الإعلام.. وفشل الحضارة الغربية في إنقاذ الإنسان
باختصار، من مقال منشور في مجلة الفرقان – العدد 81 – شوال 1429هـ = تشرين الأول 2008م.
يطلع الغرب علينا، وعلى رأسه أمريكا، ليدّعوا أنهم الشعوب الأرقى والأعدل والأقوى!. أخذهم الكبر والغرور فلم يعودوا يشعرون بالخطر الذي يهددهم ويهدد غيرهم، أو خدّرتهم الثروات والرفاهية فلم يعودوا يشعرون بآلام الفقراء والمسحوقين في الأرض.
والعالم الإسلامي غارق في ضعفه وهوانه، يقف حائراً بين عجزه البيّن ومحاولاته الفاشلة، وتمزُّقه وامتداد الفتن إليه. ولكن الغرب ما زال يدوّي بإعلامه الواسع وضجيجه الطاغي يغذّي الفتن والفساد والظلم في الأرض.
"روبرت مردوخ" يملك أقماراً صناعية يبث بها صوراً لحسناوات على منطقة واسعة من العالم العربي، وهناك مؤسسات إعلامية عملاقة أخرى تتنافس كلها على بث ما يدغدغ الأحلام، فيعطون لكل بلد أغنيته وموسيقاه المحببة له ولشبابه المراهق، لتخلب لبَّهم وتغرقهم في أهوائهم وشهواتهم. يضاف إلى ذلك الدعاية الإعلامية الواسعة لمباريات كرة القدم وكرة السلة والرياضة بعامة.
لقد أصبح الإعلام طوفاناً يلهب الشهوات ويقتل العزائم ويفسد الفطرة... يميت النخوة ويقتل الوقت ويخدّر النفوس.
هذا الطوفان الإعلامي أوجد نوعاً من الميول المنحرفة والطباع الفاسدة المتقاربة، كأنها تتبنى في الأرض عولمة خاصة بها، يمكن أن نسميها (عولمة الإفساد والتدمير)، وقد تنشأ بين أناس هنا وأناس هناك، علاقات تقوم على المتع الرخيصة والفتن الكثيرة.
وليست الأفلام والصور وبضاعة الإعلام وحدها تنشر الفتن والفساد، فهنالك جوالون وممثلون وسائحون يسهمون في ذلك النشاط، ومعهم الممثلات والسائحات، وأصبحت السياحة باباً من أبواب الفتنة والإفساد!.
ربما كانت لامبالاة الأثرياء في أحضان الثراء الفاحش حقيقة مخجلة، ولكنها تحولت مع الاستمرار والمداومة إلى كبر وغرور، ووهم لا بد أن ينجلي مع الأيام على سنن لله ثابتة في الحياة الدنيا.
إنك تجد أن (358) إنساناً مليارديراً فقط في العالم يمتلكون ثروة (2.5) مليار من سكان المعمورة. ومع تحول اللامبالاة من خجل إلى كبر وغرور، أخذت المساعدات التي تقدمها الدول الصناعية إلى الدول النامية تنخفض شيئاً فشيئاً.
هذه صورة مأساوية من العولمة، فبها يزداد ثراء المجرمين ويزداد فقر المعوزين... فأصبح الناس يلتفتون إلى مخرج لا يجدونه إلا في حروب بين الدول، فتلك تصب ثمرتها في جيوب كبار المجرمين.
ولكنهم يفتنون في داخل بلدهم لتقوم حروب أهلية، كما حدث في جنوب أفريقيا، فبعد انتهاء سياسة التمييز العنصري بعام واحد قُتل سبعة عشر ألفاً في سياق الصراع الداخلي العنصري.
ولا يقتصر الأمر على أفريقيا وأحوالها السيئة، فانظر إلى الهند يموج فيها أكثر من مليار إنسان، وتنمو المدن دون تخطيط واع، مما يفسد البيئة بالدخان من وسائل النقل، ويولد أمراضاً في الأطفال كالتهاب القصبات... وبومباي مثل واضح؛ فمع الأثرياء يعيش فقراء مسحوقون، وتحار البلدية كيف تدير شؤون المدينة، خاصة وأنها لا تستطيع أن توفر أكثر من ثلثي الماء الضروري. ولذلك ينزح إلى المدن الكبيرة الذين يجدون فرصة عمل. ولكن فقراء المدن الكبيرة في وضع أسوأ من الفقراء النازحين، فإن وجد النازحون فرصة عمل، فالمقيمون لا يجدون.
أحد الوزراء المسؤولين في أوروبا أشار على رئيس الصين أن يلتزموا بحقوق الإنسان فأجابه: هل أنتم في أوروبا قادرون على إيواء (10-15) مليون صينيّ سنوياً تُؤمّنون لهم المسكن والطعام؟!.
لقد أصبح من الواضح أن حضارة الغرب كلها فشلت فشلاً تاماً في بناء حياة نظيفة آمنة للإنسان.. لقد عمَّ الخوف والهلع الناس من لهيب الحروب التي أُشعلت داخلياً أو خارجياً. وظلت مآسي الإنسان تزداد وتزداد، وجميع الوعود التي أطلقها مسؤولون في أمريكا أو أوروبا لم يتحقق منها شيء.
وأصبح الواقع المزري كأنه يقول: من يستطيع إنقاذ نفسه فلينقذها... إن الرأسمالية ونموها المرعب، والديمقراطية وإعلامها المدوّي، لم تحقق للإنسان أمناً أو راحة أو معالجة للفقر والمرض!.
أصبحت حقيقة التطور الذي استغل كل التقدم العلمي تدهوراً اقتصادياً وتدميراً للبيئة وانحطاطاً للثقافة... إن (20%) من سكان العالم يملكون أكثر من (84%) من الناتج الإجمالي للعالم وأكثر من (84%) من التجارة العالمية، وازدادت الفجوة بين الأغنياء والفقراء، وفشلت المساعدات الاقتصادية للتنمية التي كانت تَعِدُ بالعدل والإنصاف، وكأن العالم وقع بين فكين: فك العولمة وفك التفكك والتمزق: قوتان متعاكستان!.
أما بالنسبة للموارد الطبيعية فما زالت النسبة القليلة من الناس تستأثر بالنسبة العالية من الموارد. أما وعود بعض الدول بتخفيض التلوث البيئي الناتج عن ثاني أكسيد الكربون، فلم يتحقق منه شيء، ومضت الدول الصناعية في سياستها الرأسمالية لتزيد من التلوث غير آبهة بمقررات مؤتمر الأمم المتحدة للبيئة في (ريودي جانيرو) سنة 1992م.
ونتيجة للفقر والبطالة والحروب اشتدت هجرة الكثيرين من أوطانهم إلى بلاد يحلمون أن يجدوا فيها العسل.
يضاف إلى ذلك كله امتداد الجريمة بمختلف أنواعها في الأرض؛ السرقة، والقتل، والفواحش، والمخدرات، وامتداد الظلم والعدوان، وفقدان الأمن، ونهب الشعوب!. لقد ظهر الفساد في الأرض واشتد خطره!.
البشرية اليوم تعيش في خطر حقيقي يهددها، وتكاد تقف مشلولة أمام ذلك، لم يشلّ قواها إلا أهواؤها، فعميت الأبصار وسُدّت الأسماع، وكأنه لم يعد أحد يفكر في الإنقاذ... غرِق الجميع!.
إلا صيحة واحدة تدوّي من معظم أنحاء الأرض: الله أكبر.. الله أكبر. لتوقظ ولتُنذر.. فهل من مُجيب؟!.
وسوم: العدد 853