التجديد الديني ومستقبل الإسلام
عزيز العرباوي
كاتب وشاعر من المغرب
إن
التجديد في الدين الإسلامي يتطلب استحضار الكثير من الأمور بما فيها الدينية
والدنيوية من أجل إخراجه إلى حيز الوجود. وتبقى المحاولات التي تقوم بها بعض
الجماعات والحركات والأحزاب في عالمنا الإسلامي والعربي محتشمة ، بل ومتقوقعة في
المحلية والجهوية ، الأمر الذي يدفع العديد من الحركات المتطرفة التي تدعو إلى
السلفية العمياء والتقليدية والرجعية في الدين تستغل هذا الوضع المحتشم من قبل
الحركات والأحزاب المجددة ، فتوغل بقضها وقضيضها داخل المجتمعات العربية والإسلامية
والتي تعتبر بدورها ناقصة التكوين والمعرفة في الفكر الإسلامي ، سهلة المنال أمام
هذه التطرفات ، لتعمل على اجتذابها وإقناعها بالمشروع التقليدي البعيد عن التجديد
في الدين والموغل في الوحشية والتزمت.
ويبقى السؤال المهم هو ، ما هي السبل التي نتخذها من أجل شق طريق التجديد في ظل
المتغيرات والظروف المزرية التي يعيشها عالمنا ؟ هذا ما سنحاول التطرق إليه خلال
هذه المداخلة البسيطة ، ونتمنى أن نتمكن من الإحاطة ببعض جوانب النقص في تجديد
الفكر الديني.
+
التجديد وحداثة الغرب :
الكثير من الناس ، وخاصة المفكرين المحسوبين على الاتجاه المتطرف يعتبرون الثورات
التي عرفها القرن الماضي ، والتي نجحت بأمر نسبي في المجتمعات الغربية ، كحركة
الإصلاح البروتستنتي ، أو حركات اليقظة الدينية الشعبية ، أو في جمعيات التبشير
والعمل الاجتماعي الطوعي في إفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية ، منطلقا للتجديد الذي
يدعون إليها ، يبقى فيه الكثير من بصمات سنن الأولين وسقوط في الهفوات المرضية التي
شاعت فيها الكثير من الحركات في كل تدين عرفه العالم. لكن التجديد في الدين
الإسلامي في علة من علله أو في مفسدة من مفاسده أو تقصيرا أو تراجعا بائنا ، هو
الأمر المهم ، يلزم التجديد للعلاج الجزئي إذا كان الخلل جزئيا أو الشامل إذا كانت
العلل شاملة كل مجالاته العلمية والعملية والفكرية.
وكل الحركات الإسلامية التي تبنت التجديد في الدين منطلقا لمشروعها وبرنامجها
الفكري ، لكنها تبقى قد اقتصرت على إخراج العاطفة الدينية التي كانت مغمورة من قبل
، فولدت انفعالات كثيرة ، منها من تطرف في هذه الانفعالات وأصبح يدعو إلى الرجعية
والتقليدية في التدين ، ومنها من ضعف وفشل في مواصلة الطريق ، ومواجهة الضغط المنظم
المستهدف لها ولبرامجها ، فسلمت المشعل للخمول والتفرج من بعد.
ويبقى التصور القاصر لمعنى التجديد ، عائدا أيضا لمرض حديث أصيب به المتدينون
الحديثون فأصاب معهم تصور الدين نفسه ، فالثنائية التي عرفها الدين المسيحي في
الغرب والكنيسة في أروبا خصوصا بعد مرحلة القرون الوسطى . لكون المسيحية بعد هذه
المرحلة اقتصرت على إحياء الشعائر الدينية والطقوس الشكلية المقدمة إرضاء لبعض
الأطراف في الديانة وليس لله باعث الديانة ، وابتعدت عن التجديد في الشرع الديني
الذي يعتبر العصب المهم لكل ديانة سماوية تدين بها مجموعة من البشر. كل هذا جعلت
بعض الحركات تحسب أن التجديد في الدين هو استبعاده عن منطقة التناقضات الدنيوية
التي تعطل الحداثة والتنمية بتدخله فيها من جهة ، وتقوقع الدين وتحسبه في ظل الأمور
الدنيوية ، وتجعله يتخبط في اجتهادات لا ترقى إلى طموحات المتدينين.
+
مسار التجديد الديني :
إن
مسار التجديد في الدين الإسلامي أتى به الرسول (ص) ورسالته الإسلامية حتى أصبح في
عهده وعهد خلفائه الراشدين العظام فكرا وديانة يضرب بهما المثل في عهود طويلة من
بعده ، فتغير أمر الدين وفكره مدة كانت كافية لنحمل عليها طموحاتنا وندعو إلى
تبنيها . فالعصر المحمدي والراشدي كان بامتياز عصرا ذهبيا مضى إلى غير رجعة ، فكانت
بحق باقة الدين التي لا تذبل ولن تذبل أبدا.
أما المسار الديني من بعد ، فهو في نظري ، ونظر العديد من المفكرين العقلاء عرف
نهوضا مرات ، وانحطاطا مرات أخرى بل كثير من المجددين في الدين كانوا يعتقدون أنهم
هم الأصح لهذا المسار ، فكان يستولي عليهم الكبرياء والغرور الفكري والغلو فيه
أحيانا.
وجميع هذه الدعوات أصبحت متجاوزة بفعل تآكل الوقت والزمن ، ليس لأنها ضعيفة
المحتوى وقليلة الطموح الفكري المرتجى ، ولكنها لا يمكنها أن تواصل تقدمها في الزمن
الحالي من دون تطويرها وجعلها تتماشى مع متطلبات العصر الحالي . ففكر المعتزلة
وحركتها اللذان جاءا بالجديد لمجابهة الفكر الذي كان سائدا آنذاك وحاولت القضاء
عليه نهائيا ، فبقضائه على ذلك الفكر المشبوه تكون حركة المعتزلة قد انتهت مدة
صلاحيتها ، وكذلك الحركات التي جاءت من بعدها قد عرفت نفس المسار التاريخي ، وبذلك
نكون بحاجة إلى فكر جديد يقضي على شبهات العصر وتطرفاته ضمن تدين حق بعيد عن
الدوغمائية والتقليدية الراسخة في ذهن البعض منا..
+
مستقبل الدين الإسلامي :
هل
يمكن للحركات والجماعات وحتى الأحزاب الحالية المنتشرة في عالمناغ العربي والإسلامي
أن ترسم للدين مستقبلا يليق به كدين إبداع وتجديد وتحديث ليس بالمعنى الغربي وإنما
بما تعارف غليه المسلمون منذ التاريخ ؟ وهل يمكن للمفكرين التجديديين أن يخططوا
لأنفسهم منهجا تجديديا في مواجهة التطرف الذي نعيشه الآن بعيدا عن تدخل القوى
والظروف المهيمنة على العالم ؟
لا
بد إذن من تجديد الفكر الديني الإسلامي في هذه الآونة بالذات ، لأن الدين الإسلامي
في العالم يتخذ مسارا مختلفا كليا عن روحه الطاهرة المتسامحة . ولا بد من تطوير
المعرفة الإسلامية عند المسلمين أولا ، وإخراجهم من قوقعة التقليدية والرجعية التي
تكاد تقضي على المسلمين جميعا.
وبذلك يمكن لنا أن نتجاوز الظروف الحالية المعيقة دون أن نتجاوز ما جاء به الإلام
، وننجح ببراعة في إخراج ديننا المتسامح من مشاكله التي يغرق فيها غالبية المسلمين
. وفي الختام ، يمكن أن نتفاءل ولو قليلا ببعض الانطلاقات التجديدية التي أصبح
ينادي بها البعض المفكرين الذين ما فتئوا يشتغلون ليلا ونهارا من أجل رسم خريطة
جديدة لإسلامنا الحنيف تليق به وتجعله ينافس الديانات الأخرى أن لم نقل في أولها
فكريا وفنيا وإبداعبا وأدبيا وعلميا ....حينها يمكن لنا أن نفتخر أكثر ...