هل العلاقات الإنسانية ممكنة في زمن العولمة؟

هل العلاقات الإنسانية ممكنة

في زمن العولمة؟

حسن سلمان

[email protected]

إيقاع حياة سريع ,قيم اجتماعية متبدلة تنحو الى المزيد من الفردية وتقليص حيز الحياة الاجتماعية ،وما يستتبعه ذلك من تغير في الطباع وتكريس للغة المصالح.عناصر يراها البعض طارئة على الحياة البشرية في زمن العولمة ,في حين لا يرى فيها البعض الآخر سوى استمرارية لما سبق.فهل يمكن القول إن تغيرات جذرية طرأت على علاقاتنا الإنسانية في عصر العولمة ؟ أم أنها مجرد  مبالغات ومخاوف لا أساس لها؟

يرى الكاتب نجيب الشامسي أن لغة المصالح موجودة منذ نشأة المجتمعات البشرية,والعلاقات بالتالي محكومة باستمرار المنفعة المتبادلة," فكل شخص يحتاج الى الآخر وهذه الحاجة من شأنها أن تعزز العلاقات بين أفراد المجتمع".

وإذ يبدو الشامسي واقعيا لهذه الناحية,فهو لا ينسى في الوقت نفسه الإشارة الى تحولات بدأت تطرأ على المجتمعات العربية بفعل تنامي النزعة الاستهلاكية والمادية,"التي لم يواكبها تطور معنوي

و قيمي,وبالتالي فقدت لغة المصلحة الكثير من جانبها المضيء لتصبح لغة ميتة يمكن أن تسبب التنازل عن الكثير من القيم الأساسية".

المشكلة إذن ليست في المصلحة والتي يمكن أن تكون متعددة متجاوزة الجانب المادي وحده ,وهذا ما يسميه الكاتب بالمصلحة الوقتية التي تفقد العلاقة بين شخصين عاملا جوهريا وهو الثقة

"بالطبع لايمكن التعميم هنا ,لكن حين تتكرر تجارب المرء مع أشخاص تقربوا إليه أو قصدوه من أجل مصلحة آنية راهنة ثم تخلوا عنه بعد انتفاء المصلحة , فان هذا الشخص يفقد ثقته بالمجتمع برمته,وبالتالي فان سلوكيات النفق والمداهنة من أجل تحقيق مصلحة ما , سواء بين المواطنين أنفسهم أو بين المواطن والمسؤول

تصبح هي السائدة,ويبدأ المرء يعود نفسه على الاكتفاء بعالمه الضيق ,على الخضوع لمثل هذه التجارب غير المضمونة".

تناقضات

يرجع الفنان التشكيلي و الناقد الدكتور طلال معلا  الأمر الى واقع سوسيولوجي عربي ,"فالحياة المادية والاستهلاكية لها تراكماتها وتراثها في الحياة الأوروبية والغربية,أما المجتمعات العربية فقد انتقلت دفعة واحدة من الريف الى المدينة ",وما يستتبعه ذلك من صدمة قيمية لم نستطع استيعابها "ارتبطت القيم المادية باختلاف شكل المعمار الإنساني بصورة عامة ,فالعائلة التي كان أفرادها, من الجد الى الحفيد,يعيشون تحت سقف واحد فرقتها الحياة المعاصرة فما بالك بالمجتمع كله ؟".

ولا يحاول الدكتور معلا أن يدين أو يعتنق التحولات المعاصرة بقدر ما يسعى الى فهمها وتوصيفها ,فالقوانين القبلية تتراجع بنسب كبيرة "وأصبحنا نخضع لقوانين مدنية ,كما تنامت بالضرورة النزعات الفردية,وباتت علاقات الناس ببعضهم محكومة بالحذر

وربما فاد ذلك الأفراد الى علاقات متشنجة وفيها الكثير من المنفعة أحيانا".

وإذ يرى معلا أن المجتمعات العربية تمر بتحولات كبرى بفعل العولمة, التي من آثارها السلبية أنها تزيد من عزلة الأفراد, فانه يدعو الى "التعامل الصحيح مع هذه التحولات,انطلاقا من فهمها بدلا من مجرد انتقادها".

وهو أيضا ما تدعوا إليه وداد الشاعر,اختصاصية نفسية ,والتي تؤكد أولوية تفاعل البشر مع بعضهم كشرط لبناء أي مجتمع,لكنها تدعو أيضا الى عدم أحذ التحولات المعاصرة في الوعي الاجتماعي العربي,على أنها نهائية,متفائلة في إمكانية بناء مجتمعات متماسكة وقادرة في الوقت نفسه على التعامل مع التحولات,وذلك عن طريق الوحدات الاجتماعية الصغرى كالبيت والمدرسة وغيرهما.  

المنفعة و المضرة

يفرق الباحث فالح حنظل بين المنفعة , كمفهوم جيد , و الاستغلال . فالمنفعة تعريفا هي عكس " المضرة " و بالتالي فهي تدخل في باب العلاقات الإنسانية المطلوبة " لكن المشكلة حين تتحول المنفعة الى استغلال و استهتار و جشع " فالمجتمع كما يراه الدكتور حنظل يقوم على  قيم تبادلية و تبدأ المشكلة حين لا تعود المصالح متبادلة , أي استغلالية يحاول فيها الشخص تسلق ظهور الآخرين للوصول الى غايته الخاصة .

لكن ما علاقة ذلك بالعو لمة ؟

يرى الدكتور حنظل أن قيم المصالح على أشكالها لطالما كانت سائدة في المجتمعات البشرية , و إن اختلفت من حضارة الى أخرى " لكن يستحيل  العثور على مرحلة تاريخية كان البشر يعيشون فيها بسعادة و انسجام فالصراع على السلطة قائم منذ الأزل , و مثله الصراع على المال والجاه ولذلك لطالما كان البشر في نزاع مستمر" . 

لا للتعميم

ترفض سحر , فنانة تشكيلية , التعميم في هذا المجال فعلى الرغم من إدراكها أن الحس المصلحي آخذ  في التزايد بين البشر , فإنها لا تزال ترى الصداقات البريئة ممكنة , و تجربتها الشخصية تؤكد ذلك

" لدي العديد من الأصدقاء , سواء من محيط العمل , أم من أيام الدراسة , الذين أحبهم و يحبونني بصرف النظر عن أي فائدة محتملة "

و هذه العلاقات هي التي تعتمد عليها رهف مذيعة تلفزيونية ,

" اكتشفت أن أصدقاء الطفولة و المدرسة أكثر إخلاصا و تسامحا من الأصدقاء الذين نتعرف إليهم لاحقا , لأن هناك تاريخا مشتركا يمنعنا من أذية بعضنا و يمكننا أكثر من فهم حاجاتنا المتبادلة .

تتفق مريم مع سحر في رفضها التعميم و لا تجد في المنفعة بين البشر مشكلة كبرى " لأن الإنسان الذي يعيش في مجتمع ما لا بد أن يحتاج إلى خدمة ما , لكن لا بد أن تكون مرتبطا بسلم من القيم التي تفسح مجالا أوسع للتعاون بدلا من التنافر و التنافس "