طواحين الهواء الاسدية الدون كيشوتيه

اعزائي القراء ..

تدور أحداث الرواية الأصلية  حول رجل طويل القامة هزيل البنية لايختلف شكلاً عن (بطل) اخر اختار لنفسه لقباً هو بطل الصمود الزائف ولكن التطابق يصل ايضا الى حد مستوى التفكير الضحل لشخص تستر وراء الفروسية  بينما لايملك من مقوماتها شيئا ، وشخص تستر وراء فروسية الصمود والتصدي  وهو لايملك من مقوماتها شيئا.

ولكن كما سيبدو للقارئ الكريم ان الاختلاف بين الشخصيتين يكمن في نهاية القصة حيث عاد الاول الى رشده ،بينما بقي الاخر متمسكاً بأوهامه والتي ستطيح به. 

الاول  اسمه الفونسو كيخانو والذي اطلق على نفسه لاحقاً اسم "دون كيشوت"، والذي عاش في واحدة من قرى إسبانيا إبان القرن السادس عشر .

والثاني اسمه الفونسو بشار الاسد ،اطلق على نفسه لقب بطل الصمود والتصدي عاش بين القرنين العشرين  و الواحد والعشرين اي في عصر الانحسار العربي الذي سمح لنفسه ان يغطي صدره بأوسمة الصمود الصدئة .

فالتشابه واضح بينهما.

اعزائي القراء ..

قضى الفونسو او دون كيشوت أيامه من الصبح إلى الليل ومن الليل إلى الصبح" في قراءة أدب الفروسية ليتعلم منها شيئا يفخر به،  وقد انتهى به هذا الجنون  بالفروسية إلى فقدانه لصوابه وخلطه بين أوهامه والواقع. 

فقد بلغ الهوس بدون كيشوت الحد الذي يقرر فيه استعادة أمجاد الفرسان الجوالين . فيقول :"لقد وُلدت في هذا العصر الحديدي لكي أقود العصرَ الذهبي ، ولذا فقد أعدت عدتي للقيام بهذه المهمة العظيمة".  فقام أولاً باستخراج سلاح قديم متهالك خلّفه له آباءه  فأصلح فيه ما استطاع، ثم لبس درعاً وخوذة وحمل معه سيفاً ورمحاً وامتطى صهوة جواد أعجف هزيل.

وهذا ما فعله بالضبط" الفونسو بشار الاسد باستخراج سلاح ابيه المتهالك سلاح الصمود الزائف  ثم لَبْس درعاً وخوذة وتقلد سيفاً وامتطى دبابة روسية  فنال اعلى رتبة عسكرية في مخلفات جيش ابيه.

ولكن في واقع الحال فقد كان جواد دون كيشوت مسكيناً متهالكاً فيه من الأسقام والأوجاع أكثر مما كان فيه من الأعضاء السليمة، فكل ما تبقى منه هو الجلد والعظام، ورغم ذلك ارتأى صاحبنا أن جواده هذا لم يكن له مثيل في العالم وكان يحتاج لمنحه اسماً فخماً يتناسب مع فروسيته فاختار له  اسم  يليق بفارس مثله.

بهذه الهيئة التي تشبه فرسان الزمن الغابر -الذين انقرضوا منذ عقود خلت- انطلق دون كيشوت في رحلته نحو المجد الذي تخيله، ولكن كيف يكون فارساً دون استكمال فروسيته بوجود سيدة يحبها ، فالفارس الجوال إذا خلا من الحب غدا كالجسد بلا روح، ثم تخيل خصماً امامه صرعه بضربة واحدة وقطعه بالسيف  الى نصفين، أفلا يكون من الأفضل استكمال هذا النصر بإهداء ضحيته الوهمية لمن أحب؟

اخواني ..

مازلنا نعيش حالة التشابه بين هذا الفارس الهزلي  وخليفته بطل الصمود الهزلي ، حيث اهدى الفونسو بشار الاسد ضحاياه الأبرياء الى حبيبته اسرائيل لترضى عنه وتهديه قبلات التشجيع من خلف أسوار الجولان المحتل؟ 

كانت  الحوادث الهزلية التي صادفت دون كيشوت في طريقه كثيره ، إلا أن أشهرها وأكثرها طرافةً كان صراعه مع طواحين الهواء التي توهم أنها "شياطين لها أذرع هائلة مهمتها المؤامره عليه وعلى طموحه بمعنى اخر (كانت بالمفهوم الحديث الذي اخترعه الفونسو الاسد  بالمؤامرة الكونيه )، فقام  دون كيشوت على الفور بمهاجمة طواحين الهواء ممثلة لمخالب المؤامرة الكونية  فغرس فيها رمحه؛ لكنه علق بها فرفعته إلى الهواء عالياً ثم طرحته  أرضاً فحطمت  عظامه، 

وفي نهاية المطاف يُقعِد المرض دون كيشوت على فراشه ، فيأتي الطبيب ليعاينه فيجد أنه لا أمل من شفائه، وفي إحدى تلك الليالي يستفيق دون كيشوت من جنونه ويعود إلى رشده آخذاً في لعن الفروسية التي لايستحقها فليس كل من حمل سيفا ودرعاً صار فارساً حيث يعترف في نهاية المطاف "لقد كنت مجنوناً والآن صرت عاقلاً، لقد كنت دون كيشوت دي لا منتشا، والآن اعود الى اسمي الحقيقي الفونسو كيخانو".فيعرف الرجل حجمه. 

اعزائي القراء ..

بقي فرق واحد بين دون كيشوت الاول ودون كيشوت الثاني يتعلق بالخاتمة . فالأول اعترف بجنونه و أوهامه  فتخلى عن فروسيته الزائفة  وعاد الى حجمه الطبيعي . اما الثاني فما يزال يكابر معتقدا انه المنتصر بينما الأسقام والامراض والجنون قد ملأت كل خلاياه ، فاحضر كل العصابات الاجرامية للدفاع عن انتصاراته الهزلية ، ولكن بالنهاية سيقع لامحالة في شر أعماله ويتفوق عليه دون كيشوت الاول باعترافه بهذيانه وعودته الى الحكمة وصوت العقل ..

مع تحياتي

وسوم: العدد 775