مصطفى السباعي
مع موعد صدور كتاب
مصطفى السباعي
رائد أمة...وقائد دعوة
(3)
د. محمد عادل الهاشمي |
الشيخ الدكتور مصطفى السباعي |
قد يتبادر إلى الظن غلبة النشاط السياسي على حياة السباعي، واستغراقه اهتمامه، وما ذلك إلا لأن الحياة السياسية لعهده كانت أكثر ضجيجاً وأوفر أحداثاً، فاستنفدت كثيراً من أوقاته، وربما رجح الجانب السياسي ـ ظاهراً ـ على حياة السباعي بما أبرزه به عصره في الصحافة والمجالس والمنتديات،بيد أن مؤلفات السباعي الفكرية ومنجزاته التربوية والاجتماعية تشير إلى أن حياته كانت متكاملة الجوانب، لم يرجح فيها الجانب السياسي إذ ألف فيه كتابين بينما استغرقت الجوانب الاجتماعية والتربوية جل جهوده ومؤلفاته...
إذن ما البرنامج التربوي الاجتماعي الذي زاوله السباعي؟
1 ـ البرنامج التربوي
كان السباعي ـ رحمه الله تعالى ـ في دعوته إلى الإسلام يحمل مشروعاً تربوياً يهدف من خلاله إلى إرساء الأصالة والاستقلالية في نفس الفرد والجماعة، ويجهد في تجنيب أبناءالأمة مزالق التغريب ومكر الاستعمار الفكري، وقد حمل مشروعه هذا على تحقيق ما يأتي:
1 ـ إرساء الأصالة والشخصية المستقلة
عمل السباعي على تحصين أبناء الأمة ضد الغزو الفكري الأوروبي الذي كان يوالي إرسالياته أو شن غاراته على عقيدة الأمة وشخصيتها الإسلامية عن طريق بث البعثات التبشيرية وغرس المدارس الأجنبية، لذا كان دأبه التنبيه إلى هذه المؤامرات والدعوة إلى الاعتصام بأصالة الشخصية المسلمة واستقلاليتها التي تصون الأمة من الزلل أو الانحراف، وإلى اعتزاز المسلم بدينه، ويجلو السباعي منهج الاستقلالية في تربية الناشئة، وتخيّر السبيل القويم الذي يبني عقول أبنائنا وأرواحهم على أساس من منهجنا الأصيل في كتاب الله وسنة رسوله ^ فيقول: «وخير الثقافة ما طبعت الناشئ على الدين، وربته على الفضيلة، وغذته بلبان الحكمة، وباعدت بينه وبين الهوى، حتى تجعل منه الحريص على الدين، الغيور على الفضيلة، الناطق بالحكمة، النافر من الإثم والهوى والرذيلة([1]).
2 ـ مقاومة التغريب والاستعمار الفكري
وهنا يقرع السباعي جرس النذير للأمة المسلمة التي يروم المستعمر أن يسرق عقول أبنائها، ويفرغها من دينها وشخصيتها ليسهل عليه احتواؤها بعد أن فشل في معاركه الحربية سابقاً أن يهيمن عليها وعاد مغلولاً مدحوراً.
وهنا يحذر السباعي من خطر افتتاح المدارس الأجنبية في بلادنا التي أنشأها الأجنبي لتفسيخ أجيالنا من شبان وبنات ليسلبوهم دينهم وأخلاقهم، ويصنعوا منهم جيلاً فاقد الانتماء لأمته، كما يحذر من حصائل المدارس الأجنبية ما ثلة في اقتفاء العادات الأجنبية بدعوى التمدن والتحديث بما يكرس التبعية الأجنبي، والتراجع عن الاعتزاز بشخصية الأمة.
2 ـ البرنامج الاجتماعي
وبعد أن يعرض لعدد من المبادئ التربوية كالفاعلية والحرية، والعطاء، وادخار الطاقات يقدم برنامجاً للإصلاح الاجتماعي،يعرض في الجانب التربوي منه ضرورة إنشاء المؤسسات الثقافية على أساس من البرامج الإسلامية، وإعداد جيل من الدعاة على مبادئ الإسلام وقيمه تفرزه الدعوة الإسلامية إلى المجتمع، بوصفه نموذجاً عملياً لشباب حسن الخلق، خاشع لربه، مؤثر على نفسه، يبذل عونه لمجتمعه، ويفتديه بنفسه وماله.
وقد تعهد السباعي الدعاة بالبرنامج الروحي والإعداد الثقافي، وربطه بالعبودية لله، ثقة وتجرداً، وفطنة وحسن تعامل، وقد أنشأ لإخراج هذا البرنامج عملياً،كلية الشريعة بدمشق، والمدارس الثانوية الشرعية.
أولى السباعي تربية الناشئة المسلمة عنايته، فبينما كان يقضي أيام الأعياد في الرحلات وإقامة المخيمات لتربية الشباب، اختص تربية الفتاة المسلمة بكتاب خاص ضمَّنه التوعية الأصيلة للفتاة المسلمة،والتحصين من التيارات الأجنبية، بعنوان: «المرأة بين الفقه والقانون».
وقد أعار السباعي كوادر المجتمع كافة عنايته، فكان يلقي المحاضرات التي تتعهد ثقافة المثقفين، ويخصهم ببرامج نوعية، كما كان يولي العامل عنايته واحترامه ويرفع من مكانته، ويتعهد إنصافه وسداد حقوقه.
ولقد أفرد الكتاب فصلاً مطولاً عن دور السباعي التاريخي في الذود عن الإسلام، وذلك عن طريق الصحافة الإسلامية كالفتح والشهاب والمسلمون وحضارة الإسلام والمنار اليومية، تلك الصحف والمجلات التي سطرت مئات المقالات بقلمه في نصرة الإسلام، وعن طريق الخطابة الإسلامية والكلمة المباشرة تخاطر الأسماع والقلوب، ممن يمتلك ناصية الكلام، وتباشر النفوس والعقول بالكلمة الحية الموقّعة الملهمة. كما كان ذوده الأكبر عن الإسلام بمؤلفاته العلمية الحديثة التناول، تجلو رسالة الإسلام بأسلوب ناضج عميق.
ومن منجزاته الفريدة قدم السباعي لجماهير الشعب في رسائله محاضراته: الإسلام منهج إصلاح وتقدم، وبادر إلى التوعية السياسية والفكرية للمذاهب الهدامة. وبشَّر بالصحوة الإسلامية، وأرسى المبادئ التشريعية الإسلامية في دستور الجمهورية السورية.
ولا نغادر السباعي حتى نجلو جانب «الحكمة» الذي أفرد له كتاباً بعنوان: هكذا علمتني الحياة، في جزئين، فجاءت الحكمة لديه حصيلة خصبة لعمر حافل بممارسات الحياة في أصعدتها المتنوعة، تملأ كلمته داعية ومجاهداً ومربياً، بما يجعله في عصره ذا دور رائد في تصحيح مسار الأمة، وإثابتها إلى شخصيتها وأصالتها.
إن ما عرضت له هو قبسة يسيرة من مآثر السباعي، بلغت في الكتاب ما يزيد عن خمسمائة صفحة. والله ولي التوفيق.
([1] )مجلة الفتح (المصرية) العام 10 العدد 465 عام 1354هـ (أبناؤنا) مصطفى السباعي.