عصر الكورونا مرحلة التاريخ الإنساني الجديد
استفاق العالم فجأة وبدون مقدمات على حدث جديد لم يعهده من قبل ، لم يتوقع احد أن يدخل العالم الى مرحلة وعصر جديد من التأريخ بهذه البساطة، فسيضطر العالم أن يقول عصر ما قبل الكورونا وعصر ما بعد الكورونا ،،، السبب ببساطة هو التغير الجذري الكبير الذي احدثتة هذه الجائحة والتي يمكن أن نقول أنها الحدث الاول منذ قرون والذي يصيب ويؤثر على كافة البشر وعلى كافة ارجاء المعمورة بنفس الزمان وبنفس الوتيرة، فلم تسلم منه أمة ولم يسلم منه بلد ولم يسلم منه قطاع دون آخر، اقتصاد ما قبل الكورونا ليس هو ذات اقتصاد ما بعد الكورونا والحياة الاجتماعية الانسانية قبل ليست هي نفس الحياة بعد،،، بل والحالة النفسية للبشر تغيرت وانقسمت الى عصرين ، قبل وبعد.
لقد أثر هذا الحدث على كافة قطاعات الحياة وعموم مجالات معاش الانسان فمثلا:
على الصعيد الاقتصادي:
كان القطاع الاقتصادي أكبر المتضررين من هذه الجائحة حيث ضرب وباء الكورونا الاقتصاد العالمي في عقر داره ، ففجأة تنهار البورصات العالمية وتنخفض اسعار الاسهم القوية وتترنح تحت رحمة تطورات تفشي الفيروس وأعداد المصابين به حول العالم ، فيخسر العالم مليارات من الدولارات والتي تبخرت وطارت في الهواء بلحظة بل وبغمضة عين سريعه لم يكد يلحظها العقل الانساني.
وفي بداية اذار 2020 تسبب فيروس كورونا في خسائر للسوق المالية الامريكية بلغت 3.18 تريليون دولار من القيمة السوقية للأسهم الأمريكية ، وفقا لتقديرات مؤشرات "اس اند بي داو جونز".
وخلال بضعة أسابيع من ظهور كورونا خسرت الأسهم والسندات المدرجة في البورصات العالمية أكثر من 17 تريليون دولار؛ من بينها 7.2 تريليونات دولار خسائر الأسهم المدرجة في الولايات المتحدة وحدها.
فجأة تغلق حدود العالم فيصاب قطاع السفر والسياحة بخسائر هائلة لم يشهد لها مثيلا لا في الكساد الكبير (1929)؛ ولا في خلال الازمة المالية العالمية /2008، فحتى اللحظة تقدر خسائر قطاع السفر حول العالم بحوالي 200 مليار دولار وما زالت الخسائر متوالية وغير منقطعه ،،، كساد كبير في الطلب على صناعة الطيران والسفر بعد أن كان هذا القطاع هو الابرز في ما يقدمة من مساهمة في الناتج الاجمالي للدول وللاقتصاد العالمي ككل حيث يبلغ الحجم السنوي لسوق السياحة العالمي حوالي 1.7 تريليون دولار.
ومن المتوقع ان الصين وحدها ستتلقى ثلث هذه الضربة من الخسائر حيث تشير الارقام انه في عام 2018، قام السياح الصينيون بأكثر من 53 مليون رحلة إلى أجزاء مختلفة داخل آسيا وحدها ، تليها اوروبا واميركا وتقول التقارير ان آثار هذه الضربات قد تستمر لمدة طويلة تتجاوز عقدين الى ثلاثة عقود من الزمن لانها الاكبر منذ 42 عاما حسب تقارير الشركات الكبرى في هذا المجال.
ويشير مقال نشرته صحيفة "تشاينا ديلي" إلى أن السياح الصينيون أنفقوا حوالي 128 مليار دولار في عام 2018 في 149 مليون رحلة للخارج، وهو ما يمثل حوالي 850 دولاراً لكل سائح في المتوسط.
ويُقدر البنك الهولندي"آي.إن.جي" الخسارة في الناتج المحلي الإجمالي الآسيوي من خلال عوائد السياحة وحدها بما تتراوح قيمته بين 105 إلى 115 مليار دولار.
ناهيك عن الضعف الذي سيصيب القوة الشرائية للسياح في حال تعافي قطاع السياحة والسفر وانخفاض انفقاهم؛ كما ان مستوى الحجوزات الفندقية سينخفض من خمسة او اربعة نجوم الى اقل من ذلك بكثير وهو شكل من اشكال التراجع، وفي هذا الصدد يقول روجر داو رئيس اتحاد صناعات السفر الأميركية، سوف تفقد الصناعة أربعة ملايين وظيفة خلال عام 2020 مما يرفع معدل البطالة الأميركي من 3.3% حالياً إلى 6.3%.
وتقدَّر خسائر صناعة الفنادق الأميركية وحدها بنحو 1.4 مليار دولار أسبوعياً من الدخل المفقود، وفقاً لإحصاءات من هيئة السفر الأميركية.
وتالياً بعض التقديرات التي قدمها مجلس السياحة والسفر العالمي حول تداعيات ازمة الكورونا على هذا القطاع ، حيث يقول مجلس السياحة والسفر العالمي(WTTC)، إن نحو 50% من العاملين بالقطاع السياحي حول العالم سيفقدون وظائفهم،،،،، كما اشار التقرير أن "ظهور فيروس كورونا حول العالم كبد القطاع السياحي خسائر تقدر حتى اليوم بنحو 2.1 تريليون دولار".
وبحسب التقرير فانه من المتوقع :" أن "الفيروس زاد من مخاطر فقد الوظائف في آسيا والباسيفيك بنحو 48.7%، بينما في الأمريكتين بنسبة 10%، والنسبة نفسها في أوروبا، بينما سيفقد نحو 1.8% من العاملين بالسياحة في الشرق الأوسط وظائفهم".
كما اشار التقرير، أن "نحو مليون عامل بصناعة السياحة يفقدون وظائفهم يوميا بسبب كورونا، وتعطل قطاع السفر والطيران".، كما أشار إلى أن هناك "توقعات بأن تبلغ الخسائر الأوروبية في القطاع قريبا نحو 552 مليار دولار، ونحو 10 ملايين وظيفة،فيما ستصل إلى 49 مليون وظيفة في منطقة آسيا والباسيفسك التي تعد الأكثر تضررا في العالم بخسائر قد تصل إلى 880 مليار دولار".بينما ستخسر أمريكا الشمالية وحدها 570 مليار دولار و7 ملايين وظيفة".،،، هذا كلة قبل ان يتجاوز عدد المصابين بالفيروس نصف مليون شخص فما بالك بعد ان تجاوز العدد اليوم اكثر من مليون مصاب حول العالم.
ووفقًا لمركز CAPA للطيران الاستشاري، فإن معظم شركات الطيران في العالم ستفلس بحلول نهاية ايار ما لم تتدخل الحكومات.
وفي مجال الصناعه على المستوى العالمي ، فقد اثر انتشار الفيروس بشكل كبير في خلخلة حالة العرض والطلب في سوق التصنيع والتصدير والاستيراد والاستهلاك على نطاق العالم كلة، حيث يقول تقرير صادر عن مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (أونكتاد) إن انكماشاً في إنتاج الصين بنسبة 2% له آثار مضاعفة تظهر على مجمل انسياب الاقتصاد العالمي، تسبّبت حتى الآن في انخفاض يقدّر بنحو 50 مليار دولار أميركي في التجارة بين الدول؛ ويشير إلى أن القطاعات الأكثر تضرراً من هذا الانخفاض تشمل «صناعة الأدوات الدقيقة والآلات ومعدات السيارات وأجهزة الاتصالات»؛ هذا الأمر ناتج عن كون الصين أصبحت خلال العقدين الماضيين «أكبر مصدِّر في العالم وجزءاً لا يتجزأ من شبكات الإنتاج العالمية وقد اثبتت الصين نفسها كمزوّد رئيسي للعديد من مدخلات ومكونات المنتجات المختلفة، مثل السيارات والهواتف المحمولة والمعدات الطبية، وغيرها». فالصين تلعب دوراً مهماً في إنتاج السلع وتوريدها لجميع أنحاء العالم، لذا فإن «أي خلل في الصين سيُشعر به أيضاً خارج حدود البلاد»خاصة اذا علمنا ان نصيب الصين في الناتج المحلي الإجمالي العالمي في 2018 بلغ ما نسبته %16.
فمثلا تشير شبكة سي إن إن الأمريكية ان مبيعات السيارات في الصين تراجعت بنسبة 79٪ مقارنة بالعام الماضي وهو أكبر انخفاض شهري على الإطلاق حيث تم بيع 310.000 مركبة فقط، كما تراجعت مبيعات السيارات الكهربائية بنسبة 75٪.
واليوم يواجه اكثر من 90% من المصدرين الصينيين صعوبات في تصدير منتجاتهم وفقاً لإحصائية صادرة عن وزارة التجارة الصينية والتي تضمنت دراسة حالة اكثر من 7000 شركة؛ وفي المحصلة تشير الارقام الى أن الخسائر المحتملة الناتجة عن الاغلاق الطويل للمصانع وتراجع عمليات الاستيراد والتصدير والاستهلاك في السوق الصيني قد تتجاوز تريليون دولار.
هذا بشكل مختصر حول واقع الحال وتداعيات الوضع الاقتصادي الذي فرضة انتشار هذا الفيروس حول العالم .
على الصعيد الاجتماعي والنفسي والانساني:
لقد تسبب توقف العمل وترك ملايين الناس لوظائفهم وجلوس الناس في بيوتهم الى ظهور تداعيات ومشكلات كبيرة على الواقع الاجتماعي والنفسي للناس؛ فقد ادى وسؤدي انتشار هذا الفيروس الى ارتفاع معدلات الفقر كما هو الحال بالنسبة للبطالة ، وفي تقرير لها قالت اللجنة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا في الأمم المتحدة أو ما يُعرف باسم "إسكوا"، إن 8.3 مليون شخص في الدول العربية سيدخلون بمستوى الفقر خلال العام 2020 .
لقد اصبح ملايين الناس حول العالم بلا عمل؛ وبالتالي بلا اموال وهذا يعني ضعف القوة الشرائية والذي نتج عنه عدم حصول الناس على كفايتهم من الطعام والشراب الصحيين مما ستكون له اثار صحية على المدى البعيد، وتقول تقارير الإسكوا أيضا؛ إلى أن عدد الذين يعانون من نقص التغذية سيزداد بنحو مليوني شخص، حيث أنه ووفقا للتقديرات ، سيُصنَّف ما مجموعه 101.4 مليون شخص في المنطقة العربية في عداد الفقراء، وسيبلغ عدد الذين يعانون من نقص في التغذية حوالي 52 مليونًا"، هذا يعني ان الامن الغذائي في المنطقة العربية في حالة خطر حقيقي.
وعلى الصعيد العالمي تظهر التقارير والبيانات الرسمية أن أكثر من 14 مليون شخص في بريطانيا مصنفون في خانة الفقراء، أي ما يمثل قرابة ربع عدد السكان؛ ويبلغ عدد الأطفال الذين يعيشون في فقر نحو 4 ملايين و200 ألف.
إن جلوس كثير من الناس والتزامهم البيوت لايام طويلة له اثار اجتماعية ونفسية على الشخص والاشخاص المحيطين به ، لانه يعتبر أمر غير اعتيادي بالنسبة للكثيرين المعتادين الذهاب للعمل وقضاء معظم اوقاتهم خارج المنزل.
وتشير كثير من التقارير الى أن ابرز الاثار التي قد يتركها الجلوس الطويل في البيت هو القلق والتوتر النفسي، كما ان التباعد الاجتماعي بين الناس وبين الاهل والاقارب قد يسبب الملل والمرض والانطواء والشعور بالاغتراب والعزله ، والشعور بالعجز والوحدة والاكتئاب ، مما سيكون له اثار بعيدة المدى على الشخصية الانسانية، كما أن قلة المال وشعور الانسان بالحاجة ينجم عنه رغبة وحافز للقيام بالمشاكل فلا يجد الشخص سوى المحيطين به لافتعال المشاكل معهم مما يزيد من حالات العنف الاسري والتصادم بين افراد العائلة ، ويرفع نسب الطلاق ومعدلات الضرب والاعتداء المباشر وغير المباشر.
كما أن الجلوس في البيت يؤدي الى ظهور عادات وسلوكيات غير صحية مثل : كثرة النوم وتناول المزيد من الطعام وقلة ممارسة المشي والرياضة ، الادمان على مشاهدة التلفاز... الخ، وهذا كلة سينعكس في نهاية المطاف على الحال الصحي والجسدي والنفسي للشخص.
ولكن في نهاية المطاف يمكن ان نقدم بعض الانشطة التي اوصت بها كثير من الدراسات والمنظمات العالمية المتخصصة في مجال الدعم النفسي والاجتماعي والتي يمكن أن تساعد المرء على اجتياز هذه المرحلة بسهوله ، ومنها:
- التمرينات البدنية: اليوغا، تمارين تحريك الجسم،،،.
- التمرينات الذهنية: التدرب على العلميات الحسابية....
- تمارين الاسترخاء: التأمل...
- المطالعة وقراءة الكتب النافعه.
- عدم الاستماع للشائعات والتقليل من متابعة الاخبار.
- المكالمات الهاتفية الاجتماعية بالامور النافعه والمفيدة مع افراد العائلة البعيدين.
- اجتماع افراد العائلة لفترة من الوقت لمتابعة وتدارس شؤون الاسرة والعائلة.
وعلى صعيد خدمات التعليم ، وعلى الرغم من انتشار حالة التعليم عن بعد الا ان كثيرا من البلدان وخاصة الفقيرة منها والتي يصعب عليها توفير تقنيات التعليم عن بعد سيصبح طلابها بلا تعليم ، فقد قامت الينوسكو بنشر تقرير بعنوان: "اضطراب التعليم بسبب فيروس كورونا الجديد والتصدي له"، يتحدث عن حالة التعليم في ظل انتشار الفيروس؛ تقول فيه:" " أن "انتشار الفيروس سجل رقمًا قياسيًّا للأطفال والشباب الذي انقطعوا عن الذهاب إلى المدرسة أو الجامعة. وحتى تاريخ 12 مارس 2020، أعلن 61 بلدًا في أفريقيا وآسيا وأوروبا والشرق الأوسط وأمريكا الشمالية وأمريكا الجنوبية عن إغلاق المدارس والجامعات، أو قام بتنفيذ الإغلاق؛ إذ أغلق 39 بلدًا المدارس في جميع أنحائه، مما أثر على أكثر من 421.4 مليون طفل وشاب، كما قام 14 بلدًا إضافيًّا بإغلاق المدارس في بعض المناطق لمنع انتشار الفيروس أو لاحتوائه. وإذا ما لجأت هذه البلدان إلى إغلاق المدارس والجامعات على الصعيد الوطني، فسيضطرب تعليم أكثر من 500 مليون طفل وشاب آخرين، وفق المنظمة.، وهذا لاشك سينتج عنه آثار لا يمكن ملاحظتها على المدى القصير ستؤدي الى عواقب وخيمة على التنمية الانسانية المستدامه.
نسأل الله عز وجل أن تنتهي هذه الازمة ويتعافى العالم اقتصاديا واجتماعيا ونفسيا وتعود الامور الى احسن مما كانت عليه في السابق.
وسوم: العدد 871