الثقافة , حاجة الضرورة وادعاء الترف
أحمد توفيق
"الثقافة منهج أساسي للتقدم الاجتماعي والاقتصادي " جون ديوي
بعيدا عن التثريب وتوزيع صكوك الغفران لأي من كان تلكم هموم وهواجس استفضنا بها وأسهبنا بشرح أسبابها ومركباتها كمرحلة طالت ولا رياح للتغيير أنا وصديق يعيش في غياهب الاغتراب اثر حالة الإقصاء والتهميش التي يعانيها كمبدع بحق وبشهادة أصحاب الاختصاص.
الثقافة لغة هي الحذاقة والفهم .
واصطلاحا هي مجمل أشكال الحياة من مأكل وملبس وسلوك وعادات وتقاليد .
ولكل مجتمع ثقافته الخاصة وهي تتخذ في لحظات معينة خندقا يتخندق به المجتمع للحفاظ على هويته والذي يعد احد أشكال المواجهة الحضارية وتأخذ معنى التعبير في الإصرار على غريزة البقاء الجماعية.ألم يقل احدهم بأن الثقافة زينة في الرخاء وحصن في الفقر .
عبر التاريخ لم تذكر الأمم إلا بمثقفيها فالإنتاج الثقافي هو الحارس الأمين على هوية المجتمع وذاكرته الجماعية وإبداعات المثقفين ونتاجهم عمل يرتقي إلى مصافي الشرف الإنساني ويسمو إلى علياء الاعتزاز بالذات والانا الجماعية كصقل وصيانة وترسيخ لهذا الوجود الجماعي فكيف وان كان هذا الوجود مهدد أصلا ؟
فالثقافة ضرورة ومكون أساس في المجتمع وحصنه المتين وليس كما يرى البعض ترفا استثنائيا وبذخا نخبويا فويل للأمم إذ ما سلمت بذلك, حتما ستذهب ريحها وتصير زبدا.
إن الناظر في المشهد الثقافي المحلي ليعتصر قلبه ألما على ما هي عليه الأمور من تسطيح للثقافة والاستنكاف عنها ذلك أن مثل هذا يرادف عبث الجهالة واسترخاء البلاهة وامتهان الهباء ديدنا.
نحن بحاجة إلى ثقافة جادة ترتقي إلى مستوى وجودنا و كياننا بكل ما تعني الكلمة من ضرورة بعيدا عن حسابات لا محل لها في التاريخ إذ ما قورنت بوجودنا كجماعة بإبعادها المرحلي والتاريخي والتأريخي ,لن يرحم التاريخ قوما أهملوا ثقافتهم .
هنا يرشقنا كياننا بالسؤال الثقافي لنقف أمام أنفسنا في زخم العولمة وصخب الاستهلاك وما نحن فيه ويحتم علينا الإجابة بلا مواربة وبعيدا عن الهلامية هل حقا قطعت الشعرة التي تربطنا بالثقافة والمشكوك في وجودها أصلا أم أننا أمام مجرد إيهام بانا نولي الثقافة حقها؟
إن شئنا أن نجسد كينونتنا هذه فلزام علينا الاعتراف أولا بانا مقصرون بل مغيبون لثقافتنا سواء ندري أم لا ندري.
مع عظيم التقدير لكل الخطوات الشحيحة التي تصبو إلى الارتقاء بالشأن الثقافي في على المستوى القطري إلا أن المشهد لا زال دون الحاجة .
السؤال الثقافي يفضي إلى السؤال الأخلاقي وبالتالي أين الفعاليات والنشاطات الثقافية لدى جماعة تتغنى صباح مساء بالوجود وأهمية تدعيم عوامل هذا الوجود ؟ أكاد أرى مدننا خاوية الوفاض الثقافي وهجرها الوقار علما بان هنالك مبدعون تتجاوز قدراتهم المحلية والقطرية بل الإقليمية إلى العالمية ,نعم هم هنا بيننا وينتسبون لنا ,فمن المؤلم أن اسمع من احدهم بان أجنبية قالت له أنت ليس كما عرفت نفسك عربيا, أنت منا وعندما رد عليها بلباقة "شكرا على رأيك ولكن لا أريد هذه القبعة التي البستيني إياها" ردت قائلة " إني أغار عليك وأودك أن تكون منا ", أليس هذا عار بحقنا كمجتمع ومسئولين ينتسب إليهم هذا المثقف ويمثلهم ومشغول بهمهم وبسؤال بوجودهم .
ينظر إلى المكان ويعتد به من خلال واقعه الثقافي, هل تولي أماكن وجودنا أهمية لهذا الاعتبار؟ أم أنها غدت عالم من لافتات خداعة وبهرجة أضواء استهلاكية وأزقة أشباح بالمفهوم المعنوي خالية من الروح العربية والإسلامية.وحدها تصدح المآذن!.
لكل مدينة أو قرية روحها ونكهتها بالمدلول الثقافي حتى تلك التي في أدغال أفريقيا ,هل حقا لمكاننا ملامح ثقافية يتشرف بها وحضور أدبي أو نشاط فني ينصفه.
غدت مدننا أو بعضها تماما مدن ملح ولا تعدو كونها مدن الاستشراق التي صورها المستشرقون مدن اتكالية سطحية واستهلاكية ولم يجرؤ أولئك المزيفون على رسم هذه الصورة إلا لغياب الثقافة ونشاطاتها وفعالياتها. حتما ذلك لا يرضي الغيورون على ثقافتنا.
من هنا وجب على كل القائمين على الشأن الثقافي إعادة النظر في المشهد برمته والعمل على إعطاء الموضوع حقه وايلاء الثقافة قدرها من إقامة للأمسيات الثقافية والندوات التي ترتقي إلى المستوى المطلوب وتقنين الإنتاج الضحل واستضافة الأدباء والاستفادة من تجارب ذوي الشهادات العليا ودمج الأكاديميون في الشأن العام وتوقير أئمة المساجد وإشراكهم في النشاطات الثقافية وإفساح المجال أمام الأقلام الواعدة وتشجيعها وإقامة مكتبات عامة تليق بمكانة وحجم مدننا ومراكز الوجود العربي في بلادنا والمبادرة إلى عقد دورات في التنمية البشرية والإرشاد وما ذلك علينا بعسير إن أردنا .
دمتم بخير