رتشارد باريت يعري انهزاميتنا وتخلينا عن حقنا
" ... إلى جانب القس ديزموند توتو أقول إن الوقت انتهى لمعاملتكم كدولة طبيعية ... " ، " ... أنا من هؤلاء الذين يعتقدون بوجوب طردك من هذا البلد ... " ، " ... لماذا تستمرون على أرض ليست لكم إذا كنتم جادين بشان اتفاقية أوسلو وحل الدولتين ؟! " ، " ... إنني أؤمن بأن كل هذا النظام العنصري يجب تفكيكه ... " ، " ...كنت مصدوما خلال الأسابيع التي قضيتها هناك حين رأيت كيف تعاملون الشعب الفلسطيني ... " . المقتبسات المتقدمة من مداخلة النائب رتشارد باريت في لجنة الشئون الخارجية والأمن في البرلمان الأيرلندي أثناء اجتماعها مع السفير الإسرائيلي في دبلن . لاقت المداخلة الشجاعة تغطية واسعة في المواقع العربية على الشبكة وغيرها من الوسائل الإعلامية ، ورافق التغطية عدد كبير من رسائل القراء العرب إعجابا بباريت وثناء على شجاعته وجودة فهمه لحقائق المأساة الفلسطينية ، وصاحب الثناء والإعجاب مقارنة متحسرة مصدومة بين موقفه وموقف أهل القضية فلسطينيين وعربا وما في موقفهم من انهزامية وجهل وتخل عن حقهم العادل الساطع . توصيف دقيق وحكم عادل أن يقول باريت إن الوقت انتهى لمعاملة إسرائيل كدولة طبيعية مثل سواها من الدول الشرعية ؛ لأنها منذ ولادتها غير الطبيعية وغير الشرعية ظلت تتصرف وفق نوعية هذه الولادة : عدوان لا يتوقف في المنطقة ، واستعداد لا يكل لعدوان جديد ، وقتل وعنصرية ضد الفلسطينيين أهل البلاد الأصليين في إصرار قاسٍ على التخلص التام من وجودهم فيها . ما فعلته وتفعله إسرائيل بالفلسطينيين لم تفعله أي حركة استعمارية استغلالية أو استيطانية مقيمة ضد سكان البلاد التي استعمرتها أو استوطنت فيها ، وكان أبو عمار ينبه إلى الفرق بين معاملة البيض الأوروبيين في جنوب أفريقيا للسود أهل البلاد الأصليين ومعاملة إسرائيل للفلسطينيين موضحا أن البيض لم يطردوا السود خارج البلاد مثلما فعلت إسرائيل بالفلسطينيين في عنصريتها المتوحشة الشاذة . وصدمت هذه العنصرية باريت في الأسابيع التي زار فيها إسرائيل والضفة الغربية حين رأى بشاعة التمييز ضد الفلسطينيين في منعهم من السير في نفس الطرق التي يسير فيها المستوطنون الإسرائيليون . انهزامية العرب والفلسطينيين وتخليهم عن أبسط حقوقهم الإنسانية يمنعهم من الإحساس بفظاعة العنصرية الإسرائيلية ، وإذا أحسوا بقدر صغير منها تجاهلوه واعتبروه أمرا يمكن السكوت عليه ومعايشته انطلاقا نفسيا من موازنة خفية وأحيانا علنية بما يحدث في العالم العربي من عنصرية طبقية وقبلية ووحشية وتنكر مطلق لحقوق الإنسان المدنية والسياسية . باريت يرى إسرائيل بعين وقلب مواطن أوروبي ربي على أن حقوق الإنسان مقدسة ، وأن الناس متساوون في هذه الحقوق مهما اختلفوا عرقا أو وطنا . إسرائيل العنصرية هذه بكل مظالمها وتوحشها يتساقط حكام العرب على قدميها رضا عنها ورغبة عنيفة في علاقات رسمية علنية بعد أن طالت سرية علاقاتهم بها بما تخفيه من تآمر وتعاون في تخريب الوطن العربي ثمنه بقاء عروش هؤلاء الحكام . باريت على نقيض أولئك الحكام ومن يساندهم في بلادهم من مستشارين منافقين واجهزة أمنية وإعلاميين يضللون الناس . يقول باريت للسفير الإسرائيلي في جرأة وصراحة إنه واحد ممن ، وهذا يعني أن هناك آخرين غيره ، يرون وجوب طرده من أيرلندا التي قاسى شعبها مئات السنين من ظلم هيمنة الإنجليز على بلاده ، وهذه المقاساة التاريخية المتطاولة وراء التعاطف الصادق الذي يبديه كثير من أبناء الشعب الأيرلندي نحو الفلسطينيين حيث إن كليهما ضحية لظلم الإنجليز . ويتهم باريت السفير الإسرائيلي باستغباء أعضاء لجنة الشئون الخارجية والأمن حين يعدهم بأن دولته جادة في سعيها للسلام مع الفلسطينيين وفق حل الدولتين ، فيسأله : " لماذا تستمرون على أرض ليست لكم إذا كنتم جادين بشأن اتفاقية أوسلو وحل الدولتين ؟! " ، وسؤال باريت واجب التوجيه للسلطة الفلسطينية التي ترى انقضاء 23 عاما على أوسلو لا يكفي لإقناعها بأن إسرائيل أبعد ما تكون عن صدق النية وأصالة الجدية في حل الدولتين . تغير الشرق الأوسط في تلك السنوات والسلطة التي أفرختها أوسلو لم تغير خطابها وأسلوبها في التفاعل مع تغيراته ، والنتيجة هي ما نراه : أصبح المستوطنون في الضفة والقدس 7000000 بعد أن كانوا عند توقيع الاتفاقية 100000. المفارقة الكبيرة الغريبة أن إسرائيل تعمق أوتادها في المنطقة وتوسع هيمنتها فيها بمعاونة العرب والفلسطينيين في الوقت الذي يتصدى فيه أهل الضمائر الحية في الغرب لعنصريتها المتوحشة وجرائمها المتعددة . وبدلا من أن نجعلهم عونا لنا في تعرية هوية هذا الكيان العنصري تمهيدا لاستئصاله وإنقاذ المنطقة من جرائمه نخذلهم بانهزاميتنا وتخلينا عن حقنا ، ومن تخلى عن حقه لن يرده له غيره ولو كانوا في شجاعة ونبل وجودة فهم رتشارد باريت .
وسوم: العدد 666