أطفالنا لا يلعبون الببجي فقط

لماذا يفكّر أطفالنا بتنفيذ عمليات بطولية؟ هذا سؤال مخيف، لكنه جيد في المحصلة، لأن الجيل الجديد من هم في عمر أبنائي (10 -23) سنة، يفكرون بكيفية القضاء على هذا المحتل. أبنائي كلهم يتوقون لتنفيذ عمليات مزلزلة ضد المحتلين. أدرك تماما من أين تأتي هذه الأفكار، على الرغم من أننا وأقصد هنا الآباء والأمهات، لا نلقن أبناءنا هذه الفكرة، ليس لأننا نحب الاحتلال، لكننا ندرك أن القضاء على كيان الاحتلال وإنهاءه كليا من أرض فلسطين التاريخية (27 ألف كم مربع) هي مهمة أكبر من أبنائي وأقرانهم، إن مثل هذا العمل يلزمه جيش جرار يدك المدن دكا وينهي أيقونات الكيان كله، فيدمر ما يعرف بالكنيست، ووكر الوحشية والخوف ما يسمى بوزارة الدفاع، وتدمير مبنى الحكومة كليا، وجمع كل القيادات ولفهم في حزمة واحدة وتسفيرهم إلى مواطنهم الأصلي حيث ولد أجدادهم. أما بقية ما يعرف بالشعب، فليرحل في سفن وطائرات، وعلى العموم لن يستغرق تنظيف فلسطين من كل هؤلاء بهذه الطريقة سوى شهر على أكثر تقدير، وتعود فلسطين عربية.

بهذه الكيفية شرحت لأبنائي زوال الكيان المحتل، فقتل جندي أو ثلاثة وحتى ألف لن يزيل هذا الكيان، وضربت لهم مثلا أن يحيى عياش رحمه الله هو أكثر "مجاهد" فلسطيني أوقع في الاحتلال قتلا، لكن الجنود وكيانهم بقوا، هذا النوع من الاحتلال يلزمه قوة كاسحة لا تبقي ولا تذر، وتدمر كيانات القوة وأصولها وليس قتل الجنود. فعلميا لا أحد يستطيع قتل جنود بهذا الحجم عددا وعدة وعتاداً.

الأمر الأهم بالنسبة لي، ليس التفكير بزوال هذا الكيان، فهو زائل لا محالة، طال الزمان أم قصر، وسواء آستبدّ الجنود وتوحّشوا- كما هم دائما- أم أظهروا بعض اللين؟ المهم بالنسبة لي من أين تأتي هذه الأفكار إلى أبنائي وأقرانهم، وكيف أتت إلي وأنا في عمرهم؟

كنت كثيرا ما أحدّث نفسي بالعمل العسكري لأكيد الجنود الغاصبين وأغيظهم، وكم تمنيت لو ارتقيت شهيدا في عملية عسكرية كأحد أصدقائي الشهداء، عليه رحمة الله، وكم كنت أتمنى لو أنني أستطيع حمل السلاح والتدرب عليه، لكنت فعلت ما أود فعله وحققت أمنيتي. احتلتني هذه الأفكار زمنا، ثم لم أر لها جدوى، علينا أن نبحث عن طريقة أكثر نفعا، فأنا وأبناء جيلي وأبناؤنا لسنا فراشات تحترق على ضوء المصابيح الغازية. إننا أعظم من أن نموت برصاصة لا يساوي ثمنها شيقلا واحدا.

أدرك تماما الآن أننا أمام مفترق طرق، الاحتلال يتوحش كثيرا، كل يوم يقتل، وينكل، ويعتقل، يرى أطفالي هذه البشاعات، رأى ابني مثلا الشهيد الأخير الذي نفذ عملية القدس فادي أبو شخيدم، إن ابني يشعر بالفخر تجاه هذا المعلم، يريد أن يفعل مثله.

عمليا وواقعيا وبكل معنى الكلمة، الاحتلال يدفعنا لننفجر، فأطفالي وأطفال العالم يرون كل يوم فيديوهات تنقل فظاعات الاحتلال وإجرامه صوتا وصورةـ، إنهم يخزنون كل تلك الصور الواقعية التي تشعرهم بالحزن، ومعها تنمو مشاعر الرغبة العارمة في الانتقام.

لا بد من أن يثور هذا الجيل يوما ثورة صادمة ومدهشة ومدمرة، فالأطفال لا يلعبون "الببجي" فقط، أنا متأكد من ذلك، فهم يصنعون وعيهم بعيدا عن الكل، يبنونه بمفردهم، ولا أحد يستطيع تغيير قناعاتهم.

سينفجر هذا الجيل في وجوهنا أولا ووجه السلطة التي لم تحمه ولم تحم أقرانه الشهداء والجرحى والمعتقلين، وصولا إلى الثورة الكبرى الطاغية في وجه الاحتلال، إن هذا الجيل لا يعرف الخوف. أبشركم أنه جريء وقوي وصلب ولا يكفّ عن التفكير بالحرية والعزة والكرامة، لم تفلح المدرسة والنظام بتدجين عقله، ولا ترويض نفسيته لقبول العبودية، فعلى يديه سيكون ما لا نتوقعه جميعا.

الاحتلال وحده هو المسؤول عن ذلك باستهتاره واستخفافه وصلفه وممارساته اليومية الوحشية، يظن هذا الكيان أن السحاب الهاطل مطرا، لن يخترق سقف البيت، بل إنه سيخترق البيت؛ سقفه وجدرانه ويتسرب إلى الأساسات ليزيلها. هذا هو الجيل القادم، فاحذروا!

وسوم: العدد 958