أيهما الأهم وحدة العراق أم اغتيال سليماني؟
يبدو أن تداعيات الصراع بين واشنطن وطهران في العراق، بعد عملية استهداف موكب الجنرال قاسم سليماني، التابع للحرس الثوري الإيراني قرب مطار بغداد الدولي، والسياقات السياسية والإعلامية التي دخلت على خطوط المواجهة العسكرية بين هاتين القوتين الاستعماريتين، اللتين تحتلان العراق، اكتسبت أبعادا خطيرة على مستقبل العراق، المغلوب على أمره، الذي يمكن اعتباره بالمفهوم اللغوي والديني على حد سواء، الضحية التي يراد تقديمها لدونالد ترامب، وعلي خامنئي ككبش فداء، ردا على عملية مقتل سليماني، واقتحام المليشيات الإيرانية لمقر السفارة الأمريكية في بغداد.
في الوقت الذي تستمر فيه انتفاضة الآلاف من العراقيين، وصوتهم الوطني الرافض جعل العراق ساحة لتصفية الحسابات لأمور ليس للعراقيين فيها ناقة ولا جمل. وبغياب واضح للتصريحات الرسمية، المنقسمة بين هذا الطرف أو ذاك، التي قد تفسح المجال وتفتح الأبواب على مصراعيها لإعادة انتشار وتموضع المليشيات الموالية لإيران.
من يفهم استراتيجية إيران، الهادفة إلى احتلال العراق، والمجيء برئيس حكومة عراقية موال لها، يفهم الأسباب التي دفعت بالجنرال الإيراني قاسم سليماني، لجعل العراق ساحة للمليشيات، وتحويله ساحة للصراعات الإقليمية والنزاعات الطائفية بين العراقيين أنفسهم. ومن يفهم أسباب تواجد الجنرال الإيراني قاسم سليماني المستمر، على الرغم من القضاء على «تنظيم الدولة»، يرى جيدا مدى حجم إصراره على التدخل في عملية تشكيل الحكومة العراقية الجديدة، وإلزامها برفض العقوبات الأمريكية على إيران، وإبقاء المصارف العراقية والأسواق العراقية في خدمة المصالح الإيرانية، وعلى حساب مصلحة العراقيين وحقوقهم في التمتع بثرواتهم الطبيعية. ومن يفهم أسباب إصرار الجنرال الإيراني على اختيار الحكومة العراقية، التي رفضها العراقيون في ساحة التحرير في بغداد ومدن العراق، يفهم ويرى بوضوح من هو المسؤول عن العنف، الذي أدى إلى مقتل أكثر من 408 من المتظاهرين العزل من المحتجين على تدخل إيران في أمور البلاد، وفق إحصاء أوردته وكالة رويترز. في الوقت الذي يعيش العراق، منذ الأول من أكتوبر/تشرين الأول، أكبر تحدٍّ على الإطلاق، على وقع انطلاق الاحتجاجات الحاشدة في بغداد وجنوب البلاد، المطالبة بطرد الأحزاب التابعة لإيران، ورفض التبعية والفساد، وتحسين الأوضاع المعيشية، ومحاسبة قاسم سليماني المسؤول عن تدبير قمع المظاهرات، التي شهدها العديد من المدن العراقية في الشهور الماضية.
لا شك في أن عملية اغتيال الجنرال الإيراني في العراق، تدخل ضمن السياق العسكري الاستعماري الذي اختارته الولايات المتحدة في سياستها، التي بدأت في 2003 في احتلالها للعراق، وإسقاطها لنظام صدام حسين. ولا شك أيضا في أن أهمية عملية اغتيال الجنرال الإيراني تدخل بدورها ضمن هذا السياق نفسه، إذا ما أخدنا بعين الاعتبار طبيعة المهمة الملقاة على عاتق قائد فيلق الحرس الإيراني، والمتمثلة في بسط نفوذ إيران الاستعماري، من خلال مشروعها الديني الفارسي المغطى بعباءة الدين السياسي الطائفي. قد لا يفهم البعض من العراقيين المضللين، أن صراع إيران على أرض العراق، الذي ترجمته عملية اغتيال المسؤول العسكري، هو نهاية للمشروع الفارسي، الهادف إلى احتلال العراق، الذي مازال يرتبط بأحلام مشروع إعادة الإمبراطورية الفارسية، التي ماتت بموت سليماني، ولم تمت بعد في عقول القادة الإيرانيين. من هنا ترجمت مشاهد التشييع من قبل البعض للقائد العسكري الإيراني في العراق، الذي لطخت يداه بدماء العراقيين في بغداد والناصرية والنجف، ومُنفذ مشروع إيران في العراق، عن مدى غياب الحس الوطني لأحزاب الدين السياسي، وحقيقة تبعيتها للمشروع الإيراني. وهنا لابد من التأكيد على أن لإيران الأولوية الأخلاقية والقومية في تشييع أبطالها، فعلى الرغم من كونه قائدا لمشروع الولي الفقيه علي خامنئي، لم يكن أكثر من جندي وقائد مستعمر لبلاد الرافدين في نظر العراقيين.
يبقى السؤال هو، أيهما الأهم بالنسبة للعراقيين: تداعيات اغتيال قاسم سليماني المدافع عن الإمبراطورية الإيرانية؟ أم مستقبل العراق بشيعته وسنته وكرده الذي ورثته الأجيال، ومحاولة إيران وأمريكا سرقته في عز النهار؟
وسوم: العدد 858