معركتنا في الانتصار لنبينا تحتاج إلى حسن إدارة

لقد أرهقتنا معارك " عليهم ..عليهم "

ولو سئلت عن السبب الأول لتعثر الثورة السورية ، ووقوعها فيما وقعت حتى الآن فيه ، لأجبت : تعثرت الثورة السورية لأنها فقدت إدارة القوي الأمين وقيادته .

كل معركة - مهما كانت طبيعتها ، عسكرية أو سياسية أو فكرية ، إن لم تتم إدارتها بإحكام وحكمة وحزم ، لن تلقى الذي ننتظر منها من النصر والنجاح ...

نذكّر بالمعارك التي خضناها يوم أقدمت الدنمارك على نشر الرسوم المسيئة، في 2006 ، نتذكر الملايين التي تدفقت إلى الشوارع في كل حواضر العالم الإسلامي ، ثم انطفأ كل شيء كأنه فقاعة ..، مجرد فقاعة ..

وكما قال ماكرون بالأمس: لن نتراجع ، ولم تتراجع الدنمارك عن شيء ، وعدنا نحن نتلذذ بالزبد الدنماركي ..!! كما سنتلذذ غدا بـ لافاش كي ري ..

كثيرا ما يظن بعض الناس ، بالفهم الخاطئ أو السابق ، أن الدعوة إلى العقلنة هي دعوة للانكسار أو دعوة للتبريد . عمر طويل مضى وكلما دعا إنسان إلى التعقل اتهم بالتثبيط والتخذيل والإرجاف .. وكم عانى المصلحون من هذا أمام غوغائية الفوضويين ..!!!

ماكرون ولفيفه يخوضون معركتهم " ضدنا " بخبرة خبراء ، واستشارة مستشارين . حتى حين كتب بالأمس ما كتب بالعربية ، فقد أراد أن يرسل رسالة ، وربما نجحت رسالته في بعض ما أراد منها ،، عند بعض من يظن فيهم أنهم منه ..

لخوض المعركة بجدارة واقتدار نحتاج إلى تفهم أفضل لدوافعها وأبعادها وحقيقة المشاركين فيها وأدواتهم .. وهذا مطلب أول . أن نضع المعركة في سياقها الحضاري والفكري والسياسي والدولي والإقليمي مطلب آخر . و أن نتساءل عن علاقة التوقيت بالحرب المفتوحة على الإسلام ، وبثورات الربيع العربي ، وبحالة الانكسار العربي ، وبموجات التطبيع مع العدو الصهيوني ، ومع محاولات تأهيل أنظمة الاستبداد في المنطقة مطلب ثالث ورابع وخامس ..

ثم أن نحسم بطريقة واضحة من أراد إعادة فتح المعركة : أهو فريق شارلي إيبدو أو المدرس الفرنسي ، أو الرئيس ماكرون ، أو المنفعلون منا مهما تكن كارثية الانفعال وحماقته أو صوابيته ؟!!!!

 أسئلة كثيرة تفرض نفسها علينا نحن المصطفين على الطرف الآخر ، ولا نكاد نتفق لها على جواب !!

يجب أن يكون واضحا في أذهاننا جميعا أننا لا يجوز أن نصطف كما يحاول أن يصورنا ماكرون ولفيفه ضد عنوان " حرية التعبير " . بل يجب أن نصطف مع حرية التعبير ، وضد الانخلاع من الأخلاق والقيم والآداب ، وأن نصطف ضد ازدواج المعايير ، فنذكر الرئيس ماكرون أن مفكرا فرنسيا مبدعا بحجم " روجية غارودي " قد حكم بالسجن ... لأنه فقط شكك بالهلوكست النازي وبعدد ضحاياه !!

 ألم يكن ما كتبه غارودي يومها يدخل تحت حرية الرأي والتعبير ...؟!

إن من أهم قواعد الحروب والسياسية والفكرية والأخلاقية ، وما نخوضه اليوم هو حرب سياسية فكرية أخلاقية وهكذا يجب أن تبقى ، وهكذا يجب أن نحافظ على طابعها ، هو فرز القوى ، أي تمييز العدو من الصديق . وفي مثل المعركة المفروضة على العالم اليوم ، وليس على المسلمين فقط ، تتعدد الاصطفافات ، وتظل مفتوحة على مستوى العالم ، وفي هذا الأفق وبهذه الأخلاق يجب أن نخوض معركتنا الخلاقية اليوم . ولهذا الأفق يجب أن تسعى قيادة القوي الأمين ..

 وسنجد الكثيرين ممن سماهم أباؤهم وأمهاتهم " محمدا " يقفون في الصف المعادي لمحمد رسول الله .

وفي الوقت نفسه سنجد الكثير من الفرنسيين ومن الأوربيين ينأون بأنفسهم عن ماكرون ولفيفه من الدهماء ، بأناقة الإنسان المهذب الخلوق ... وإنه لتحد يفرض نفسه علينا ، إن كنا حقا نريد للحق والأخلاق أن تنتصر .

لقد أصبح التعايش اليوم قدر العالم ، وقربت وسائل التواصل الأوطان والناس من بعضهم . وأصبح حسن الجوار مطلبا أكثر إلحاحا . وأصبح الأخذ على يد مثيري الكراهية والشغب أولى أوليات العقلاء من الناس ..

كان من تشريع القرآن السابق ( لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِّن قَوْمٍ )

وفي معركتنا ضد الشبيحة والبلطجية حول العالم لا يجوز أن نخسر العقلاء، وكل هذا يحتاج منا - نحن المسلمين بشكل خاص - إلى ضبط وربط وحسن تنظيم وإدارة ..

عندما كانت المعركة في الدنمارك 2006 كان المطلوب من المسلمين المقيمين هناك ومن حولهم وضع خطط المعركة لكي نخرج منها منتصرين ..ومع كثرة ما شهدنا من هياج لم نحقق ذلك ..

واليوم مطلوب من المسلمين الفرنسيين والمقيمين في فرنسة وضع أسس إدارة المعركة حسب معطيات الميدان الفرنسي .

لا نريد أن يخرج الوصولي السياسي ماكرون من هذه المعركة منتصرا . وأول صورة لانتصاره أن ينجح في الدورة الانتخابية القادمة ، وذلك ما يسعى إليه .. وعلى منع تحقق هذا يجب أن تدور خطة العمل ..

لا نريد أن تبح حناجرنا بسباب ، كل المعارك لا ينفع فيها السباب ولا بيانات الشجب والاستنكار .. لعلنا نعقل

لا نريد أن نخسر تأييد العقلاء كل العقلاء حول العالم في معركة للعقل والخلق فيها أوفى نصيب ..

كتبت منذ 2006 " يوم هوجة الدنمارك يا عقلاء العالم اتحدوا ..." وما زال النداء مشروعا وواجبا . ومن عقلاء العالم يجب أن نكون ، وعلى عقلاء العالم يجب أن نعوّل ..

وحتى لا يظن أحد في هذه الدعوة الظنون ...

 فنحن مع كل دعوة مشروعة راشدة محكمة مجدية للانتصار لنبينا الكريم ، ومع كل عمل حضاري إيجابي يكون سبيلا لإعادة الحق إلى نصابه.

نحن مع الحكمة ضد الحماقة . مع الرشد ضد الضلالة . مع المحبة ضد الكراهية . مع التنظيم ضد الفوضى ...

هذه معركة قد فرضت علينا لم يكن لنا يد فيها ، ولا بد لنا فيها من قائد . في زمن عزّ فيها القادة ، ولا بد لنا فيها جميعا أن نتحلى بأخلاق الجنود ..

ويبقى السؤال مشروعا عمن يتقدم الركب...، وينظم الصفوف ..

*مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وسوم: العدد 900