ماذا لو ألقت "إسرائيل" سلاحها

وتوقفت عن استهدافنا؟!

م. باهر صالح /فلسطين

[email protected]

على شاشة إحدى القنوات الفضائية التي لا داعي لذكر اسمها في هذا المقال لئلا يقلل ذلك من فرص نشره على المنابر الإعلامية التي باتت تحسب الحسابات الكثيرة وربما المعقدة لكل ما يغضب الحكام والسلطات. فعلى أية حال استوقفني مشهد درامي على شكل فاصل دعائي، ولكن هذه المرة لم يكن الفاصل دعاية تروج لمنتج أو خدمة أو شركة، بل دعاية يُفترض أنها ضد "إسرائيل"، فللوهلة الأولى يظن المشاهد أنّ هذا موقف بطولي من قناة عربية لدولة عربية كبرى تعرض مشهداً يكشف شيئا من حقيقة إجرام "إسرائيل" رغم العلاقات "الطيبة" التي تربط تلك الدولة "بإسرائيل". ولعل ذلك المشهد يدفع المشاهد إلى الإعجاب بشجاعة القناة، وربما لا يخطر ببال المشاهدين التفكير في حقيقة المشهد وأهدافه البعيدة والتي للأسف الشديد تخدم في تضليل المشاهد وتشويش فكره.

 وحتى لا تضيع أخي القارئ في ثنايا المقدمة انتقل بك إلى وصف ذلك المشهد، وأدخر نظرتي إلى ما بعد الوصف الذي سأحاول جهدي أن يكون دقيقاً.

المشهد في وقت لا يتجاوز الدقيقتين، يعرض مجموعة من المسافرين اليهود الذين يقفون على الطابور المنتظم والقصير، بانتظار إنهاء معاملات الدخول إلى "إسرائيل" على إحدى المعابر أو المطارات التابعة "لإسرائيل"، فيأتي دور أحد القادمين ليقف أمام موظفة المعبر أو المطار بانتظار فحص الوثائق أو الإجراءات الأمنية، وما أن تنظر إلى صورته في الوثيقة لتقول لمن أمامها بأنّه لا يشبه الصورة، فيلبس المسافر نظارته ويسألها فيما إذا أصبحت تراه يشبه الصورة أم لا، فتقول له بأنه ما زال لا يشبه الصورة، ثم يلبس الطاقية اليهودية على رأسه ويسألها فيما إذا أصبحت تراه يطابق الصورة أم لا، فتجيبه الموظفة الأمنية بالنفي مرة أخرى، ثم يُخرج المسافر من حقيبته سلاحا نارياً ضخما كالذي نراه دائما في أحضان جنودهم ويضعه أمام صدره لتراه فيما إذا أصبح يشبه الصورة أم لا، فتجيبه الموظفة: نعم، الآن نعم، كان من زمان يا راجل !! . وينتهي المشهد.

مشهد صيغ بعناية شديدة ولعل بساطته توحي بجمال رسالته في ظاهرها على الأقل، فالرسالة واضحة للمشاهد بأنّ المقصود بأنّ "إسرائيل" دولة حرب وقتال، وأنّ اليهودي ارتبطت صورته بالسلاح والقتل. ولكن ماذا عن البعد الآخر للمشهد؟!

صحيح أنّ "إسرائيل" دولة مجرمة، امتلأت يد جنودها وقادتها بدماء المسلمين في فلسطين ولبنان ومصر وسوريا والأردن، وغيرها من البلاد التي يعيث فيها الموساد فساداً كالعراق وأفغانستان حتى وصلت أيديه إلى مجزرة في أنديجان – أوزباكستان - . ولكن ماذا لو توقفت عن قتل المسلمين؟ وباتت تركض وراء السلام، هل ستنتهي مشكلتنا معها؟ وهل ستنتهي حقوقنا وحساباتنا معها؟

هذا ما يوحي به المشهد، بأنّ مشكلتنا مع "إسرائيل" تكمن في أنها لا تريد السلام، وأنّها مصرة على القتل وسفك الدماء. وفي هذا سم عظيم دُس في طبق صغير من العسل.

الآن عزيزي القاري أظن أنه قد بَطُلَ العجب، فهذه هي رسالة الأنظمة العربية كلها، فما المانع أن تحملها فضائياتها؟!. رسالة كل حكام العرب والمسلمين الذين قزموا قضية فلسطين إلى درجة باتت معها لا تُرى بالعين المجردة. فلم تعد مشكلتنا مع "إسرائيل" بحسب وجهة نظر الحكام مشكلة وجود، بل باتت مشكلة حدود ومستوطنات وتعويضات وصلاة في المسجد الأقصى واعتقالات وأسرى. في مسلسل من التنازلات بدأت فصوله منذ عقود ولم نر حلقته الأخيرة لغاية الآن، وكأنه مسلسل مكسيكي يدوم ويدوم.

هذه هي المعاني التي يحاول الحكام زرعها في وجدان الأمة وقلبها وعقلها، وتلك هي الثقافة التي يروجون لها، ثقافة السلام والحمامة البيضاء وغصن الزيتون.

فهل لنا بسلام مع "إسرائيل" وهي تحتل حيفا وعكا والرملة وعسقلان والقدس؟! وهل نقبل بكيان ليهود في بلاد رواها الصحابة والشهداء بدمائهم الطاهرة وهم يدافعون عنها ويعملون من أجل تحريرها؟!

فيا له من إعلام، ويا لها من فضائيات نسيت ماضي الأمة فأضاعت حاضرها ومستقبلها.