تارك الشورى مثل تارك الصلاة
الشيخ راشد الغنوشي
إستانبول- "الفقهاء تجادلوا في إيمان تارك الصلاة ولم يتجادلوا في إيمان تارك الشورى".. عبارة وردت في الورقة التي قدمها الشيخ راشد الغنوشي بعنوان "البعد الاقتصادي للشورى" في الدورة التاسعة عشرة للمجلس الأوروبي للإفتاء والبحوث، والمنعقد في مدينة إستانبول التركية.
الغنوشي أكد أن الشورى بدأت مع خلق الإنسان، وأنها من مقاصد الشريعة العامة الثابتة بالنص القرآني والممارسة النبوية، وأنها أوسع من أن يستدل عليها بنصوص محدودة، لاسيما أن أكبر حملة في القرآن الكريم كانت ضد فرعون، باعتباره رمزا للاستبداد السياسي وعلى قارون باعتباره رمزا للاستغلال الاقتصادي.
وتندر الغنوشي أن تعد بعض رسائل الدكتوراه في الدراسات الإسلامية عن صلاة الوتر، ويهمل أمر الشورى في الدراسات العلمية.
غمط الشورى
وأرجع الغنوشي هذا الغمط الذي تعرضت له الشورى في الخبرة الإسلامية، إلى ضغط الواقع على المسلمين، وتحول الخلافة إلى ملك عضوض خانق للأنفاس الحرة والشورية، وهو ما أوجد تضخما في الاهتمام بالفقه التعبدي على حساب الفقه السياسي.
وبالتالي -حسب الغنوشي- لم تحظ الشورى باهتمام معتبر من الفقهاء، بل إن بعض الفقهاء أخذ يمارس دورًا في شرعنة حكم المتغلب، وبعضهم خاض جدلا عقيما حول مسألة إلزامية الشورى للحاكم.
وأكد الغنوشي أن التجربة الغربية على المستوى السياسي استطاعت أن تنقل الشورى من حيز الموعظة إلى حيز الممارسة الفعلية في الواقع الاجتماعي والسياسي، وأنها أوجدت قدرا من الآليات لتفعيل الحياة الديمقراطية.
الضمان الاجتماعي
وأوضح الغنوشي أن الرؤية الإسلامية ربطت بين الضمان الاجتماعي وبين ممارسة العمل السياسي، حيث تعددت في التجربة الإسلامية المؤسسات التي تحقق قدرا من الضمان بالنسبة للفرد، فعقيدة الإسلام القائمة على التوحيد هي أساس التصور الاجتماعي، والتي تأبى أن تتغول فيه الدولة على حساب الفرد والمجتمع.
وأكد أن الرؤية الإسلامية حرصت على تحقيق قدر من الاستقلال للفرد والمجتمع عن السلطة السياسية القائمة، من خلال مجموعة من المؤسسات الشعبية المستقلة عن السلطة، ومن بينها مؤسسات التعليم والتعبد والأسرة والعشيرة.
بالإضافة إلى المؤسسات الاجتماعية الشعبية التي يمولها الشعب عن طريق مؤسسة الوقف التي كانت أعظم الإبداعات المؤسسية للحضارة الإسلامية، والتي بلغت من الاتساع ما جعلها تستوعب كثيرا من الملكية في بعض المجتمعات.
وضرب الغنوشي المثل بمصر وتونس والتي بلغت فيها ممتلكات مؤسسة الوقف ما يقرب من ثلث الملكية في كلا البلدين، واعتبر هذه الأوقاف سندا للمجتمع في تحقيق استقلاليته عن السلطة، وتحقيق قدر من التوازن معها في الكثير من الفترات التاريخية.
وأكد أن الاستعمار الغربي كان يدرك أهمية المؤسسات الشعبية وعلى رأسها الوقف في تحقيق قدر من الاستقلال للمجتمع عن الدولة والسلطة القائمة، ولذلك قام بعمليات تخريب ونهب لهذه الأوقاف، وتدمير لعدد من المؤسسات الشعبية التي كانت قائمة في المجتمعات الإسلامية.
ويرى أنه نهج سارت عليه بعض الأنظمة الشمولية في المجتمعات الإسلامية، والتي قامت بعمليات تأميم للأوقاف الإسلامية، وهو ما أضعف المجتمع في مواجهة السلطة الشمولية.
من أجل الفقراء
وأكد الغنوشي أن الدين في الرؤية الإسلامية ذو تعريف اجتماعي، وأن الإسلام هو الدين الوحيد الذي شن حربا من أجل الفقراء، عندما منع المرتدين في جزيرة العرب الزكاة، ومن ثم فهناك تلازم بين الرؤية السياسية والاقتصادية في الإسلام.
وأوضح أن الاستخلاف في المال كالاستخلاف في الحكم، بمعنى أنه وفقا لنظرية الاستخلاف فإن كل خروج للمال أو الحكم عن مقاصد الشريعة أو مصلحة الجماعة هو تصرف مردود يقتضي نصحا وإرشادا، فإن لم يجد فالعزل والإبعاد.. حسب تعبيره.
وعلل قائلا: "لأن الرؤية الإسلامية تعتبر المال له وظيفة اجتماعية، وأن تصرف الجماعة في أموال الأفراد يمكن أن يتجاوز مقادير الزكاة إلى ما يزيد عن حاجة الأفراد عن اقتضاء الحاجة، وبالتالي لا معنى للشورى إذا كان المال يتم تداوله في جماعة قليلة من الذين يحتكرون رؤوس الأموال والاستثمارات"..
وأكد الغنوشي أنه من الصعب تصور إمكانية قيام مشاركة في السلطة السياسية مع استمرار السيطرة المالية بين فئة محدودة من الناس في شكل احتكارات كبرى، وفي ظل هذه الاحتكارات المالية تغيب المشاركة السياسية الحقيقية.
وأوضح أن اتساع المشاركة السياسية يقتضي اتساع نظام المشاركة في الحياة المالية، ويقتضي مشاركة في القرار السياسي والاقتصادي على غرار إدارة الشركات التعاونية، بحيث لا احتكار في قرار الإدارة ولا ظلم في أنصبة الربح والخسارة.. فلا معنى لإيمان لا ينتج عملا، ولا معنى لعقيدة التوحيد إن لم تثمر مجتمع العدل والشورى.
الشورى الوعظية
وقد عقب الشيخ سالم الشيخي عضو المجلس الأوروبي للإفتاء والبحوث على ورقة الغنوشي قائلا: "لقد بقيت الشورى موضوعا وعظيا في خبرتنا الإسلامية، وهو ما يفرض على العلماء اليوم ألا يطرحوها بطريقة وعظية، بل لابد من إخراج القيم من الحيز النظري إلى الحيز التطبيقي، وهو أمر نجح فيه الغرب من خلال البعد الإداري في التخطيط، حيث خلق قناعة بأهمية المشاركة ثم نقل القناعة إلى حيز الإجراءات، وأوجد قدرا من المكافأة والثواب والعقاب على المخالفة، وأوجد نظاما للمراجعة والتقويم".
وعقب القرضاوي بالقول إن القيم الإسلامية متشابكة بحيث لا نستطيع أن نفصل قيمة عن أخرى، وإن الاقتصاد لا ينفصل عن الشورى؛ لأن الإسلام يرفض النظرة التجزيئية للأمور؛ فالشورى من خصائص المجتمع المؤمن.
- نقلا عن موقع اسلام اون لاين بتاريخ 2 جويلية 2009