سوريا: الزلزال المؤقت والكارثة المستمرة
أدت الحرب التي شنّها النظام السوري على الاحتجاجات الشعبية منذ عام 2011 إلى تداعيات ديمغرافية وسياسية وعسكرية هائلة نشأت على إثرها ثلاث مناطق سيادة رئيسية، يسيطر على الأولى النظام وحلفاؤه الروس والإيرانيون، وتهيمن المعارضة السورية المسلحة والجيش التركي على المنطقة الثانية، فيما يدير حزب العمال الكردستاني، تحت أسماء «الوحدات الكردية» و«قوات سوريا الديمقراطية» وغيرها، المنطقة الثالثة مع رعاية ووجود عسكري أمريكيين.
تعرّضت بعض المدن والبلدات والقرى التي استهدفها النظام خلال عملياته العسكرية اللاحقة إلى حالات مسح وتطهير طائفي وسياسي، كما رعى النظام عمليّات إجلاء منظمة من مناطق عديدة نحو إدلب والمناطق التي تسيطر عليها المعارضة بحيث وصل عدد النازحين الداخليين في سوريا قرابة 6,5 مليون.
ارتفع عدد ساكني المناطق الخارجة عن سيطرة النظام إلى قرابة 4,5 مليون نسمة، واستقبلت تركيا قرابة 3,7 مليون منهم، فيما اتجه قرابة 1,3 مليون لاجئ سوري إلى الأردن، و850 ألفا إلى لبنان، و260 ألفا إلى العراق، ووصل رقم اللاجئين السوريين في العالم إلى قرابة 6,6 مليون، مما جعل سوريا منبع أضخم أزمة نزوح في العالم.
واجه السوريون في مناطق المعارضة والنظام، وكذلك في أراضي لجوئهم في تركيا، كارثة جديدة تمثّلت بالزلزال الرهيب الذي ضرب البلدين في وقت واحد، وهو ما رفع منسوب المآسي إلى درجة مهولة، بحيث اجتمعت المصائب واختلطت أشكالها، بين السياسي والعسكري والإنسانيّ.
استمرّت المعاناة في مناطق النظام نتيجة تسخير موارد الدولة في خدمة آلة الحرب، وتوقف الإنتاج الصناعي، وموجة الجفاف التي تضرب المنطقة، وتداعيات فيروس كورونا، وسيطرة روسيا وإيران على الجزء الأكبر من الاستثمارات السيادية كالغاز والفوسفات والكهرباء، ويضاف إلى ذلك تعنّت النظام في قبول أي حل سياسيّ، واستمرار العقوبات الأمريكية والأوروبية عليه، وانضاف اجتياح روسيا لأوكرانيا ليرفع مستويات الأسعار العالمية للحبوب والوقود.
تراجع الوضع الاقتصادي للسوريين، عموما، إلى مستويات فقر قياسية، بحيث تصدرت سوريا قائمة الدول الأكثر فقرا بالعالم، بنسبة بلغت 82,2 في المئة وصار 90 في المئة من السوريين يعيشون تحت خط الفقر، وبات أغلبهم يعيش على الحوالات الخارجية للمغتربين المقيمين في الخارج.
يعتبر وضع اللاجئين السوريين في تركيا الأفضل نسبيا، مقارنة بنظرائهم في لبنان والأردن والعراق، فهم يتمتعون بـ«حماية مؤقتة» تسمح لهم بالحصول على الخدمات الأساسية، بما في ذلك التعليم والرعاية الصحية، لكنّ هذه الأوضاع «المؤقتة» عانت من أنواع من التوتّر لعبت فيه الحملات السياسية المنظمة دورا، ولم يقتصر الأمر على «حزب النصر» المعادي صراحة للسوريين، بل صار الأمر موضوع مزايدة بين كل الأحزاب السياسية، فتعهد حزب الشعب الجمهوري المعارض بإعادة جميع السوريين إذا انتخب، وواجه حزب «العدالة والتنمية» الحاكم هذه الدعوات بمشروع «إعادة توطين» لإعادة مليون سوري.
مع استمرار ارتفاع رقم قتلى الزلزال في تركيا يفترض كثيرون أن عددا كبيرا منهم كانوا من اللاجئين السوريين، ويمثّل الزلزال كارثة كبرى جديدة تحلّ بهم، وتشير مجموعة من الأخبار إلى مظاهر عديدة للكارثة، من قبيل صعود مد الكراهية ضدهم، رغم الكارثة المزدوجة التي يعانونها، واضطرار البعض ممن فقدوا بيوتهم وأشغالهم للعودة إلى سوريا.
من جهته، استقبل رئيس النظام السوري بشار الأسد، الكارثة بسعادة ظاهرة، فهذه الكارثة الجديدة أدت لوقف العقوبات الأمريكية والأوروبية لمدة ستة أشهر، وتلقّيه اتصالات شخصية من العديد من الزعماء العرب، وارتفاع دعوات التطبيع معه، ووصول شاحنات المساعدات، التي لاحظ السوريون، بأسى، بيعها في الأسواق، أو توزيعها على الموالين، بل إن بعض من طالبوا بحصتهم من المساعدات تم اعتقالهم!
بدا الأمر، للسوريين، كأن الكارثة الجديدة التي وقعت على رؤوسهم، قد تم استثمارها، وأن الزلزال السريع الذي دفع الأرض بقوة 8 آلاف كيلومتر بالساعة، صار بضاعة جديدة للزلزال المستمر الذي يمثله النظام، والذي ما زال جاثما على صدورهم.
وسوم: العدد 1020