‏التكنولوجيا التي فضحتنا!!

فضحتنا التكنولوجيا، وكشفت عنا المستور في أوجه عديدة وصور مختلفة. ومع التقدم السريع والتطور المتسارع في عالم التكنولوجيا والاتصالات، تتوسع الهوة التقنية بيننا نحن العرب وبين العالم المتطور. ومع أننا لا نعدو أن نكون مستهلكين لا نكاد نتقن حتى الاستخدام فإن كثير منا يتباهى بامتلاكه جهازا متقدما عوض أن يشعر بالأسى على تخلفنا وعجزنا عن الاختراع. 

نتباهى بقدراتنا الالكترونية وخدماتنا المتطورة فيما نحن في واقع الحال تحت "الانتداب الالكتروني" لا نملك من أمرنا الإلكتروني شيئا أو نكاد. وبعد ذلك يأتيك من يريد أن يقيم دولة الخلافة ويحارب العالم ويشن عليه حربا لا هوادة فيها مستخدما تقنيات ذلك العالم "الكافر" والذي يحصي عليه أنفاسه وقد اخترق بقدراته العلمية والتقنية الاسرار وهتك الأستار.

ومع توفر التطبيقات ووسائل التواصل الاجتماعي تبدت عوراتنا الاجتماعية وضحالتنا الثقافية، فنحن أفراد وناشطون ومثقفون في المجمل –مع استثناءات معتبرة- نعشق التباهي والتفاخر ونهيم في الغرور وسلوكيات الطاووس. نتبرع بكشف أسرارنا الخاصة والحديث عن قدراتنا الشخصية والعامة دون أن يسألنا عنها أحد. كم كشف الفيس بوك عوراتنا وكم أظهر الكثير من حقائقنا المؤلمة. فهذا رجل قروي مثقف أهله يتعرضون لقصف متواصل، يخرج علينا بصور حفل زفاف مترف، وغيره يشاطرنا أسراره الاجتماعية ويخبرنا بطبيعة علاقاته الزوجية تلميحا أو تصريحا. وذاك الذي يتباهى بتفوق ولده بالجامعة ووضع اسمه على قائمة العميد –مبررا ذلك بأنه من قبيل التحدث بنعمة الله- رغم أنه يفترض به ناشطا وسياسيا في ثورة يعاني أبناء شعبها من تشرد وانقطاع في التعليم وبالرغم من أن مدينته تعرضت للتدمير وأهلها فيها أصابهم التهجير.

أما التطبيقات وعلى الأخص الواتس أب فهي قصة أخرى. تتوالى عليك الرسائل بالليل النهار وتتنوع وأحيانا من نفس الشخص من مواعظ وتذكير بالموت إلى نكات مبتذلة ولقطات مصورة غير محتشمة وكأن الهدف هو إرسال أكبر عدد من الرسائل وكأننا في سباق. أصبح شغل الكثيرين وضمن برامجهم اليومية مسح الصور والأفلام والتي تصلهم كالطوفان. تصلك عشرات الرسائل من مجموعات وأفراد فمن أين لك أن تجد الوقت للقراءة والمتابعة؟؟ وإذا دققت بكثير من القصص والمواعظ والأفلام ووضعتها تحت مجهر النقد والمتابعة لوجدتها مفبركة وغير حقيقية وتجافي العقل وتخالف المنطق. وإذا كان الله سبحانه وتعالى قد نهانا عن اللغو في الدنيا وجعل عدم سماع اللغو في الآخرة من ميزات الجنة، فهل نستطيع أن نجد وصفا غير اللغو لتلك الرسائل التي يبعث بها كثيرون؟

لماذا نستقبل نفس الخبر عشرات المرات في اليوم وجميعنا يستطيع الحصول على الخبر الموثق بأي لحظة من خلال مواقع إخبارية موثوقة على النت. على الذين يرسلون مواعظ دينية دون تمحيص ويغرفون الناس بالنصائح أن يعلموا أنهم أحيانا قد يسيئون من حيث يظنون أنهم يحسنون. فلا بد من تمحيص المعلومة دينية كانت أو دنيوية قبل إرسالها، وإلا وقعنا تحت خانة بحسب المرء كذبا أن يحدث بما سمع (وهنا أن يرسل كل ما يصل إليه). الرسول صلى الله عليه وسلم كان يتخول المسلمين الموعظة ويعظهم بين الحين والآخر حتى لا يسأموا ويملوا، فما بال أقوام يرسلون مواعظ متواصلة وعديدة في أوقات جد متقاربة!!

وإذا كان السفر يسفر عن أخلاق الناس فإن التقنية كشفت خبايانا وأمراضنا وسطحية ثقافتنا واندفاعنا وسعة أوقات الفراغ التي نملكها ومع ذلك نقصر في حقوق الله والعباد بحجة الانشغال وضيق الأوقات!!!

وسوم: العدد 780