سأكتب هذا ولا أبالي

تخرجنا من كلية اللغات في جامعة حلب سنة 1971 وتخرج معنا أساتذة كرام كان واحدهم لا يكاد يميز فعلا من اسم..

يفاجئك بسؤال: ما معنى القطاطيب في لغة العرب، فتفكر مليا، ثم تسأله وأين قرأت هذه اللفظة؟ فيجيبك منهمرا:

في قوله: لم يترك القطاطيبُ المنام. يقصد زميلك هذا: لم يترك القطا طيبَ المنام

أو يقول لك وهو ينال من الأستاذ الذي صعّب علينا أسئلة الامتحان.. تقول له وما أصعب ما في الأسئلة عليك؟

يجيبك إن لفظة دريزينها..لم تمر عليه من قبل أبدا!! فتتأمل وتتذكر قول الشاعر: عليها عقد درٍّ يزينها..

ولا أريد أن أغرق في ضرب الامثلة المضحكات المبكيات..

بل سأخرج لأقول إن مثل هؤلاء الخريجين من كلية الآداب أو اللغات على خطورة ما هم فيه.. ستجد أمثالهم في كل فروع الجامعة العلمية من الكليات أتحدث عن عصر كان فيه العلم علما..

أعني أنك ستجد خريجين بنفس المستوى العلمي في كل الفروع: خريج من كلية اللغة العربية: يِسأل: ما أنثى الأتان؟ فيجيب مثل الطلق: الأتانة..

ستجد مثل هؤلاء في كلية الحقوق في مادة علمه، وفي كلية التاريخ في مادته، وفي كلية الطب، والطبيب صاحب السعادة، وفي كلية الهندسة، وفي كلية الاقتصاد وفي كلية التجارة، وفي.. وفي.. سأتردد ثم أقول وفي كلية الشريعة أيضا…

سأترك لخيالكم لتتصوروا تبعات وجود قاض أو محام جاهل في اختصاصه، أو تداعيات وجود طبيب جاهل في عيادته أو في مستوصفه في قلب الريف، أو مهندس جاهل، أو صيدلي جاهل.. وأخطر من كل ذلك خريج كلية شريعة يقرأ على الناس: فخر عليهم السقف من تحتهم..

لا أحب أن أفتح معركة مع أي طبقة من الناس…

ولكنه بعض الحق الذي لا يماري فيه إلا البعداء..      

مما قرأت من سيرة أحد السفيانين، أنه لم يكن يقبل تلزيم طالب علم.. حتى يمتحنه على الحِلم قالوا سنوات..

لم أعلم أن شروطا من هذا النوع فرضت على طلاب كلية الشريعة، حذرا من أن تخرج للناس مثل بلعام ابن باعوراء…

لم أكن أتحدث عن مثل هذا، كنت أتحدث عن الذي يعلم الناس اعقدوا في بيوتكم خيطين أبيض وأسود ثم انهمكوا في طعام السحور حتى تستبينوا!!

هذا هو البلاء الحق الذي تعيش أمتنا فيه، والذي عوُض فيه الناس قلة العلم بكبر العمامة، وفخامة الجبة، وسعة الأردان..

هو أخطر البلاء الذي تعيشه الأمة اليوم: وأسمع أحدهم وهو يفتي على فضائية

لقد تعبدنا الله بتوحيده ولم يتعبدنا بالعيش في فلسطين وغزة.. فيشرع لأهل فلسطين وأهل غزة الهجرة من ديارهم وتركها للعدو الغاصب المحتل…

بل لعل الأخطر من الخطأ في نفس الأمر، الخطأ في تقدير أوليات الأمر..

فريق منا اليوم يشغل جماهير المسلمين في الصراع حول شخص ابن تيمية وشخوص ناقديه، وبعضهم تمادى فبدا له الإمام النووي كان مبتدعا..

شخص يجلس على عرندس الفضائية فيفتي من لم يتوضأ بهذه الطريقة فلا وضوء له، وصلاته باطلة!!

أريد أن أتجاوز هذا لأعود فأقول، إن كثيرا من العناوين الشرعية، والشعارات الدعوية، قد تمت صياغتها؛ أو توظيفها بطرائق قددا يخرج الكثير منها عن الجادة إلى الحادة حتى هلكنا وأهلكنا…

سأعتبر هذا المقال مقدمة لمقال أسأل الله أن يعين عليه، وأن يؤتيني في معالجته رشدي.. حيث سأحاول التمييز

بين قرار الحرب.. وخطاب الحرب. بين شعارنا: إحدى الحسنيين نصر أو شهادة.. وبين ظن بعضهم أن قيمة دمائنا عندنا كدلو ماء نهرقه كلما عنّ لبعضهم تبريد المكان…

مراجعة وعن سورية وحدها سأتحدث..

*مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وسوم: العدد 1116