تمتمة " فى جنازة الفقيد د. عبد الكريم الهيتى

أ.د. محمود السيد داود

" تمتمة " في جنازة الفقيد

د. عبد الكريم الهيتى

أ.د. محمود السيد داود

أستاذ السياسة الشرعية المشارك

بجامعة البحرين وجامعة الأزهر

[email protected]

على الرغم من أنى لم أعرفه إلا بعد التحاقى بجامعة البحرين منذ ثلاثة أعوام فقط، إلا أن القلوب والأرواح والأفكار كانت متلاقية متلاحمة، وكأن ما عندى كان يعرف ما عنده منذ عقود . لقد كان الدكتور عبد الكريم الهيتى كالنسيم العليل الذى يتسرب إلى القلوب والأعماق دون أن يشعر به أحد، وكالزهر الجميل الذى لا يغادره ندى الصباح أو وضاءة الوشاح، رغم ما كان يحمله من آلام وهموم أمته الإسلامية وبلدته العراقية. وبروحه المرحة لكأنه كان لا يعبأ بآلام الحاضر ، ويرى الحاضر وينظر إليه على أنه ومضة وجيزة منصرمة لا محالة ، كلحظات الظلمة الحالكة التى يعقبها نهار طويل مضيئ أو صباح مشرق جميل.

كنا نشعر بدفء الحديث معه لما يحمله من حب ، ولما تحمل له الأشياء من حوله من حب، لا يقف فقط عند حد زملائه وإخوانه ، بل كنا نشعر بأن الثوب الذى يلبسه يحبه، والبيت الذى يسكنه يحبه، والكلمة التى يقولها تحبه، واللقمة التى يأكلها تحبه، والكتاب الذى يحمله يحبه، والمكتب الذى يجلس فيه يحبه، والقلم الذى يكتب به يحبه، حتى ونحن نسلمه إلى قبره الذى ضم جثمانه وعظامه، ومثواه الأخير، بما فيه من رمال باردة وتربة حانية تحت هاتيك الشجرة المظلة ، لكأنه سعد به وأحبه.

ونحن نشيعه تذكرت إكرامه وبذله للإخوان والزملاء والضيوف، يوم أن دعانى إلى ما ئدة الإفطار بصحبة شيخى د. عبد ربه عبد اللطيف زميله فى القسم بالكلية وثلة من إخوانه ومحبيه العراقيين ، منذ خمسة أو ستة أسابيع فقط، وقفذت إلى ذهنى صورته التى امتلأت ترحابا وبشرا وحفاوة لمن يقدم عليه فى بيته، فاقتربت من جثمانه ورحت أخاطبه فى نفسى كما كنت أخاطبه من قبل، وصرت أتمتم أو أهمهم وأوجه الحديث له قائلا : يا أخى يا عبد الكريم لقد كان لك من اسمك نصيب ، لقد كنت لله عبدا ، وكنت معنا كريما، يا أخى يا عبد الكريم: يكفيك أنك ظللت حتى جئت لله مولاك عبدا، وسيظل الله معك كريما ، يا أخى يا عبد الكريم: لو نزلت على اليوم ضيفا وأنا العبد الفقير الذليل لأكرمتك، لو نزلت على اليوم ضيفا لأجلستك حيث تحب ، ولأسمعتك ما تحب، ولأطعمتك مما تحب ، ولهششت لك وبششت، وعملت على إسعادك وراحتك، لكنك اليوم نزلت على أكرم الأكرمين وأرحم الراحمين، وأحسن المحسنين، الواسع فى الفضل والعطاء والجود والسخاء، ظنى ـ والله عند حسن ظن عباده به ـ أنك ستكرم بما يناسب قدر الله وقدرته، لأنك كنت فينا كريما قدر وسعك وقدرتك.

يا أخى يا عبد الكريم: أعتذر لأبى الطيب المتنبى لأنى سأستعير أبياته وشعره فى فقدك، بعدما قالها فى فقيده، لأن فقيده ليس بأعز من فقيدنا ، ولأنى لست أقوى على رثائك الآن بشعرى، ولأن فقدك كان فيه العظة البالغة والموعظة المؤثرة ، ولأننى أرى فيك الآن نفسى وكأنها حملت على الأعناق بعدما داهمها الموت، فأنا أكابد حر الاغتراب عن الأهل وأولى الآرحام والصحاب، كما كنت تكابد، وأحاول الالتزام بالمنهج كما كنت تسير، وأود أن أنتفع من فرصتى بعد رحيلك ، وأحظى بحسن الخاتمة مثلك، ويا له من أمل أسأل الله أن يمنحنى شرفه.

يا أخى يا عبد الكريم لكأن ما قاله المتنبى ـ الذى أستعيره لك ـ قاله فى أمثالك:

إنـى لأعـلـم والـلبيب iiخبير
ورأيـت  كـلا مـا يعلل iiنفسه
أمـجـاور الديماس رهن iiقرارة
ما كنت آمل قبل نعشك أن iiأرى
ما كنت آمل قبل دفنك فى الثرى




أن الـحياة وإن حرصت iiغرور
بـتـعـلـة  وإلى الفناء يصير
فـيـهـا الضياء بوجهه iiوالنور
شـمسا على عنق الرجال iiتسير
أن  الـكواكب فى التراب iiتغور
رحمك الله يا أخى يا عبد الكريم رحمة واسعة ، وأسكنك فسيح جناته، وأبدلك الله دارا خيرا من دارك، وأهلا خيرا من أهلك، وألهم أهلك وذويك الصبر والسلوان .