تحرش
ها هى تداعبنى ؛تمازحنى الشراب ،شفطة بشفطة ،جسدها ينبوع الرجرجة ،أمسكت بتلابيبه ،تشتمنى ،لا أدعها تفلت ، وأيضا لم تحاول الهروب ،يداى تعبثان ،أقصد ؛تتحسان تكور الخلايا ،وجنتاها حمراوان ،حتى لا تحرقنى أنفاسى أصيح :
- أين الزجاجة واللذاذة ؟
أبحث فى الصينية ،النارجيلة تفترش قاعها ،حول بالونتها أحجار الفخار ؛فارغة من المعسل ،وعلى يمين الصينية موقد الفحم والزجاجة :
- ها أنا وجدتها يا نيوتن يا معتوه .
- خذ بقاَ.مازال عرق البلح لاسعاَ، بوادر التنميل تتسلل إلى دواخلى ، تشع جاذبيتها ،تعجن تضاريسها الرغبة :
- دع يديك تغوصان فى اللحم الطرى .
- لا تغمض عينيك فالزجاجة مليئة ،والفحم يطقطق ،سلة المتعة مكتظة بالثمار .تتفلسف :
-المتعة هى الشعور بالراحة .كأس ثان ،عنكبوت التوهان يفرد شبكته ،أتثاءب ،أحك عينى اليسرى :
- خير ؛اللهم أجعله خيراَ.
تقبض على مبسم الشيشة بأنامل يدك اليمنى :
- آه..أنت الحجر والبحر والدوامة.
اللوحة العبثية تتماهى :
{ أقعد على طرف مصطبة الطوب والتبن والماء ؛ربما يجف عرقى ،وتخمد أنفاسى الشوبية ،أتربة الشارع ساخنة كالجير المطفأ تواَ،العرق يكوى لسانى ،الحلقوم شرقان ،هسيس ينسرب :
- فز من مكانك ؛وادلف خلفها إلى بيت منزو ،لتقف فوق عتبة سلم الدور الثانى ،لتدنو منها ،لترتوى لثماَ ،ولتفتح ماجدة الباب ؛رقبتها كوز عسل ،بشرتها الحليبية متماسة كالرغيف الشمسى المختمر قبل نضجه ، لتلتهماك ،لتسب ركبتاك .تقطعك شواهد الدروب ؛رجال ونساء ودواب ولحود عفة متكركبة خلف الأبواب ،يفترش الجريد شارع القفاصين ؛أمام كل باب قرمة ،يقرفص خلفها ولد ،بيده جريد ومكسر ،وفى الزوايا نساء تنظف الجريد من السل والزعف ،المنازل على يمين الشارع ،تداخل مع سور كنيسة أبى سيفين ،والجانب الثانى حافة جحريدة ،تهبط لأكثر من مائتين وخمسين قدماَ ،لتحاذى مدخل معبد فرعونى ،تتربعه عروس ،وجهها مدور ومزوق بالاحمر والابيض ؛ميريت آمون مغنية الغروب ،جسدها مدبلج ورائق الأنوثة ،محظية الفرعون رمسيس الثانى ،تغنى كل مساء جوار مخدعه ،تسكب له الخمر ، يسكرها ريقه ،ألهمته هندسة البربات ،مئات الرسامين يرسمون على الجدر الخيل والجند والنار ،فوهنت جحافل الأعادى ،وولت الدبر ،دوما كاملة الزينة وكأنها تعد نفسها لغواية فيالق الجيوش .}
منقوع الملاطيش فقد سحره ،فاحت الحصيرة برائحة العطن ،مياه النارجيلة رمادية ،تتعرى راقصة ،ينفث الجسد المرمرى عبقه ،أتطوح فى ذاتى ،تتراكم التهيؤات ،يتخللنى اللامعقول ،يسمو بها الرقص ؛فى جيدها عنقود الهوى ،تدور بك الحجرة ،الجمرات لا تتقد ،الشيشة معطلة عن الأدخنة ،فأنت ــ الآن ــ على الأرض ،يهتز فراغ الغرفة متماوجاَ مع إيقاع الرقص ،السقف يواجهك بتكشيرته ،عصابة جبينه الكالحة ترهبك ،بالسقف أشلاء منثورة ،عيونها منزوعة الأجفان ،تسكن نوبة الرقص ،تنكفئ فى هدومها المتكومة ،أنطوى كالتاريخ :
- لا أظن أن الوقت ملائم للتدبر .
- فكل ما يهمنى الآن هو الخلاص من وضعى المقلوب .
- امسك معى بحدود الغرفة لنقلبها ؛ الأشلاء تتهولم .
- جرب أنت رفع الحوائط لأعلى . هيلا..هوب .-
- أتهرب ؟يداى لا تملكان الجدار ،أحاول ثانية ،يرتعش صوتها الخافت :-لماذا سعيت لغوايتى ؟- ما أنا موبوءة حتى تتخاذل !- لا يروى العطشى سوى الماء ،وأنا الماء.تهاجمنى الجدر ،لا يفيد الخدر ،نبراتها تتصادم :
- مزق قناعك ،فاللحظة متعة ،أسفل سروايلى عبقرية السر،لماذا لم تعترف قبلاَ بضعفك ؟
{ آه اللعنة ،لاتجيد اللعب يا خائب ، قالتها ناير داخل حوائط المندرة ،طابور جالسى القرفصاء ملضوم كعقد أم صابر؛حبة فول ؛حبة خرز ؛حبة قمح ؛(بزقة) بصل ؛كعب بوص؛وكرة طين ،الجلابيب تحف البلاط ،يختفى فى باطن يدى عود قصب قصير ،أدسه أسفل أحد الجالسين ، الولد (صابر) يقول أن العود مختبئاَ أسفل البنت رقم ثلاثة ،تخمينه خطأ ،يتبادل الدور مع أحد القاعدين ،وبعد أعوام لا أدرى عددها تسر لى ناير :
- لعب ( زقزيق ) الحمام لم يكن ــ كما تظن ــ بريئاَ ،بل عبثت الأيادى بالمخفى من الجسم .يتشظى السقف ، الاشلاء تتراشقنى ،فرغت زجاجة الجعة ، أرتدف كتلة أسمنتية منهارة ،تقذف عيناها سهاماَ مشتعلة ،أجوب المدينة ،تهاجمنى القذائف وأنا طائر ،ألف سبع لفات .}
أخيراَ أنتبه لهزاتها المتتالية ، تسأل :-ما لك ..سرحان فى أيه ؟المكاتب فارغة إلا من ثلاث زملاء ،تعطينى بيانات الحالة الوظيفية التى طلبتها ،أنهض مغادراَالغرفة ،أنسى تحرشى بها ،وتدفعنى الحيرة لقراءة مذكرات التسويات اللامنطقية ،وقبل أن يأزف الأنصراف تجدنى أعبر الشارع.
تمت بحمد الله
وسوم: العدد 696