لقطات من معاناة معتقل -11-
تحت عنوان "من تدمر إلى هارفارد" كتب الدكتور براء السراج، الأستاذ في قسم زراعة الأعضاء في كلية الطب في شيكاغو، مذكراته عن مدة اثنتي عشرة سنة قضاها في تدمر. ونسجّل هنا بعض فقرات من مذكراته الغنية، في حلقات قصيرة متتابعة:
28 تشرين الثاني 1988م:
إعدام عشرة أشخاص منهم عماد الخطيب مسؤول إنزال شباب الطليعة المقاتلة إلى سورية من تركيا بعد أحداث حماة، وسامح الأبرص وأبو أيهم شحادة، كلاهما كانا معي في فرع التحقيق العسكري بدمشق وحُوِّلنا معاً إلى تدمر. كانت الأمور في السجن تزداد سوءاً مع دخول الشتاء من قلة طعام وشدة تعذيب. بدأت ممارسات الأيام الأولى التي أعقبت افتتاح سجن تدمر إثر المجزرة تعود من استعمال لبواري الحديد في الضرب وتكسير العظام. كانت إحدى الوسائل هي استهداف قصار القامة بأمر أحدهم بالوقوف كالعادة مغمض العينين، واليدان للخلف، ثم يُمسَك السجين من الكتفين ليفتل كمغزل، مما يؤدي لوقوعه على الأرض وكسر عنق الفخذ.
19 كانون الأول 1988م:
هذه الأيام أتى رقيب جديد، وكنت أُدخِل الخبز عصراً منذ شهر، فسحبني جانباً وصفعني.. دخلتُ إلى المهجع وأنا أبتسم: "يا شباب، هاد ما بيعرف يضرب كفوف، إيده متل الريشة". اليوم أدخل من التفقّد، وكالعادة أعطيت ظهري للضرب، لكن ضربة واحدة من ذلك الرقيب جعلتني أصرخ بالمقلوب. كانت قضيباً مصمتاً من الحديد، بقيت أتألم منها لسنوات مع اشتداد البرد.
31 كانون الأول 1988م:
ساد ضرب مبرح لرؤساء المهاجع مساءً بُعيد إدخال مرقة العشاء. سقط على إثرها رئيس مهجعنا أبو حسين من حلب في غيبوبة. مع منتصف الليل توقّف قلبه، فأسرع المسؤول الصحي فيصل من حماة، وهو مختص من سويسرا، لثقب صدره بإبرة وخزت قلبه، فما كان من أبو حسين إلا أن شهق بنفس طويل وبصوت عال كمن عاد إليه الهواء بعد اختناق. عاد أبو حسين إلى الحياة بفضل حُسن تصرّف الدكتور فيصل.
وسوم: العدد 980