أولوية المصالح الفرنسية في "الصحراء الغربية" على الاعتراف الصريح بمغربيتها
كتبتُ مؤخرا مقالا في موضوع ما سمي بالاعتراف الفرنسي بمغربية الصحراء تحت عنوان: "مغربية الصحراء بين مكر فرنسا وسفاهة السياسة المغربية"، من بين ما أشرت إليه فيه، هو أن هذا الاعتراف تُشتم منه رائحة الغموض الذي يُلمَس في إصرار الرئيس الفرنسي على استعمال اسم "الصحراء الغربية" عوض الصحراء المغربية، بالإضافة إلى رائحة المكر المتضمنة في إعلانه، من على منصة البرلمان، مساندته للصهاينة في إبادتهم للشعب الفلسطيني، التي عبَّر عنها دبلوماسيا بحق الدفاع عن النفس، ولعل هذا الموقف لا يحتاج إلى تذكير، لأنه معروف لدى الخاص والعام، وإنما يدل على أن الهدف من ورائه هو الإمعان في تعميق الخلاف بين الشعب المغربي، وممثليه في البرلمان، من خلال مساندتهم المذهلة لموقفه هذا عن طريق ذلك التفاعل غير المسبوق، الذي لم يحض به أي مسؤول من قبل، مع العلم أن هناك سوابق لهذا الخلاف، تجسدت في تمريرهم لمجموعة من القوانين ضدا على إرادة الشعب المغربي، من قبيل فرنسة التعليم، وتقنين زراعة القنب الهندي... على سبيل المثال لا الحصر.
ولعل تصريحات كل من وزيرة الثقافة الفرنسية رشيدة داتي، ورئيس مجلس المستشارين جرار لا رشي، أثناء الزيارة الأخيرة لكل منهما تِباعا للمغرب، تؤكد بما يدع مجالا للشك ما أشرت إليه في مقالي السابق، ذلك أنه لم يجرأ أحد منهما على النطق بكلمة الصحراء المغربية، بل قاما بالتأكيد على ما صرح به رئيسهم ماكرون من أن حاضر ومستقبل "الصحراء الغربية" لا يمكن أن يكون إلا في إطار السيادة المغربية، مع مبالغتهما في الإشادة بالعلاقات بين البلدين ووصفها بكونها مبنية على إرث تاريخي، وصداقة عميقة، كما كان ذلك جليا في خطاب لارشي. والسؤال هو: كيف أمكن له أن يجمع، لولا المكر والخداع، بين الإرث التاريخي الذي لم يكن سوى استعمارا واستغلالا من طرف واحد، وبين الصداقة العميقة التي يُفترض فيها التآزر والتآخي في السراء والضراء.
هذا من جهة، من جهة ثانية، فما المانع من استعمال اسم الصحراء المغربية، إذا كانت تصاريح كل من الرئيس ماكرون، ووزيرة الثقافة، ورئيس مجلس المستشارين تُعتبر اعترافا رسميا بمغربية الصحراء كما يتم الترويج له، ولعل هذا السؤال هو مربط الفرس كما يقال، ومحاولة الإجابة عليه تسمح بكشف مكر الساسة الفرنسيين، ذلك أنهم مكَّنوا فرنسا عبر هذا التصريح من الاستئثار بالأولوية في الاستفراد بجل المشاريع المادية الفوق والتحت أرضية في المغرب عموما وفي الصحراء على وجه الخصوص، بالإضافة إلى المشاريع المعنوية المتمثلة في سيطرة الثقافة الفرنسية على أهم المجالات الحياتية للمغاربة، لتعم سكان الصحراء المغربية الذين كانوا إلى عهد قريب في منأى عن عدواها. في المقابل نُسائل فرنسا عن موقفها في حالة عدم نجاح الاقتراح المغربي لا قدر الله في إرساء حل نهائي بصحرائنا، هل لها الاستعداد الكامل للدفاع عن موقفها مهما كلفها ذلك، كما هو الشأن بالنسبة لموقفها من العدو الصهيوني، بحيث على الرغم من موقفها "الإيجابي" من حل الدولتين، فإنها لم تتوان في مساندته بكل ما أوتيت من قوة، في الوقت الذي تأكد فيه إخلاله الواضح بهذا القرار الذي تبنته الأمم المتحدة وصادقت عليه أغلب دول العالم، بل أكثر من ذلك، على الرغم من إدانته باقتراف الإبادة الجماعية في حق الشعب الفلسطيني، فإن رئيسها يعلن اصطفافه معه من على منبر البرلمان المغربي دون خجل ولا حياء.
ختاما أقول، استنادا إلى "المبدأ" الذي يتبناه السياسيون عامة والغربيون خاصة " لا عداء دائم، ولا صداقة دائمة في السياسة، بل مصالح دائمة"، وانطلاقا من ملاحظة تعامل فرنسا مع مستعمراتها السابقة، وعلى رأسها المغرب، بأن لا صداقة ولا هم يحزنون، وإنما هي المصالح لا غير، ومن ثم فتشبث مسؤوليها باستعمال اسم "الصحراء الغربية" دليل قاطع على أنه في حالة انقلاب الموازين لصالح الطرف المعادي لمغربية الصحراء لا قدر الله، يبقى هذا الاسم بمثابة شعرة معاوية، أو لنقل بمثابة نافذة الإغاثة التي تسمح بإعادة ربط علاقات معه تُستغل للاحتفاظ بمصالحها في المنطقة، ولتذهب الصداقة الفرنسية المغربية إلى الجحيم، كما هو الشأن بالنسبة للعلاقة مع الجزائر.
خلاصة القول هو أن ما يهم فرنسا هو الاستئثار بخيرات هذه البلاد، والتحكم فيها بأي طريقة كانت، ولتكن بعد ذلك غربية أو مغربية لا يهم.
وسوم: العدد 1117