الرافعي.. يرد على الحملة الإعلامية المسمومة بمصر
الرافعي.. يرد على الحملة الإعلامية المسمومة بمصر!!
مخلص برزق*
[email protected]
في الأوقات الحاسمة التي تمر بها أمتنا
لا يسعنا إلا أن نتلفت يمنة ويسرة، ننظر بامتنان للفئة المتفاعلة مع قضايا أمتها،
الحاضرة دائماً ببذلها وجهدها وجهادها، المنافحة عن حقوقنا المستباحة بما تملكه من
وسائل متاحة ولو بكلمة حق صادح تقرع آذان الغافين الغافلين المتثاقلين.. وتثبت
القابضين على الجمر وتزيل عنهم وحشة طريق قل سالكوه..
وننظر نظرة عتب للمتردد أن أقدم
والهامد أن تحرك والنائم أن استيقظ..
وفي الوقت الذي يغطي الزبد الفارغ صفحة
مياه النيل الصافية الرقراقة، ويعلو صوت النباح على صوت البلابل، وتصم فضاء مصر
أصوات السفهاء.. فإننا لا نملك إلا أن ننحاز إلى الأصالة المتجذرة في أرض الكنانة،
فمهما حاول الطارئون عليها من أصحاب الأقلام المستأجرة والأبواق الناعقة المستوردة،
فإنهم لن يغطوا على حقيقة أنهم لا يعبرون أبداً عن ضمير الشعب المصري الأصيل، وأنهم
لا يسيئون بكتاباتهم إلا إلى أنفسهم، وأنهم إنما يسودون وجوههم بسخام أقلامهم،
ويعفرون رؤوسهم بما يثيروه من غبار الفتنة والوقيعة بين شعب واحد قدر له أن يحيا
متجاوراً متآخياً في مصر وفلسطين!!
في مثل تلك الأوقات لا نملك إلا أن
ننحاز لمصر الحقيقية بعظمائها الذين رحلوا عنا وما زالت آثارهم وكلماتهم تدافع عن
كرامة مصر وأصالتها وشهامة أبنائها.. لا نملك إلا أن نتذكر قمماً شماء جادت علينا
بدرر لا ينطفئ بريقها ولا يخبو شعاعها.. اخترت منها إمام البيان مصطفى صادق الرافعي
ودرته النفيسة "وحي القلم" لأقتبس منه صفحات مضيئة خطها بكلمات من نور كانت وستبقى
نبراساً للصادقين المخلصين..
وللقارئ الكريم أن يمحص في تلك الكلمات
ويقف عندها ملياً ليشعر بذات الشعور الذي انتابني أنها كلمات نابضة خطها كاتبها
بمداد مزج فيه حرقة قلب متألم مع نصح رجل واثق بربه وإسلامه، مبغض لأعداء دينه
ووطنه، مع صدق وشجاعة، وعاطفة جياشة، وجرأة ودراية، وحسن توصيف للداء ودوائه،
وتفريق بين أعداء الله وأوليائه.
ولله دره فإنه بكلماته يخرس أصحاب
الحملة المسمومة على أهل غزة وقيادة حركة المقاومة الإسلامية حماس ويلقمهم حجراً
بدفاعه عن نهج المقاومة على أرض فلسطين الذي كان وما يزال وسيبقى السبيل الوحيد
لانتزاع حقوقنا المغتصبة وتحرير أرضنا الطاهرة من أيدي المعتدين.. وللقارئ أن يقف
عند عبارته " كل ما يبذله المسلمون لفلسطين، يدل دلالات كثيرة، أقلها سياسة
المقاومة".. ثم يقارنها بالدعوات الهزيلة الماكرة التي يروجها أهل الوهن والاستسلام
للصهاينة والأمريكان بضرورة نبذ المقاومة وشن حرب شعواء على وسائلها المختلفة من
صواريخ قسامية وعمليات استشهادية..
إنها كلمات تبعث بالفخر والاعتزاز لكل
مصري أن تنسب إليه، وتداوي جراح كل فلسطيني اعتدي عليه.. كلمات تجمع ولا تفرق، توحد
ولا تشتت، تبني ولا تهدم، تبث القيم النبيلة، وتعزز الأخلاق والفضيلة وما عليك أيها
القارئ الكريم إلا أن تسارع لاقتناء ذلك السفر القيم "وحي القلم" وتستخرج تلك
اللؤلؤة المكنونة في جزئه الثاني والتي اقتبست منها ما يلي:
أيها المسلمون!
أيها المسلمون! ليست هذه محنة فلسطين،
ولكنها محنة الإسلام؛ يريدون ألا يثبت شخصيته العزيزة الحرة. كل قرش يدفع الآن
لفلسطين، يذهب إلى هناك ليجاهد هو أيضاً.
أولئك إخواننا المجاهدون، ومعنى ذلك
أن: أخلاقنا هي حلفاؤهم في هذا الجهاد.
أولئك إخواننا المنكوبون؛ ومعنى ذلك:
أنهم في نكبتهم امتحان لضمائرنا نحن المسلمين جميعا.
أولئك إخواننا المضطهدون؛ ومعنى ذلك:
أن السياسة؛ التي أذلتهم تسألنا نحن: هل عندنا إقرار للذل؟
ماذا تكون نكبة الأخ إلا أن تكون اسماً
آخر لمروءة سائر إخوته، أو مذلتهم؟
أيها المسلمون! كل قرش يدفع لفلسطين،
يذهب إلى هناك؛ ليفرض على السياسة احترام الشعور الإسلامي.
"أجهلتم الإسلام؟ الإسلام قوة كتلك
التي تُوجد الأنياب والمخالب في كل أسد.
قوة تخرج سلاحها بنفسها؛ لأن مخلوقها
عزيز، لم يوجد ليؤكل، ولم يخلق ليذل.
قوة تجعل الصوت نفسه حين يزمجر، كأنه
يعلن الأسدية العزيزة إلى الجهات الأربع.
قوة وراءها قلب مشتعل كالبركان، تتحول
فيه كل قطرة دم إلى شرارة دم.
ولئن كانت الحوافر تهيئ مخلوقاتها؛
ليركبها الراكب: إن المخالب، والأنياب تهيئ مخلوقاتها لمعنى آخر.
لو سئلت ما الإسلام في معناه
الاجتماعي؟ لسألت : كم عدد المسلمين؟
فإن قيل ثلاثمئة مليون. قلت : فالإسلام
هو الفكرة التي يجب أن يكون لها ثلاثمئة مليون قوة.
أيجوع إخوانكم أيها المسلمون، وتشبعون؟
إن هذا الشبع ذنب يعاقب الله عليه.
والغنى اليوم في الأغنياء الممسكين عن
إخوانهم، هو وصف الأغنياء باللؤم، لا بالغنى.
كل ما يبذله المسلمون لفلسطين، يدل
دلالات كثيرة، أقلها سياسة المقاومة.
كان أسلافكم أيها المسلمون يفتحون
الممالك فافتحوا أنتم أيديكم..
كانوا يرمون بأنفسهم في سبيل الله غير
مكترثين، فارموا أنتم في سبيل الحق بالدنانير، والدراهم.
لماذا كانت القبلة في الإسلام إلا
لتعتاد الوجوه كلها أن تتحول إلى الجهة الواحدة؟
لماذا ارتفعت المآذن إلا ليعتاد
المسلمون رفع الصوت في الحق؟
أيها المسلمون! كونوا هناك. كونوا
هناك. مع إخوانكم بمعنى من المعاني.
لو صام العالم الإسلامي كله يوماً
واحداً، وبذل نفقات هذا اليوم الواحد لفلسطين؛ لأغناها.
لو صام المسلمون كلهم يوما واحدا
لإعانة فلسطين؛ لقال النبي مفاخرا الأنبياء: هذه أمتي!
لو صام المسلمون جميعاً يوماً واحداً
لفلسطين لقال اليهود ما قاله آباؤهم من قبل: إن فيها قوماً جبارين.
أيها المسلمون! هذا موطن يزيد فيه معنى
المال المبذول، فيكون شيئاً سماويا.
كل قرش يبذله المسلم لفلسطين يتكلم يوم
الحساب، يقول: يا رب ! أنا إيمان فلان.
* كاتب فلسطيني مقيم في دمشق.