بانوراما

عصام الدين محمد أحمد

استجداء الذكريات صعب ،يتعاقب الزمن؛يتشامخ الطود:

تتدثر الأرض رداء الأسمنت الخشن،تنعى ثوبها الفضافض.أبتر الحوار/الخوار ؛ أردف المديتة ركضاَ ؛ أنقب عن الأخضــرار،تنفـــــــرج ساقا ى،تتكاتف الدكاكين والمقاهى،تتيه أغبرة العلافة وأغبرة(البوارى)،تتقاذف السيارات ،أفزع الأصطدام ،تنده العجوز: -          ولدى .

تستغيث متبرمة : -          وليدى .

أنتبه مجيراَ : -          نعم .

تأمر بعنت الشيخوخة : -          اعبر بى إلى الناحية الثانية .

أحف يدها المعروقة ،يلسعنى نبضها المتدافق ،أشير للمركبات بالتوقف ؛تتعثر فى ذيل (بردتها)المنسولة ،أهم باحتوائها خشية السقوط ،تتراجع ؛تتذمر؛تدمدم متناجية :

-          تركونى وحيدة ؛يكنزون الصيت ،بنوا دوراَ غير الدار؛ وفى الزحام داست الأقدام صورتى .

أستودعها الرصيف ؛أهرب متئداَ، تطّرد سرعتى ،تزكمنى المفردات المستنسخة؛ مقاعد البلاستيك المصفوفة،شوايات الفراخ الزجاجية ،ماكينات تصوير الأوراق،فترينات السندوتشات، كوانين فحم الكباب حرارية الطوب،كراتين البطاطس ،طاولات الخبز الآلى،ثلاجات المياه الغازية ،أقر فى بلاهة:

-          ضللت المسيرة .  أستطرد حائراَ:

-          عشر سنين تشقلب الحال !

يبللنى العرق، تتحجر عيناى، تسطو الأبنية على مواطن الكلأ، تنزوى (الجواليص) الطينية خلف العلب الصخرية ، أركل (الخِلوة)،تأست نظراتى لرفات تاريخها،عجنت الدمامل صفحة الوجه،لم أكتشفها إلا بعد مطالعتى الشارة ،حتى نقطة المرور أندثرت،تتجاذبنى المتناقضات،يهمد جسدى فوق المقعد،أطلب كوب جنزبيل،أتصفح وجوه الرواد،أبتلعت سحابة الأدخنة سماء المقهى،تتربع خلف طاولة الحساب هيئة أعرف صاحبها،أجاهد الذاكرةلأسترجاع الاسم، يفرغ المشروب الحريف،تبتهج مغنية الأذاعة:

-          بسبوسة . أصيح فى سريرتى:

-          بائع البسبوسة .

{ يتربع على كرسيه أمام مقام سيدى عبد الله ،يزيط المولد،تزين عربته صوانى البسبوسة والهريسة، ينفخ أبو شوال من فيه ناراَ متأججة، يغالى فى بيعه،حلوته جميلة، يثقب أبو سيخ حديد شدقيه،يترنم الحضور همهمات المدد،أقرضه (بريزة)،يلف مكعب بسبوسة فى ورقة كتاب لامعة،يترنح حامل البيرق نشوان، تحيطه ثلة المريدين ،تتفرق الخلائق ،تنطرح أسفل عباءة المقام ،ياثم أصحاب الحاجات العتبات، يهلمقتنص العهود رافلاَ،لزجت الأرض بالدموع،أتجنب عربته المنيرة بالكلوب تعيسا ،فلن أقصدها إلا العام القادم ،مسبحة عملاقة تلف جيدهم .}

أودع يد النادل الحساب وزيادة ،أحن إلى مسجد(الأمير حسن)الشرقى،أتوسط صحن الجامع ،أسترطب القعود على البلاط ،تنفرط حبات مسبحتى :

 { يشق أبى طريقه ،أتبعه كظله ،يربت على ظهرى ،يلج غرفة (الحمامصى) الملحقة بالمسجد،يسامر قاطنى الصومعة ،يرسم شجرة مورقة ،تظلل بقرة حلوباَ ،يبدع قرص عباد الشمس ،أقلده ، يهدينى قمع (الجلاب) ،ألهو أسفل شجرة الصفصاف الباسقة فى المدخل،أحاكى زقزقة العصافير، تىوقنى الأرض اللزجة، يقشر (الحمامصى) كومة البيض المسلوق، يزقزقنى نتف البيض، ينهض المصلون، يلقى أبى درس المغرب،يدفئنى حجره، تتكاثر الأيادى الحانية.}

ألملم حبات المسبحة،أعبر العتبة آبقاَ ،يواجهنى عم (رشاد كوشة) السباك،يتفرس تجاعيدى، يهنس:

-          رحم الله الشيخ . يسأل :

-          أمازلت بالسوق ؟

-          أأصبحت تاجراَ كبيرا ؟

أجيب وفى القلب غصة : -          الدنيا ترمينا يمينا ويسارا ،والأسواق تأكل أبداننا .

يحضننى ، أتلمظ الفتات : { يلتهم أبنه درجات السلم ، يشيع موت أبيه ،يدمع أبى ، يتسربل الجبة والقفطان ،أصاحبه ،ينسل من الزحام ،يرتل القرآن ، يتهته الميت ، تنزوى الإغفاءة ،تشرق شمس أبى .}

يقرص أذنى مداعباَ ، أبتسم ساخراَ : -          نعمت يداك .

يقهقه مجيباَ : -          رحل الحديد الزهر ،استوطنت مواسير البلاستيك .

أقفل راجعا ، تستنكرنى العيون ،آوى إلى البيت ، حزمت حقيبة الرفات ،صفير قطار الرحلة المرتبك يصم أذنى .

تمت بحمد الله

وسوم: العدد 681