نصيحة نبوية إلى كل لاهث طامع في الترشح للانتخابات طمعا في منصب أو شهرة أو امتياز

يبدو أن حمى الترشح للانتخابات قد أصابت الطامعين اللاهثين وراء المناصب وهم كثير بالهذيان وطفت صراعاتهم  فيما بينهم على السطح ، وشاعت  أخبارهم بين الناس ، وصاروا حديث  كل الألسنة ، وهم بذلك يعرضون بأنفسهم من خلال ما يصدر عنهم من أقوال وأفعال تعكس طمعهم وجشعهم في ريع الانتخابات .  ومنهم من أصيب بهذه الحمى منذ فترة طويلة،  فعمد إلى الإنفاق بسخاء حاتمي محاولا الظهور بمظهر المحسن الرقيق القلب الذي يرتياد ملاجىء الأيتام ودور الأرامل والعجزة ، و يجوب الأحياء الهامشية  يتفقد ساكنتها تفقد الراعي للرعية  يختن صبيتها ، ويجهز أمواتها ويعود مرضاها ... و يرتاد كل مكان  مناسب  ليظهر كرمه الزائد عن الحد وأريحيته المصطنعة . و يظهر بمظهر المتدين الورع  ويتبنى دروس الوعظ والإرشاد في كل فرصة تسنح  له  ليظهر تدينه الزائف المتكلف ، وورعه المصطنع الذي يخفي ذئبوية  كاسرة .  ومنهم من اضطرته الحمى الانتخابية  إلى سلخ جلده الحزبي والمروق من تنظيم إلى آخر من أجل ضمان فوزه  وتحقيق  ما يصبو إليه إما  شهرة أو امتياز وبين الرغبتين علاقة جدلية واضحة . ومن آثار هذه الحمى الانتخابية  أن المحمومين يسب بعضهم بعضا ويلعن بعضهم بعضا كأصحاب الجحيم ، ويخون بعضهم بعضا طمعا في استمالة الأصوات واتخاذها مطايا تفضي إلى ما يراود أحلامهم  وما يطمعون فيه. ولهؤلاء  المحمومين من مختلف الأطياف الحزبية نقدم نصيحة ثمينة لا تقدر بثمن ،وهي من رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي نهى عن طلب المنصب بقوله لعبد الرحمان بن سمرة  رضي الله عنه : " يا عبد الله بن سمرة  لا تسأل الإمارة فإنك إذا أعطيتها عن مسالة وكلت فيها إلى نفسك ، وإن أعطيتها عن غير مسالة أعنت عليها " ومن خلال هذا الحديث يتبين أن المنصب إما أن يعطى عن مسألة  أو يعطى عن غير مسألة . ومعلوم أن الذين يرشحون أنفسهم للانتخابات كلهم يسألون المنصب  ، ولا يوجد منهم من لا يسأله ، ذلك أنه لا يوجد من يلجأ إليه الناس يطلبون منه الترشح إلا في حالات نادرة  جدا . وحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم يحذر طلاب المناصب خصوصا  من يتخذ الانتخابات وسيلة لذلك من مغبة هذه المناصب ، ذلك أن من يرشح نفسه للانتخابات يكون في منزلة  سائل  المنصب ، وهو بذلك  إنما يوكل إلى نفسه  ، ويا ويح من وكل إلى نفسه  الأمارة بالسوء  وقد أخذ الشيطان بزمامها ، وهو إنما يضع مصلحته الشخصية  نصب عينيه و فوق كل اعتبار وإن موه عليها بادعاء خدمة الشعب والوطن والصالح العام  ، وهو تمويه مفضوح مكشوف . وخلاف ذلك من يرشحه  أو يكلفه الناس فإن الله عز وجل يعينه على مهمته. وخطر المهمة أو المنصب أن صاحبهما يكون في الغالب على شفا جرف هار يوشك أن ينهار به في نار جهنم لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ما من أمير يلي أمور المسلمين ثم لا يجهد لهم  وينصح لهم إلا لم يدخل معهم الجنة " ولهذا من  يسأل المنصب  ويوكل بسبب ذلك لنفسه يفوت على نفسه فرصة دخول الجنة وتجب له النار .  ومع علم كثير من اللاهثين وراء الترشح للانتخابات بخطورة المسؤولية أمام الله عز وجل فإنهم يتهافتون عليها تهافت الفراش  على النار ،ويرغبون فيها بسوء نوايا و طوايا وعن سبق إصرار ، ولا يبالون بنصح الناصحين  ولا بتحذير المحذرين ، ولا يخشون من مغبة ما يطمعون فيه  وهو طاعونهم القاتل . ومن المؤسف أن يرضى المتهافتون على الانتخابات بالدنية  ويبتذلون أنفسهم شر ابتذال  بسبب ذلك ، ويعرضون بأنفسهم أقبح تعريض ويتندر الناس بهم  سرا وعلانية ، وهو يهدرون ماء وجوههم ، و يستجدون الناس أصواتهم  . والأشد أسفا وحسرة أن يشارك سواد أعظم من المستخف بهم  اللاهثين وراء الانتخابات نفاقهم وكذبهم  ويطاوعونهم  ويطيعونهم ، ويتظاهرون بتصديقهم  وهم يعلمون علم اليقين أنهم مجرد طماعين  قد أعمى الطمع أبصارهم وبصائرهم ،وهم بذلك سفهاء يقايضون آخرتهم وبدنياهم . والطامة الكبرى أن  ترضى بعض الفئات  ببيع أصواتها بمال مدنس دراهم معدودات قد تدفع مقابل وجبة من الوجبات تلتهم وتلقى في دورات المياه  ،ويكون ذلك مقابل المقامرة بمصالح الأمة ومصالح الوطن . ولا تهون المهانة إلا على مهين  لقول حكيم الشعراء :" من يهن يسهل الهوان عليه ".ولقد خبر المغاربة جيدا منذ عقود خلت بعد الاستقلال  خدع طلاب الانتخابات اللاهثين وراءها ، وعرفوا عجرهم وبجرهم ، ولا زالت الحكايات  المتندرة بهم  تروى بين المواطنين ، وقد جعل منها المسرح والسينما مادة ترفيه . ولا زالت اللعنات تلاحقهم كلما ذكروا  ، ولا زالوا يوصفون بأقبح وأشنع النعوت ، وتلك لعنة الأولى قبل حلول اللعنة الأبدية في الآخرة . وأخيرا لا بد من الإشارة إلى  أن الإحسان الذين يرضاه الله عز وجل هو الذي يكون خالصا لوجهه الكريم  ، ولا يلابسه أو يخالطه طمع  مهما كان ولا مصلحة خاصة  بما فيها الفوز بالانتخابات لأنه في يوم القيامة يسأل الناس عن إخلاصهم في ما عملوا  فيجيبون بأن  إخلاصهم كان لله في جهادهم وإنفاقهم وعلمهم  وكل سعيهم فيقول لهم سبحانه وتعالى بل  فعلتم ذلك  رياء ليقال عنكم أنكم مجاهدون  ومحسنون وعلماء ... فقد قيل فادخلوا النار . فيا معشر اللاهثين وراء الانتخابات طمعا في منصب أو شهرة أو امتياز احذروا نارا وقودها الناس والحجارة .

وسوم: العدد 627