لقاء مع حاتم الأصم
يكلمني بلغة الإشارة ، وهو يبدي إعجابه ،يقول لي بلغته الخاصة ، إني أقرأ ما تكتبه على صفحاتك ، كنت أصغي لحديثه باهتمام ، كنت أحاول جاهدا تفسير حركاته لأفهم خلد أفكاره ، فأحدنا تنقصه قراءة لغة الإشارة بالكثير نقرأ مفاتيحها ، كأننا في مرحلة اكتشاف الأصوات ومرحلة التدرب على القراءة .
مع كل حركة كنت أراقب خفة حركة يديه ، أحاول تفسير معانيها ، أتفصح همهمة فمه وهي ترسل برقيات مشفرة ، كنت أتفحص تعابير ملامح وجهه المشرق ، التي كانت أحيانا ترافقها أصوات حادة مرتفعة ، تتغير فيها ملامح الوجه ، كأنه يبلغني رسائل مخفية تحمل كل رسالة ، قلقا خفيا، تعيشه هذه الفئة في صمت ، بل تنقل أحاسيس حزينة يعيشها هو وأمثاله ، تحمل تلك الزفرات رسائل تشكو قلة الاهتمام والترك ، تشكو عزلة مضروبة حرمت أمثاله الاندماج في الوسط الاجتماعي ، فتلك العزلة حرمته وحرمت أمثاله حق التكيف الطبيعي .
كنت معه أعيش أنسه وأحزانه ، كنت أحس في داخلي مرارة وقساوة الأيام التي يحياها هؤلاء في ظل الصدود ، هي الدقيقات القليلة جعلتني أكتشف عالما مجهولا عن أمثالي ، اكتشفت عالما مخفيا يحوي الجمال وخفة الظل ، اكتشفت عواطف راقية يتملكها هؤلاء، عواطف قد نعدمها في عالم الأشخاص العاديين من البشر ، اكتشفت رجاحة عقل حي ّ، ونظارات تفكير حادق ، ينم عن نبوغ ونضج يخفيه عالمنا المغلق عن عالم هؤلاء .
فقلت والألم يعصرني : من يهتم بهذه الشريحة الحية من المجتمع ؟!
فلت : إن تصنيفهم في خانة ذوي الحاجات عند البعض، فيه إجحاف كبير لحقهم ، والحقيقة أن بعضنا من ذوي الحاجات ونحن لا ندري! .
قلت في ألم : يا صديقي لك مني أسمى معاني التقدير والاحترام لشخصك .
يا صديقي على الواقع أن يتغير .. وعلى الآباء والأمهات أن يصغوا لهذه الفئة من المجتمع .. وعلى المدارس أن تفتح أبوابها لهم فتربي وتعلم هذه الفئات من أبنائنا ، وعلى مراكز الأبحاث أن تعد الدراسات والبحوث لتجد الحلول لمشاكلهم . وعلى المجتمع أن يرسل باقات الأمل .. فيزرع في النفوس الأمل الغائب ..ويرسم الأمل القادم .. فأماني هؤلاء بصيص أمل .. أن يبدعوا .. أن يندمجوا .. وأن يتعلموا .. حلمهم ومناهم حياة كريمة في مجتمع يحيا فيه الجميع في سلام .
وسوم: العدد 1083