التعدديـة السياسية في الدولة المسلمة

خالد أحمد الشنتوت

التعدديـة السياسية في الدولة المسلمة

إصدار : مركز بحوث تطبيق الشريعة الإسلامية ـ إسلام آباد

تلخيص وعرض : خالد أحمد الشنتوت ـ المدينة المنورة

 إن الحمد لله ، والصلاة على رسوله وبعد :

يكرر الكتاب سؤالاً يطرحه كثير من الناس ، يقصدون به إحراج الحركة الإسلامية ، وظنهم أنها دكتاتورية يضيق صدرها بكل مخالف لها، والسؤال هو : هل تتسع المذهبية الإسلامية لتعدد الأحزاب السياسية ؟ 

وللجواب على ذلك لابد من معرفة أنواع الأحزاب وهي :

1 ـ شمولية كالحزب الشيوعي ، والأحزاب الدينية . وتتجه هذه إلى نظام الحزب الواحد الذي لايسمح بأحزاب معارضة .

2 ـ جزئيـة تتبنى قضية أو أكثر ، وتدعو لها ، كالوحدة أو العدالة .

إيجابيات التعددية السـياسـية

1ـ الأحزاب مدارس للشعوب ، تسهم في إعداد نخبة ممتازة يعهد إليها بالحكم .

2 ـ الأحزاب همزة الوصل بين الحاكم والمحكوم .

3ـ الأحزاب صمام أمـن في الأمــة ( معارضة علنية ) .

4 ـ توجـه الرأي العام أثناء الانتخابات .

ســلبيات التعددية السياسية

1ـ تشرذم الأمـة وانتشار الأحقاد والضغائن ، خاصة في الأمم الناشئة .

2 ـ تشتت قوى الدولة بانقسامها إلى مؤيدين ومعارضين .

3 ـ آفـة التعصب الحزبي ، حيث يفرض رأي قيادة الحزب على كافة أعضائه ونوابه .

التعدديـة السياسية على الصعيد الإسلامي

الأصول الكلية للحكم الإسلامي :

1ــ السيادة للشـرع : فقد انعقد إجماع الأمة على أنه لادين إلا ما أوجبه الله ، ولاشرع إلا ماشرعه ، فلا حلال إلا ماأحله ، ولاحرام إلا ماحرمه . ولاتكون الشورى إلا في الأمور المباحة وما سكتت عنه الشريعة .

2 ـ السـلطة للأمــة : فهي التي تولي وتراقب وتعزل ، وقد ثبت في فقه السياسة الشرعية أن الإمامة تنعقد انعقاداً شرعياً بواسطة أهل الحل والعقد .

3 ـ ســيادة القضاء واستقلاله : والقضاة مستقلون لاسلطة عليهم إلا للشرع ، ولايتدخل الحاكم في مايتخذونه من أقضية ، بل عليه تنفيذها .

4 ـ صيانة الحقوق والحريات العامة : وقد تكلف الشرع الحنيف بحفظ الدين والنفس والعقل والمال والعرض .

5 ـ الحســـبة : وهي الأمر بالمعروف متى ظهر تركه ، والنهي عن المنكر متى ظهر فعله ، وبها يصان الدين ، وهي سلطة تخولها الشريعة لكافة المسلمين، وإذا قام الإمام بها يكفيهم ذلك .

6 ـ الشــورى : فيما لانص فيه ، والإمامة مقيدة بالشورى ، والحاكم الذي لايستشير أهل العلم عزله واجب ( تفسير القرطبي ) .

وقد اختلف العلماء في جواز تعدد الأحزاب في الدولة المسلمة ، بين معارض وموافق ، وهذه حجج المعارضين :

1 ـ  لم تذكر الأحزاب في النصوص الشرعية إلا مقترنة بالذم والوعيد . ولم يشر إلى جماعة المسلمين إلا بصيغة المفرد (حزب الله ) انظر الآيات ( الأنعام 159ـ الروم 31،32ـ آل عمران 103 ـ الأنفال 46 ـ الشورى 13 ) ، ومن السنة : الجماعة رحمة والفرقة عذاب ( أحمد 4/278)، وعليكم بالجماعة وإياكم والفرقة (أحمد (4/ 278) وغيرها كثير .

2 ــ معقد الولاء والبراء هو الإسلام لاغير ، (المائدة 55ــ التوبة 71) ، فلايعقد الولاء والبراء على مادون الكتاب والسنة .

3 ــ النهي عن طلب الإمارة ، وتعدد الأحزاب يقوم على طلب الإمارة .

4 ــ النهي عن تزكية النفس والطعن في الآخرين ( فلا تزكوا أنفسكم ) ، ( ولاتلمزوا أنفسكم ) .وهي من قواعد التنافس الحزبي .

5 ــ طاعة الأئمة في غير معصية ، والنهي عن منازعتهم ، وحرمة الخروج عليهم .

6 ــ التحزب على ثلاث فئات :

أ ـ على أصول كلية بدعية تخالف الأصول الثابتة في الكتاب والسنة وهذه ضـلال .

ب ـ على اجتهادات فقهية ، والأصل هو منع التحزب ، ورد الخلافات إلى الكتاب والسنة .

ج ـ على أمور تتعلق بالتدبير مماتركته الشريعة عفواً للأمة ، ولايجوز أن يتحزب الناس على أساسه ، بل يتعين النزول على رأي الجماعة .

7 ــ انعدام السوابق التاريخية ، وهذا إجماع من الأمة على ترك التحزب .

8 ــ خطأ القياس على الأحزاب العلمانية ، فالتعدد عند المسلمين يفضي إلى الهرج والفتن لأنه قائم على الدين .

10ــ فشل التجارب الحزبية المعاصرة في أغلب البلدان الإسلامية .

أما أنصار التعددية السياسية في الدولة المسلمة فقد ردوا على حجج المعارضين ، ثم قدموا حججهم وهي :

1 ـ السياسة الشرعية : فكل مايقرب الناس إلى الصلاح ويبعدهم عن الفساد ،ويوافق الشرع مثل حرق علي رضي الله عنه للزنادقة ، وحرق عثمان للمصاحف ، وعلى هذا فإن تدبير شئون الحكم وتمكين الأمة من ممارسة حقها في السلطة من مسائل السياسة الشرعية . خاصة وقد رق دين بعض الحكام ، ومست الحاجة إلى رقابة شعبية منظمة تأطرهم على الحق .

2 ـ الأصل في العقود والمعاملات الإباحـة حتى يأتي مايدل على التحريم : وقد انتصر له ابن تيمية في الفتاوى (29/126ـ 180) .

3 ـ مالايتم الواجب إلا به فهو واجب : فالشورى من قواعد الشريعة الكلية ، والسبيل الأرشد الأصلي لتحقيقها هو التعددية السياسية . والرقابة على السلطة حق أصيل للأمة وهذه الرقابة تقتضي تكتلات شعبية لأن المعارضة الفردية لاجدوى لها أمام جبروت الطغاة . وأحاديث الحسبة فيها صيغة الخطاب للمجموع لا للفرد .

4 ـ قاعدة الذرائع والنظر إلى المآلات : فالطريق إلى الحرام حرام ، وما لايتم الواجب إلا به فهو واجب . والخلاف موجود وقد اختلف الصحابة رضوان الله عليهم ، والتعددية أمر قائم في الواقع ، ووجود التعددية يحقق مقصود الشارع في قطع الذريعة إلى الفتن ، والتعددية أفضل من المعارضة السرية ،ثم الانقلابات العسكرية فالدماء ، والتعددية ذريعة إلى منع الاستبداد والثورات.

5 ـ صيانة الحريات والحقوق العامة ، وهذه التكتلات الشعبية تحمي الفرد من عسف السلطة وجور الحكام .

6 ـ البدائل المعاصرة : وعندما لانقبل بالتعددية فالبديل هو الأنظمة الفردية والحزب الواحد .

والخلاصة مايقوله ابن تيمية يرحمه الله ( وأما رأس الحزب فإنه رأس الطائفة التي تتحزب ، أي تصير حزباً ، فإن كانوا مجتمعين على ما أمر به الله ورسوله ، من غير زيادة ولانقصان ، فهم مؤمنون ، لهم ما لهم وعليهم ماعليهم ، (جامع الرسائل والمسائل لابن تيمية 1/152).

على أن التنافس لايكون على الإمامة العظمى ، وإنما على وزارة التفويض ، ويبقى الإمام رمزاً للوحدة الشعبية . وقبول المذاهب الفقهية يؤدي إلى قبول المذاهب السياسية لمصلحة الأمة . والاتفاق على الأصول الكلية والاجتماع على الإمام الأعظم كرمز لوحدة الأمة ؛ لايعتبر تشرذماً وتفرقاً .

حــدود التعدديــة الســياسـية  

        وكذلك اختلف المفكرون والدعاة في مدى قبول التعددية بين تعددية مطلقة وتعددية مقيدة .

1 ـ ترى حركة الاتجاه الإسلامي في تونس ممثلة برئيسها الأستاذ راشد الغنوشي جواز التعددية المطلقة : أي السماح للأحزاب الشيوعية في الدولة المسلمة يقول الغنوشي ( نحن لانعارض البتة أن يقوم في البلاد أي اتجاه بمافيه الحزب الشيوعي ) ومن حججهم أن المذهبية الإسلامية استوعبت المجوس وعبدة الأصنام واليهود والنصارى . وجمهور المفكرين المسلمين يرفضون هذه التعددية المطلقة .

2 ـ يقول معظم أنصار التعددية في الدولة المسلمة بالتعددية المقيدة بهذه القيود :

1 ـ الالتزام بالأصول الكلية الثابتة في الإسلام ( العقيدة والكتاب والسنة ) .

2 ـ الالتزام بحق الأمة ومصالحهاالعامة ، فالنائب في مجلس النواب يمثل الأمة ، وليس الحزب.

3 ـ طاعة الإمام صمام أمن للكافة ، ولاينازع الإمام لأنه رمز لوحدة الأمـة .

 4 ـ تتكون السلطات في إطار التعددية على النحو التالي :

أـ الإمام الأعظم المنتخب من قبل أهل الحل والعقد في الأمة ، وهو رمز الوحدة ، وصمام الأمن للجميع .

ب ـ مجلس الشورى المنتخب من قبل الأحزاب جميعاً .

ج ـ الوزارة يشكلها حزب الأغلبية في مجلس الشورى .

د ـ وتلتزم المعارضة في النظام الإسلامي بمايلي :

1 ـ تدعو إلى اجتهاداتها السياسية عبر القنوات النظامية التي أباحها الدستور .

2 ـ تلتزم بطاعة السلطة القائمة . وتدعمها فيما يتعلق بالإطار العام المشترك ، فيما فيه مصلحة الأمة .

3 ـ تتجنب الالتزام الحزبي ، فالمعارضة حسبة وليست حرفة ، وعليها الالتزام بآداب الحســبة ( لاكذب ، لاتجسس ، وعدم إساءة الظن بالآخرين ..).

خاتـــمة الكتــــاب

التعددية فكرة غربية ، لاتمنع أصول الدين من الأخذ بها ، في ظل الالتزام بالإطار الإسلامي ، ومن مبرراتها أنها مدارس للشعوب تعمق فيهم الوعي السياسي ، وعنصر استقرار للحياة السياسية بدلاً من العنف ، والثورات الشعبية أو الانقلابات العسكرية ، لأن التعددية معارضة علنية ، وهي أفضل من المعارضة السرية . ولها سلبيات كالتشرذم ، والتعصب الحزبي المذموم ،والتنازع بين الأحزاب .

 وأخيراً اللهم اجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه .

والحمد لله رب العالمين