الإيمان أو في عداد المؤمنين.

وفي هذا السياق، نشير إلى إلمامة أو لمحة عن مفاهيم الحضارة الغربية المادية بشقيها الرأسمالي والشيوعي، التي أفقدت الإنسان طمأنينته واستقراره ومثله، عندما جعلت الرفاه المادي مثلها الأعلى الذي تستحث إليه الخطا، فإذا لم يصل إليه طالبه كان شقياً، وإن بلغه عاش ملولاً، لا ينتهي من ملله إلا بما يقدم البعض عليه من الانتحار، بالإضافة إلى المظالم التي تشمل تسلط طبقة على أخرى تجعل منها مجتمعاً بائساً فقيراً مريضاً يعيش كثير من أبنائها تحت خط الفقر، ويقضي كثير منهم جراء المرض الذي لا يجدون له ثمن العلاج، وكذلك ما تعانيه بعض المجتمعات المعاصرة ـ والمتحضرة ـ من تمييز عنصري وتفاوت اجتماعي يجعل كثيراً من شعوب العالم في بؤس وتعاسة.

فمن مظاهر اضطهاد الزنوج في أمريكا، عدم السماح في عشرين ولاية للزنوج أن يتلقوا تعليمهم في مدرسة واحدة مع البيض، والفقرة 207 من دستور ولاية ميسيسبي تنص على فصل الأطفال البيض عن الأطفال الزنوج، لتكون لكل فريق مدارسه الخاصة به، وفي ولاية فلوريدا تقضي القوانين أن تفصل الكتب المدرسية الخاصة بالطلاب السود في معزل عن الكتب الخاصة بالطلاب البيض، وفي ميدان الزواج يمنع في معظم الولايات زواج بيضاء بزنجي أو أبيض بزنجية، وتنص دساتير بعض الولايات ـ كولاية ميسيسبي على بطلان مثل هذا الزواج، بل على بطلان زواج الأبيض لشخص يكون ثُمُن الدم الذي يجري في عروقه دم زنجي. وفي ميدان العمل تقضي قوانين بعض الولايات بأنه لا يسمح للعمال الزنوج أن يقيموا مع العمال البيض على صعيد واحد في المصانع، وفي ميدان الشؤون الاجتماعية تقضي قوانين أربع عشرة ولاية بعزل الركاب البيض في القطر الحديدية عن السود، وكذا في الأوتوبيس وغرف الهاتف والمستشفيات، حتى في مستشفيات الأمراض العقلية يفرق بين المجنون الأبيض والمجنون الأسود، وهذا ما يخجل الساسة الأمريكيين، أو بعضهم، وهو شائع في الجنوب كما في الشمال، وفي العاصمة واشنطن وبالقرب من تمثال لنكولن يقع حي الزنوج الذين يسكنون بيوتاً أقرب لزرائب الحيوان منها إلى سكنى البشر كما يحدث فصل عنصري وتمايز عرقي حتـى فـي دور العبادة ـ الكنائس ـ.

لقد انتهى الرق بوصفه امتلاكاً للعبيد، ولكنه باقٍ ما يزال بوصفه نظاماً طبقياً وعنصرياً، يرسخ بطرق مختلفة وأساليب عديدة، فهو أحكام قتل أو إعدام، ينـزله الجمهور الأرعن في الزنجي بمعزل عن السلطة الحاكمة حيناً، وهو تشريعات مجحفة وإجراءات قانونية ظالمة حيناً آخر([61]).

هذا ما سجله المفكرون عن انتهاك حق الإنسان، بل وسَحْقِه في القرن العشرين، وما زالت بقاياه تؤكد حضورها في القرن الواحد والعشرين، وقبل ذلك سجل المؤرخون أحداثاً وكوارث حلت بالإنسان باسم الدين واختلاف المعتقدات وتباين المذهب كالذي جرى لسكان القسطنطينية وسجله المؤرخ البريطاني الشهير جيبون في كتابه الشهير: اضمحلال الإمبراطورية الرومانية وسقوطها، وغيره من المؤرخين في وصف ما فعله المسيحيون الكاثوليك في إخوانهم الأرثوذوكس عندما استولوا على القسطنطينية عام 1204، يقول البابا انسنت الثالث: إن أتباع المسيح وناصري دينه قد سفكوا الدم المسيحي الحرام وغرقوا في بحاره، هؤلاء لم يحترموا الدين ولا السنَّ ولا الجنس، فارتكبوا الزنى في وضح النهار، لقد سُلِّمت الراهبات والعذارى والأمهات لوحشية الجنود، ولم يكتف هؤلاء بسلب ذخائر الإمبراطور، ولا نهب متاع الأفراد، بل وضعوا أيديهم على أرض الكنائس وثروتها، وانتهكوا حرمات الكنائس، وسلبوا إيقوناتها وصلبانها وآثارها ومخلفات القديسين. ويقول المؤرخ شارل ديل: لقد دخل الجنود السكارى كنيسة سانت صوفيا، وأتلفوا الكتب المقدسة، وداسوا بأقدامهم صور الشهداء، وجلست امرأة فاسقة على كرسي البطريرك، وارتفع صوتها بالغناء.

هذا ما حدث في القسطنطينية على أيدي جنود الحملات الصليبية وهي في طريقها إلى المشرق ـ سوريا والعراق ومصر ـ ومثله وأكثر منه جرى في إسبانيا عندما قام الإسبان بالتطهير العرقي للمسلمين، فلم يتركوا مسلماً إلا قتلوه أو لاحقوه فلاذ بالفرار إلى المغرب، ولم يتركوا قبراً إلا نبشوه وأحرقوا عظامه، وكانوا من قبل قد أعطوا المسلمين بضعة وستين عهداً باحترام ديانتهم ومساجدهم وأموالهم وأعراضهم فلم يرعوا عهداً واحداً، ولم يفوا بذمة، ولم يعفّوا عن سفك الدماء وإزهاق الأرواح وسلب الأموال، ولم يكد يمضي على سقوط غرناطة اثنان وثلاثون عاماً حتى أصدر البابا أمره عام 1524م بتحويل جميع مساجد إسبانيا إلى كنائس، ولم تمر على ذلك أربع سنوات أخرى حتى لم يبق في إسبانيا كلها مسلم واحد([62]).

أين أدعياء المسيحية هؤلاء من تعاليم السيد المسيح عليه السلام في تسامحه ودعوته إلى العفو والتراحم والإحسان والمحبة؟!! وأين هؤلاء الجفاة القساة من أخلاق الفاتح واحترامه لحقوق المسيحيين في استنبول بعد دخولها، ومن أخلاق صلاح الدين بعد استرجاع القدس وكيف كانت معاملته للسكان المسيحيين، أين هؤلاء القساة من سلوك المسلمين في القارتين الآسيوية والإفريقية حينما ذهب الدعاة والتجار إلى تلكم الأصقاع ولا سيما في جنوب شرقي آسيا التي يسكنها زهاء مليار مسلم في الفلبين وأندونيسيا وشبه القارة الهندية وماليزيا وغيرها، والتي لا نكاد نجد لها تاريخاً عسكرياً، لأن المسلمين فتحوها بأخلاقهم وسلوكهم واستقامتهم وحسن معاملتهم.

لهذا كله نقول بيقين وثقة: إن الإسلام مُهَيّأٌ لاستئناف الدور الحضاري الإنساني المرتقب الذي تتلهف إليه الشعوب بفارغ الصبر، وإن الرسالة الإسلامية بعقيدتها النقية وفلسفتها الإنسانية وشريعتها السمحاء، وأخلاقها المثالية، وتأكيدها على العدل المطلق بين أبناء آدم دون تمييز مؤهلة أكثر من غيرها أو من دون سواها على النهوض بالحياة البشرية إلى مدارج الكمال التي تنقذ الإنسان في دنياه وتسعده في أخراه، وهذا ما جعل المستشرق الألماني الكبير كولد زيهر يعجب ويندهش لعظمة الإسلام وشريعته الغراء، فيصف الإجماع كمصدر تشريعي ويقول عنه: إنه ينبوع القوة التي تجعل الإسلام يتحرك ويتطور بكل حرية، كما وجد في المصدر الرابع وهو الاجتهاد أنه العقل الساهر على نمو الشريعة الإسلامية وازدهارها الذي يدفع العقم عن قواعدها، وتهمة الجمود في طبيعتها([63]).

            

الهوامش:

([1]) الفكر الإسلامي الحديث للأستاذ محمد المبارك ص29،28.
([2]) سورة آل عمران من الآية 110.
([3]) سورة الحج من الآية 41.
([4]) سورة البقرة من الآية 143.
([5]) من روائع حضارتنا للدكتور مصطفى السباعي ص45.
([6]) رواه أبو داود (5116)، والترمذي (3955) وحسّنه.
([7]) من خطبة الصديق حين أسندت إليه الخلافة.
([8]) رواه البخاري (3475) ومسلم (1688).
([9]) رواه البزار.
([10]) من روائع حضارتنا للدكتور السباعي ص49،48،47،46.
([11]) سورة النساء من الآية 1.
([12]) سورة الحجرات من الآية 13.
([13]) المصدر السابق ص62،61.
([14]) سورة البقرة من الآية 178.
([15]) سورة الإسراء من الآية 70.
([16]) من روائع حضارتنا للشيخ السباعي رحمه الله ص63.
([17]) المرجع السابق ص80.
([18]) سورة الحجرات من الآية 13.
([19]) من روائح حضارتنا: ص65،64.
([20]) رواه البخاري (3475) ومسلم (1688).
([21]) العلاقات الدولية في الإسلام للشيخ محمد أبو زهرة ص24.
([22]) رواه مسلم (2699).
([23]) المرجع السابق ـ أبو زهرة ـ ص25.
([24]) سورة البقرة الآية 136.
([25]) سورة الحج الآية: 40.
([26]) سورة المائدة الآية: 5.
([27]) سورة العنكبوت الآية: 46.
([28]) من روائع حضارتنا ص82.
([29]) المرجع السابق ص88.
([30])حديث حسن رواه أبو داود (3052) والبيهقي.
([31]) رواه الخطيب عن أنس.
([32]) من روائع حضارتنا ص90،89.
([33]) المرجع السابق ص91.
([34]) المرجع السابق ص73.
([35]) سورة النساء الآية 75.
([36]) القضاء في الإسلام للدكتور محمد أبو فارس ص207.
([37]) العلاقات الدولية للزحيلي ص135، ومن روائع حضارتنا ص102 نقلاً عن كتاب الخراج لأبي يوسف وفتوح البلدان للبلاذري.
([38]) المرجع السابق للزحيلي.
([39]) من روائع حضارتنا ص103،102.
([40]) كتاب مجموعة الوثائق السياسية لحميد الله ص345.
([41]) المرجع السابق لحميد الله ص345.
([42]) رواه أبو داود (2758) وأحمد في مسنده 6/8.
([43]) العلاقات الدولية في الإسلام للزحيلي ص153.
([44]) نفس المرجع للزحيلي ص103.
([45]) سورة الأنبياء الآية 107.
([46]) السيرة النبوية للندوي ص388.
([47]) المرجع السابق ص404.
([48]) سورة النساء الآية 1.
([49]) السيرة للندوي ص405.
([50]) سورة الإسراء الآية 70.
([51]) العلاقات الدولية في الإسلام للشيخ محمد أبو زهرة ص19.
([52]) المرجع السابق ـ أبو زهرة ص20.
([53]) العلاقات الدولية لأبو زهرة ص28.
([54]) سورة الدهر الآيتان 9،8.
([55]) من روائع حضارتنا للشيخ السباعي ص98.
([56]) رواه أبو داود (5121).
([57]) العلاقات الدولية في الإسلام للشيخ أبو زهرة ص23.
([58]) سورة المائدة الآية 8.
([59]) سورة النحل الآية 105.
([60]) رواه مالك في >الموطأ< 2/990 عن صفوان بن سليم مرسلاً، وهو مرسل حسن.
([61]) من روائع حضارتنا للدكتور السباعي في الصفحات 79،78،77،76.
([62]) المرجع السابق ص107.
([63]) ندوات علمية ص69 طباعة دار الكتاب اللبناني بيروت 1973.