بين الفقه الذرائعي وبين فقه سد الذرائع
أحاول جهدي أن أقصر من وجودي على المجموعات العامة، التي يضطرب عليها الحديث والمتحدثون.
ومع غبطتي في كثير من الأحيان بما يكتب على تلك الصفحات من ثمرات للعقول، محرر ومنقول.. إلا أنني أعتقد أن واجب البيان الذي أخذه الله على من علم في تعليم من لم يعلم، يسبب حرجا حين تضطر لالتزام الصمت، إما لا تساع الخرق، أو لحرج الموقف، فما كل إنسان يملك أحدنا أن يقول له: قاف..
بل أنا شخصيا حين أجد بعض الأخوة العلماء يحضرون أو يحاضرون على صفحات مجموعة، ثم يتجاهلون أو يتغافلون عما يقرر عليها، تتحرك في نفسي اللائمة وأنا ارتل (لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ) تبين لمن كتب ولمن تابع وقرأ فظن وخال وحسب في الوقت نفسه..
ليس شغفا مني حين أكتب لكم في مرات متتابعة: قيل، والحق فيما قيل..
أقول عسى أن تبلغ كلمة الحق مستقرها، فأنفي الباطل أو الخطأ عن عقل وعن فهم…
ومررت هذا الصباح عرضا بعزيز يقرر: بأن في بعض فقه الفقهاء منهج ما يسمى الفقه الذرائعي..
ثم يضيف بأن الفقه الذرائعي يتبناه كثير من الايدولوجيين ومنهم الاخوان المسلمون
لا أريد أن أعلق على الشطر الثاني من القول، ولا على علاقة الايديولوحيات بالذرائعية طريقة ومنهجا.
الذي يهمني في المقام الأول: أن نميز بين الذرائعية الفلسفية والفكرية كطريقة ومنهج..
وبين أصل من أصول التشريع الإسلامي الذي يعتمده الأصوليون في مناهجهم وعنوانه "سد الذرائع"
وأن المتحدث حين نسب الذرائعية إلى مناهج الفقهاء كلا أو بعضا، فإنه قد نسب إليهم ما هم أشد براءة منه، وأشد حرصا على إغلاق أبوابه..
حتى قال الكثيرون: إن الفقهاء المسلمين -رحمهم الله تعالى- قد بالغوا في سد الذرائع، أي سد الطرق والوسائل التي يشتبه أو يحتمل أنها تفضي إلى محرم أو محظور؛ حتى ضيقوا كثيرا من أبواب المباحات..
أما الذرائعية المذمومة عندنا والمعتمدة في صلب السياسات العالمية، ولاسيما في عالم الأقوياء؛ والتي أشار إليها المتحدث، فهي تلك الفلسفة النفعية، البراغماتية، التي تبلورت في مدرسة فلسفية منذ القرن التاسع عشر والتي تعني:
إذا تعارضتك مبادؤك أو أفكارك أو أخلاقك مع مصالحك، فيجب أن تنحاز إلى مصالحك النفعية الآنية. لقد خـلقنا لنعيش، ولنغنم، وليس لنفكر ونتأمل. هكذا يقول مؤسسو الفلسفة النفعية، وكذا الذين ما زالوا حولنا يعتمدونها!!
بدأت طروحات هذه الفلسفة مع تشارلس بيرس منذ القرن التاسع عشر.
ثم وليم جيمس الذي طوّع الإيمان المسيحي للمنفعة،
ثم جيمس ديوي.
هذه الأفكار تسود اليوم عالم السياسة منذ قرنين عمليا. وهي مشتقة على نحو ما من أفكار ميكيافيلي حول الغاية والوسيلة..
من الإثم الكبير الاعتقاد بأن الاسلام أو أي فقيه مسلم يمكن أن يتبنى هذا!!
القاعدة الاسلامية الذهبية والركينة: إن الله لا يقبل من العمل إلا ما كان خالصا وسدادا.
خالصا بنية صاحبه. سدادا باكتسابه صفة المشروعية أي بأن يكون له أصل شرعي يحسنه فيأمر به أو يحض عليه أو يبيحه.
خطير الخلط بين سد الذرائع والذرائعية. وإثم نسبة الذرائعية إلى الفقه الإسلامي.
السؤال الأخطر حتى لا نكون من مدعي المثالية الكاذبة: هل يوجد مسلمون ذرائعيون؟؟
بالتأكيد نعم، وبالتأكيد ليس لأنهم يعتمدون على فقه إسلامي؛ بل لأنهم لا يبالون به..
وسوم: العدد 1076