تقاعد القادة والرجال
من الأمور التي أثارت دهشتي وحزني في نفس الوقت، هي فئة ممن كانوا يقودون الثورة أو الحركات أو الأحزاب، وكان تحت أيديهم الأنصار والرجال، ويُنظر إليهم على أنهم القدوة والمثل.
فاعتزل بعضهم داخل مصر خوفًا من بطش النظام، وهؤلاء قد يكون لهم العذر في ذلك.
فما يعيشه الناس في مصر من ضغوط أمنية يحتاج إلى همة وعزيمة ونفسية، هي محض فضل ومنحة من الله، لذلك لا ألوم أحدًا داخل مصر، وأدعو لنفسي ولهم بالثبات.
لكن ما يثير حزني واندهاشي هم من يُسّر لهم الخروج من مصر والاستقرار في دولة من الدول، فلمّا خرجوا سكتوا كذلك وانكفأ بعضهم على ذاته وحياته، واعتزل العمل العام، ونسي رجاله وأنصاره الذين يعتبرونه القائد والقدوة والمثال!!
والبعض الآخر اختار لنفسه طريقًا يظنه وسطًا، أو على الأقل مريحًا للضمير من وجهة نظره، وهو الانشغال بالأذكار والحِكَم والخواطر الإيمانية والنصائح الذهبية للعروسين، سعيدًا بكَمِّ الدعوات والإعجابات والتأمين خلفه على الظالمين، أو "اللولوة" على المعتقلين دون فعل حقيقي لاستنقاذهم.
وصنف ثالث صادق معه نفسه ومع أنصاره ورجاله ومؤيديه، وقَبْل ذلك مع ربه، فعلم أن هؤلاء لا ينتظرون منه صمتًا ولا خواطر إيمانية يحفل بها فضاء الإنترنت، بل ينتظرون قائدًا كما عرفوه، مدافعًا عن الحق، مهمومًا ومشغولاً بأمته، يدخل المعارك دفاعًا عمّا يؤمن به ويعتبره صوابًا، ينافح عن فكرته ولا يختار راحة البال؛ فالراحة عند أول قدم في الجنة، وقبلها لا راحة ولا ارتياح.
يقدم لهم النموذج والقدوة في التضحية والفداء، لا يرضى لهم بالخديعة ولا التدليس عليهم ولا العيش في وَهْمٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا.
هذا ما نعرفه عن القائد، صغيرًا أم كبيرًا، وما تعلمناه في مدرسة الحياة والإسلام من سِيَرهم، لكن للأسف حاليًا هؤلاء هم القلّة القليلة، التي نتمنى أن يكونوا بإذن الله الشعلة الحقيقية التي تنير الطريق للأجيال القادمة.
وسوم: العدد 838