القدس مكانها وترامب إلى زوال

يؤكّد الرّئيس الأمريكي ترامب مرّة تلو أخرى أنّ قدراته العقليّة لا تتناسب وضخامة جسمه، ولا مع كونه رئيسا للدّولة الأعظم في العالم، فالرّجل يتعامل مع الدّول والشّعوب الأخرى كما يتعامل مع شركاته العقاريّة والاستثمارية، وقد عرف عنه جملته المشهورة لمدراء شركاته "أنت مطرود"، ولم يتراجع يوما عن قراراته حتّى لو ثبت له أنّه مخطئ، لكنّ الرّجل يواصل أخطاءه بحقّ الشّعوب الأخرى، وأخطاؤه قد تكون خطايا تقود إلى حروب ونزاعات، وقد تحصد أرواح ملايين البشر، فتصريح الرّجل على هامش مؤتمر دافوس الاقتصادي والذي قال فيه: "لن نستأنف الدعم المالي للفلسطينيين ما لم يعودوا لمفاوضات السلام، ولن نتحدث عن القدس بعد الآن، وقد أزيلت القضية من على الطاولة وقُضي الأمر." يثبت عنجهيّة الرّجل وحماقاته، حيث أنّه يتعامل مع حق تقرير المصير للشّعب الفلسطينيّ كصفقة ماليّة، ولا يعلم أنّ من يفدون القدس بأرواحهم، لا يمكن أن يتنازلوا عنها مقابل المال، وقد يقبل المرء حماقات ترامب بخصوص قطع الدّعم المالي، لكن ما يدعو للعجب أن يقرنها بالعودة إلى المفاوضات التي قبرها هو نفسه باعتراف ادارته بالقدس عاصمة لاسرائيل، وتبلغ الحماقات ذروتها قوله بأنّ قضية القدس قد حسمت لصالح حليفته اسرائيل! وأنّها غير قابلة حتى للتّفاوض الذي يدعو إليه! وكأنّ القدس ضيعة من أملاك ترامب يقدّمها هديّة مجانيّة لحليفته اسرائيل. فهل يعرف ترامب تاريخ القدس؟ وهل يعلم عدد الغزوات والاحتلالات التي تعرّضت لها المدينة؟ وهل يعلم أنّ المدينة بقيت مكانها، أمّا غزاتها ومحتلّوها فلم يجدوا مكانا لهم سوى مزابل التّاريخ؟ وبالتّأكيد فإنّ ترامب ستنتهي رئاسته لأمريكا، وسيجد مكانا له هو الآخر في مزابل التّاريخ.

وترامب الذي يقطع الدّعم المالي للسّلطة الفلسطينيّة، يعلم أنّ المساعدات التي قدّمتها أمريكا للفلسطينيّين لا تساوي 10% من زكاة الأموال العربيّة التي تذهب للخزانة الأمريكيّة، ولو كان قادة الدّول العربيّة البتروليّة عربا، فإنّ قرارات ترامب وتصريحاته حول القدس، تعني اعلان حرب على العرب، وبالتّالي يجب أن يكون لهم موقف دفاعيّ على الأقلّ. ولما احتاج الفلسطينيّون إلى دعم ماليّ من أمريكا أو من غيرها.

وبما أنّ هناك من يزعم من قادة العربان أنّه خادم الحرمين، وحامي حمى الاسلام فإنّنا نذكر بالحديث النّبويّ الشّريف:" عن ميمونة مولاة النبي صلى الله عليه وسلم:أنها قالت: يا رسول الله افتنا في بيت المقدس، فقال: ائتوه فصلوا فيه ــ وكانت البلاد إذ ذاك حربا ــ فان لم تأتوه فابعثوا بزيت يسرج في قناديله" ولا تفسير هنا للزّيت إلا بأنّه البترول، لأن الجزيرة العربيّة ليست بلاد الزّيتون. وجاء في حديث آخر: "المسلمون شركاء في ثلاث: في الماء والكلأ والنار" والمقصود هنا أنّهم شركاء في الموارد الطبيعيّة، لكن ما يحصل على أرض الواقع يغضب الله ورسوله والمؤمنين، لأنّ "زيتنا" يضيء شوارع أعدائنا، ومواردنا الطّبيعيّة تصبّ في خزائنهم.

وسوم: العدد 757