بغية أمير المؤمنين
عدنان عون
في تاريخ الأمم رجال خالدون عظما م ،عرفوا بمكارمهم وعظيم مواقفهم ، وكانت لهم بصمات واضحة المعالم ، وأياد كثيرة الخير والعطاء .وفي تاريخ أمتنا من هؤلاء الرجال كثيرون ، كانت لهم مواقف عجيبة وكبيرة ، في المروءة والوفاء والكرم والبطولة.
وهذا موقف من مواقف المروءة ، لرجل من رجالات العرب والإسلام ، خلده التاريخ، وأبقى لاسمه دوياً في صفحاته، فلا يذكر الرجل إلا بالإجلال والإكبار.
إنه معن بن زائدة ، وموقفه صورة من صور المروءة ، التي يعتز بها من نشأ في ظلال العروبة والإسلام.
جاء في سير الخلفاء ، أن المهدي العباسي ، أخبر عن رجل من الكوفة ، لا يألو جهداً في الإفساد والتحريض على الخلافة ـ ويالها من جريمة ليس لها عند الملوك والسلاطين إلا القتل ـ فنذر المهدي دمه ، وجعل لمن تمكن منه أودلّ عليه مئة ألف درهم.
أغرت الجائزة الكثيرين ، ولكن كيف السبيل إلى الرجل ؟ وقد ظل ـ على خوف وترقب ـ متوارياً زمناً طويلاً . حتى شاء القدر ، فأخرجه ذات يوم إلى بعض طرقات بغداد ، فإذا برجل كوفي ، يأخذ بمجامع ثوبه ، ويصرخ : أنت ـ والله ـ بغية أمير المؤمنين ، ولا سبيل إلى فرارك مني .. وبينما هما على تلك الحال ، أبصرالمطلوب معن بن زائدة ، فقال:أجرني أجارك الله . فقال معن : ما شأنك بالرجل؟ فقال الكوفي : بغية أمير المؤمنين ، وقد نذر دمه . فقال معن لغلامه : احمل أخانا على دابتك. فصرخ الكوفي : وكيف تحول بيني وبين من يسوق إلي جائزة أمير المؤمنين؟ قال معن : اذهب فأخبر أمير المؤمنين بأنه عندي . ولم يتريث الرجل بل ذهب وأخبر المهدي بما فعل معن.
أمر المهدي بحبس الكوفي ، وأرسل في طلب معن .. أوصى معن أهله بضيفه ، وحذرهم أن يصل إليه مكروه ، ثم مضى إلى الخليفة ، فلما مثل بين يديه سلّم ، فلم يرد المهدي عليه بل بادره بقوله: أتجير علي يا معن؟ قال : نعم يا أمير المؤمنين، فاشتد غضب الخليفة ، ولم يمنع غضب الخليفة معناً من تذكير المهدي بأياديه في طاعته وطاعة أجداده . ثم قال له : أفلا أكون ـ بعد هذا كله ـ أهلاً أن تهب لي رجلاً استجار بي ؟
أطرق المهدي حتى إذا سّري عنه قال : قد أجرنا من أجرت يا معن .. وحركت سماحة المهدي مروءة معن فقال : إن رأى أمير المؤمنين أن يصل الرجل بصلة تغنيه ، فأمر الخليفة له ، بخمسة آلاف ، وما زال معن يستزيده حتى أعطاه مئة ألف . فعاد بها معن إلى ضيفه ، وقال له : الحق بأهلك ، وإياك ومخالفة خلفاء الله تعالى .