وماذا عن الرهائن الفلسطينيين لدى الكيان؟

يخرج الرئيس الأمريكي بايدن بين الحين والآخر ليكرر تعاطفه الشديد مع الرهائن الذين بحوزة (حماس)، يتبعه مسؤولون من الاتحاد الأوروبي يعلنون تضامنهم الكامل مع مأساة الرهائن الذين بحوزة (حماس)، يخرج مسؤولون أمميون يطالبون بوقف الحرب والإفراج عن الرهائن الذين بحوزة (حماس)، سيمفونية متناغمة من البكاء والعويل والتنديد بوحشية (حماس)، وببراءة الحملان التي تحتجزهم.

قامت الدنيا ولم تقعد من أجل ما يزيد قليلًا عن 130 أسيرًا تحتجزهم المقاومة، يستشهد مثلهم أو ضعفهم كل يوم على مدار 8 أشهر جراء قصف الطائرات الصهيونية على غزة.

كل هذا ولم يطالب لا الصديق ولا العدو ولا المجتمع الدولي ولا منظمات حقوق إنسان بالإفراج عن الرهائن الفلسطينيين في سجون الاحتلال، وكأنهم سراب بينما هم يقتربون من 15 ألف أسير.

كثير من هؤلاء يمضي زهرة شبابه في غياهب السجون لأنه كتب منشورًا من سطرين على وسائل التواصل الاجتماعي ينتقد فيه وحشية الاحتلال، أو يتضامن مع أبناء شعبه وأقاربه الذين تقتلهم حكومة تل أبيب كل صباح، أو أنه لم يهاجم الاحتلال ولكن انتقد الصمت الدولي الذي تعامل مع مسألة سحل الفلسطيني وطرده من منزله وأن قتله هي مسألة روتينية لا تحتاج أكثر من عبارة تضامنية في نهاية أي بيان عريض مكتظ بالإدانات للمقاومة، يطالب فيها إسرائيل بضبط النفس أو التحقيق في اعتقال هذه العائلة الفلسطينية أو تلك أو حتى إفنائها.

وقد يكون هذا الأسير مجرد رهينة لإجبار أبيه أو شقيقه على تسليم نفسه لسلطات الاحتلال، أو لأنه رفض أن يهجر من بيته ويسلمه لسكانه الجدد من المستوطنين، وقد يكون قاوم الاحتلال ومارس حقه المشروع طبقًا للقانون الدولي.

روتين إسرائيلي

ولك أن تتخيل أن شعبًا قوامه ما بين الخمسة أو ستة ملايين نسمة في الضفة الغربية وغزة اعتقلت إسرائيل منه أكثر من مليون شخص منذ عام 1967، بما يشير إلى أن خُمس الشعب الفلسطيني تعرض للاعتقال، بحسب بيانات رسمية للأمم المتحدة.

كما اعتقلت منذ “طوفان الأقصى” نحو 9 آلاف فلسطيني ربعهم أطفال ونساء، بحسب تقديرات نادي الأسير الفلسطيني، وذلك بخلاف آلاف آخرين غير مقدر عددهم أخفتهم قسريًا بعد اعتقالهم في غزة، وكثير منهم عثر عليهم مقتولين ومنكلًا بهم.

وفي حين أننا نجد بايدن يحلو له تكرار توجيه الاتهامات للمقاومة باغتصاب الأسيرات الصهاينة لديها وكأنها حقائق دون أن يقدم دليلًا واحدًا على ذلك، نجد في المقابل حقيقتين الأولى هي حسن المعاملة التي أبدتها المقاومة مع الأسرى الصهاينة، التي كشفت عنها تصريحات أغلب المفرج عنهم واعترافاتهم، وكشفت عنها أيضًا المشاهد التي بثتها المقاومة للتعامل معهم ومدى السعادة التي كانت تكسو وجوههم.

والحقيقة الأخرى هي ما يحدث في سجون الاحتلال وأماكن الاحتجاز الأخرى للأسرى الفلسطينيين من تعذيب وتنكيل، ومصدر القوة في هذه المعلومات أنها خرجت من مصادر إسرائيلية ذاتها، سواء عبر جنود التقطوا صورًا من قبيل التباهي بتعذيبهم ضحاياهم، أو أنها صور سربتها المخابرات الإسرائيلية لبث الرعب في شباب الشعب الفلسطيني.

بل وقامت وسائل إعلام إسرائيلية مثل صحيفة “هآرتس” بنشر جزء من تفاصيل هذه المسالخ التي تنصبها حكومتها للمعتقلين الفلسطينيين، التي تشمل الإجبار على الوقوف أو السجود أو الركوع لما يقرب من اليوم الكامل، والحرمان من النوم والطعام والماء، والتعريض للموسيقى الصاخبة، والصعق الكهربي، والحرمان من العلاج، وغيرها من الطرائق الوحشية للتعذيب، التي كثيرًا ما أفضت للموت.

رهائن لا سجناء

تحاول إسرائيل أن تضفي صفة الشرعية لسجنها الناشطين الفلسطينيين، بالادعاء بأنهم مخربين أو إرهابيين، وأنها تعرضهم على محاكم مختصة لتفصل في قضاياهم، في حين أنها واقعيًا تستخدم قانونًا عائدًا للحقبة الاستعمارية يعطي السلطة أو المتنفذين فيها الحق في اعتقال من شاءوا من الشعب الفلسطيني، دون تقديم أي مسوغات سوى التعلل بوجود تقارير استخباراتية سرية، وكثيرًا حتى دون إبداء أسباب أو لائحة اتهامات نهائيًا، وهو ما يعرف بالاعتقال الإداري.

والمشكلة ليست في أن إسرائيل تتعامل مع هذه الاعتقالات بوصفها إجراءات قانونية، ولكنها في الجهات الدولية المختصة بالعدالة التي لا تندد إلا على استحياء وكثيرًا ما تتماهى مع الأمر وكأنه أمر طبيعي، مع أن هذا النوع من الاعتقالات هو الأولى بإطلاق مصطلح الرهائن عليه وليس على هؤلاء الذين هم بيد المقاومة.

دعك الآن من أن الفلسطينيين هم أصحاب الأرض الأصليون في كل فلسطين التاريخية، وتوقف أمام أن غالبية المعتقلين الفلسطينيين هم من أبناء الضفة الغربية وغزة، وهي في الواقع مناطق يعترف العالم بأسره بأنها مناطق محتلة، وبالتالي فإن قيام الاحتلال باعتقال بعضًا من سكانها سيجعل منه قرصانًا وخاطفًا لهم، وسيجعل منهم الحق باعتبارهم رهائن.

هم رهائن لأنه لا يوجد شرعية للاحتلال على هذه الأراضي، وبالتالي تنتفي معه شرعية سجونه ومحاكمه وقوانينه، خاصة مع وجود حكومتين فلسطينيتين في رام الله وغزة هما الأولى بتمثيل الشعب الفلسطيني.

متى يتحرر العالم الغربي من ازدواجية مكاييله؟

وسوم: العدد 1082