التثقيف الأمني مطلب ديني ووطني
هنادي نصر الله
[email protected]
لا تتوانى"إسرائيل"في البحث عن طرق ووسائل من شأنها أن تُحدثَ شرخًا في المقاومة
الفلسطينية تمهيدًا لإخماد جذوتها المشتعلة باستمرار.
"إسرائيل"لا تعتمد في ذلك على قدراتها العسكرية وأجهزتها الإستخبارية فحسب،بل تسعى
جاهدةً لتجنيد أكبر عددٍ من العملاء الذين يسكنون الأراضي الفلسطينية المحتلة بغيةً
مساعدتها في الحصول على أكبر كمٍ معلوماتي عن المقاومة ورجالها وتجمعاتها
ومخططاتها؛تمهيدًا لملاحقتها ومطاردتها ومن ثم استخدام طائراتها الحربية؛لتصفية
نشطائها وهو ما تعودنا عليه في إنتفاضة الأقصى على وجه الخصوص.
عدا عن ذلك فإن"إسرائيل" تستغل ضائقة بعض الفلسطينين المالية جراء الأوضاع
الإقتصادية الصعبة التي تعصف بهم،كما تستغل حاجة بعض الشباب الفلسطيني للسفر إلى
الخارج طلبًا للعلم أو بحثًا عن الرزق والأشنع من ذلك أنها تستغل حاجة بعض المرضى
الذين يتلقون العلاج في مشافيها حيث يتم مساومتهم وابتزازهم من خلال"العلاج مقابل
العمالة"!
علاوةً على ذلك فإن تحكمها المباشر وغير المباشر في حركة المعابر تسهلُ عملية
الإسقاط والإبتزاز والمساومة.
إزاء هذه الأساليب"الإسرائيلية"المبرمجة والهادفة إلى القضاء على النسيج الإجتماعي
والسياسي والوطني والأخلاقي لدى الشعب الفلسطيني؛فإن البحث عن الأسباب التي تجعل
الشاب الفلسطيني لديه قابلية على ممارسة العمالة من الضرورات الملحة للغاية لاسيما
وأن العمالة تأخذ أشكالاً فظيعة حيث تبدأ بجمع المعلومات ورصد ومتابعة
الأحرار،مرورًا بارتكاب أعمال الزنا واللواط والمتاجرة في المخدرات وترويج
الممنوعات إلى الخدمة العسكرية في الدوريات أو داخل غرف العصافير،وحتى تزعم شبكات
الإسقاط وغيرها من أساليب العمالة المقيتة والمخّلة بسمعة وجهاد شعبنا.
إن نظرةً فاحصةً وتأملية لحالة بعض الشباب الذين تورطوا في العمالة
مع"إسرائيل"تجعلنا نُجزم أن أهم الأسباب التي دفعتهم لبيع أوطانهم وضمائرهم هي
كالتالي"التنشئة الإجتماعية التي تعتبر من أهم العوامل المؤثرة في اتجاهات
الفرد؛فبدون أدنى شك إن الإنحراف الأخلاقي يُمثل مقدمةً بديهيةً لمنهجية السقوط
الأمني فمن يفقد شرفه وعفته وينتهك حرمات الآخرين يسهُل عليه كل شيء بعد ذلك لتحقيق
المزيد من هوى النفس!.
كما أن البساطة الذهنية كتدني المستوى العقلي أو التحصيل العلمي تجعل المواطن يخفقُ
في التمييز بين الخطر الأمني المؤقت والخطر الإستراتيجي الدائم،حيث يستسلم لوعود
ضابط الإستخبارات"الإسرائيلي"ويُصدق تضليله المبرمج؛فيغيب عن باله العداء المتأصل
في نفوس"الإسرائيليين"تجاه الفلسطينين.
علاوةً على ذلك فإن ضعف المحصلة المعرفية بطبيعة "إسرائيل"التاريخية والسياسية
والدينية من أقوى الأسباب التي تجعل الشاب أسيرًا للعمالة.
كما أن غياب النظرة المستقبلية للفرد وشعوره بقلة العزيمة وافتقاره إلى الهدف
الواضح والصريح،تجعله عُرضةً لغريزة الجشع والطمع خاصةً بعدما يُأمله رجل
الإستخبارات"الإسرائيلي"بالغنى السريع إذا ما استجاب لكل ما يطلبه منه ودونما أي
تردد؛فيصبح العميل على استعداد لأن يضحي بكل شيء في سبيل الغنى وتحقيق المال.!ّ!
بعد كل هذه الأسباب لابد وأن نعترف بأن التثقيف الأمني مطلب مجتمعي ووطني
وديني،وهذا لن يتم إلا إذا تضافرت كافة الجهود بدءًا من الندوات الأمنية التوعوية
في المساجد والمدارس والجامعات والأندية ووسائل الإعلام ومؤسسات المجتمع المدني
بكافة أنواعها وتوجهاتها بحيث تكون هذه الندوات وورش العمل التوعوية جزء استراتيجي
لا يُمكن الإستغناء عنه في مواجهتنا مع الإحتلال"الإسرائيلي".
فمصلحة الوطن وحريته تتطلب من قادة المجتمع ونخبه وضع خطة أمنية توعوية تُمكن
الفلسطيني الذي يتعرض للإبتزاز"الإسرائيلي"من الوقوف أمام محاولات إسقاطه بصلابة
فيُبرك خصمه ولايرتبك ويُضعفه ولا يضعف أمامه؛فلا يكفي معاقبة من خان وطنه وشعبه؛بل
يجب تحصين المجتمع كل المجتمع من أساليب العمالة والإسقاط البشعة.
وأخيرًا لابُد وأن نُسلِّم بأن"العمالة"هي ضريبة الجهاد والمقاومة؛فالجزائر بلد
المليون شهيد وثائر أحرق فيها الثوار قرى كاملة للعملاء،كما أن المنافقين كانوا في
عهد الرسول صلى الله عليه وسلم ولن تنقطع آثارهم السيئة حتى يوم القيامة،ومع هذا
أقول"باستطاعتنا أن نُحارب العمالة لو تضافرت كل الجهود وفكرنا في الحلول،وعملنا
بقول الرسول صلى الله عليه وسلم"كلكم راعٍ وكلكم مسئول عن رعيته"مع ضرورة التنويه
أن موضوع التثقيف الأمني لا يهم الفلسطينين وحدهم بل يهم كل دولة ترزح تحت نير
الإحتلال سواء كان هذا الإحتلال احتلالاً اقتصاديًا أو فكريًا أو عسكريًًا أو غيره.