مصحف برمنجهام بين العلم والإعلام

"مصحف برمنجهام عبارة عن ورقتين من مصحف شريف مبكر يعد من أقدم المخطوطات العربية الإسلامية التي تعود إلى نهاية القرن الأول الهجري وبداية القرن الثاني، وهو جزء من مجموعة من الوثائق التي حصلت عليها جامعة برمنجهام اللندنية في عشرينيات القرن الماضي عن طريق قس كلداني ولد قرب الموصل في العراق".

هذا ما أكده الأكاديميون المشاركون في ندوة "مصحف برمنجهام بين العلم والإعلام" التي نظمها معهد المخطوطات العربية برئاسة د. فيصل الحفيان، يوم 28 أكتوبر 2015 ضمن فعاليات المنتدى الثقافي الثالث للمعهد.

واستبعدوا نسبة المخطوط إلى النصف الثاني من القرن الثاني الهجري، لأن خطه مكتوب بالخط الحجازي المبكر في مرحلته الثالثة التي من سماتها قل ميل الألف ناحية اليمين، وإضافة علامات التشكيل على هيئة نقط ملونة، وحذف حرف الألف في وسط الكلمة وخلو الكلمات من رسم الهمزة، ورسم الياء راجعة إلى الخلف.

وقال د. حسن عبيد إن شهرة مجموعة المخطوطات التي حصلت عليها جامعة برمنجهام تعود إلى كونها تضم 3000 مخطوط شرقي منها 2000 مخطوط عربي و 660 مخطوط بلغة سريانية مما يضعها في المرتبة الثالثة بعد المكتبة البريطانية ومكتبة الفاتيكان.

وتكونت المجموعة بين عامي 1924 و1929 وظل مخطوطة بحثنا اليوم طوال هذه الفترة مهملة إلى أن تلقفتها يد باحثة دكتوراة إيطالية بجامعة برمنجهام.

عملت بحثها بعنوان "المخطوطات القرآنية المبكرة" واكتشفت الورقتين المكتوبتين بخط حجازي قديم مضمومتين إلى مخطوط أحدث ففصلتهما وأقامت عليهما بحثها.

وحدث أن أخذت الجامعة المخطوط عرضاً لتحليله بالكربون 14 المشع فوجدوا أنه يعود إلى الفترة من سنة 568 م وحتى 645م.

والنص الموجود بالمخطوط بعد مراجعته هو ذات النص الموجود في مصحف اليوم لم يطرأ عليه أي تغيير.

وتحدث د. جمعة عبد المقصود وكيل كلية الآثار عن الشكل المادي للمخطوط وأنه مكتوب على رق مصنوع من جلود الماعز لكنه لا يوجد عليه كتابة أي تاريخ وكثير من المخطوطات الرقية اكتشفت والتأريخ مثبت عليها.

ومن هنا عولجت المخطوطة بالكربون 14 المشع لإثبات تاريخها. والتاريخ لا نعترض عليه، ولكن كان يجب عليهم أن يؤرخوا الحبر الموجود على الرق ببيان نوعه ومن معرفة نوعه يمكن معرفة الفترة الزمنية التي استخدم فيها.

وعلى هذا، فتاريخ الرق أو حامل الكتابة ( 568 ـ 645م) لا يعبر بالضرورة عن المكتوب عليه تاريخياً.

وعليه كذلك، فنحن لا نشكك في تاريخ الرق ولكن كان يجب أن تتبع هذه الدراسة دراسة للأحبار بصفة أساسية.

وقال د. فيصل الحفيان في مداخلته: أظن أن الباحثة لم تطلع على النسخ المشابهة وهنا كان لابد لها أن تدرس النص في سياقه المجتمعي.

أما د. أيمن السيد فؤاد الخبير والمحاضر بمعهد المخطوطات العربية فأشار إلى اكتشاف مماثل وكان لصندرة أعلى الجامع الكبير بصنعاء في النصف الثاني من القرن العشرين (1965 ـ 1972م) وقد جد بها عدد كبير من الأوراق تعود إلى القرون المبكرة وفيها مصاحف بالخط الحجازي (الخط المكي والمدني) بكتابة مائلة إلى الجهة اليمنى، ومن يومها والدراسات قائمة حولها.

وقال إن لدينا وثيقة مهمة جداً هي وثيقة (أهناسيا) وهي برقية عربية مبكرة مؤرخة بسنة 22هـ ونستطيع أن نقيس عليها لأن شكل الخط فيها مائل إلى الجهة اليمنى.

كما لفت إلى اختلاف مصاحف الأمصار وهي القضية التي تناولتها مؤلفات كثيرة لم يصل إلينا منها سوى مؤلف وحيد هو كتاب (المصاحف) لأبي داود السكستاني.

وعليه، فبعض النسخ المكتشفة في صندرة الجامع الكبير بصنعاء مكتوبة ليست على طريقة مصحف الإمام عثمان بن عفان ولكن بعضها على طريقة أبي بن كعب وبعضها على طريقة عبد الله بن مسعود.

وقال إن المصاحف العثمانية يجب أن تكون قد كتبت بهذا الخط الحجازي (المكي والمدني) أي الشكل العمودي الرأسي بينما كل المصاحف التي يطلقون عليها "مصحف عثمان" هي مكتوبة على شكل السفينة أي عرضها أكبر من ارتفاعها لأنها كلها مكتوبة بالخط الكوفي وبالتالي دخل فيها حركة الإصلاح التي بدأها أبو الأسود الدؤلي سنة 69 هـ فعمل النقاط بمداد مغاير، ومن بعده جاء بالتشكيل الخليل بن أحمد الفراهيدي.

وأكد د. أيمن فؤاد وجود مجموعة كبيرة من المصاحف التي تشبه مصحف برمنجهام في القاهرة وباريس واسطنبول ولندن.

وأشار إلى أن المصحف الذي يأخذ رقم 328 المحفوظ في المكتبة الفرنسية كان محفوظاً في مكتبة جامع عمرو بن العاص بالقاهرة ثم خرج به القنصل الفرنسي في مصر سنة 1824م وأهداه إلى المكتبة الفرنسية وهو بكامله ليس به نقط ولا إعجام.

وقال د. شريف شاهين رئيس الهيئة العامة لدار الكتب والوثائق القومية إن دار الكتب المصرية يوجد بها ما يزيد عن 1500 مصحف تعود كتابتها إلى فترات زمنية متباينة ومنها ما يعود إلى ذات فترة مصحف برمنجهام.

ومن ناحيته قال د. علاء الدين بدوي الخضري المدرس بآثار قنا، إن الخط الحجازي يرجع إلى الخطين المكي والمدني وعندما انتقلت الخلافة إلى الكوفة انتقل معها.

وتتسم الخطوط الحجازية بأن العين فيها تكتب مفتوحة، والياء في نهاية الكلمة تكتب بشكل مشابه لحرف الكاف أو حرف (s)  اللاتيني.

والنون تشبه حرف اللام بذات الهيئة، ووجود بعض النقاط التي تميز الحروف المتشابهة.

ويهمل الخط الحجازي حروف المد في وسط الكلمة، وله مرحلة مبكرة ومرحلة متأخرة تنسب إلى نهاية القرن الأول الهجري وبداية القرن الثاني.

فالحروف تكتب مائلة إلى اليمين مثل حرفي الألف واللام، والياء تتميز برجوعها إلى الخلف مثل هوى وغوى وفي.

وفي مرحلة الخط الحجازي المتأخر يقل ميل الألف واللام إلى ناحية اليمين وفيها أضيفت علامات التشكيل على هيئة نقاط ملونة.

وبالنظر إلى الورقتين من مصحف برمنجهام نجد سمات الكتابة الحجازية المتأخرة فالكلمات في معظمها معجمة غير مشكولة، كما نلاحظ أن التنقيط في مصحف برمنجهام ظهر مضافاً.

ونلاحظ كذلك، حذف الألف في وسط الكلمة وخلو الكلمات من الهمزة.

وأشار د. علاء الخضري إلى تشابه خط مصحف برمنجهام مع خطوط النقوش الكتابية على شواهد القبور العربية التي تعود إلى سنة 31هـ.

ومن أقدم الشواهد المؤرخة المحفوظة في متحف الفن الإسلامي بالقاهرة شاهد من الرخام منقوش عليه بالخط الكوفي الميداني وليس الحجازي: (بسم الله الرحمن الرحيم، هذا القبر لعبد الرحمن بن خير الحجازي، اللهم اغفر له وأدخله في رحمة منك وإيانا معه، استغفر له إذا قرأت هذا الكتاب، وقل آمين. وكتب هذا الكتاب في جمادى الآخر في سنة إحدى وثلاثين).

فمعظم الخصائص الكتابية التي تميز بها هذا الشاهد تميز بها أيضاً مخطوط برمنجهام من حذف الألف وكتابة الياء الراجعة للخلف وغير ذلك.

وهناك نقش لسد معاوية بن سفيان يرجع إلى سنة 58هـ مكتوب فيه:

(السد لعبد الله معاوية أمير المؤمنين، بانيه عبد الله بن صخر بإذن الله لسنة ثمان وخمسين، اللهم اغفر لعبد الله معاوية أمير المؤمنين، وثبته وانصره ومتع المؤمنين به. كتبه عمرو بن حبان).

وكذلك نقش حفنة بن الأبيض يرجع تاريخه لسنة 64هـ 684م وفيه:

(بسم الله الرحمن الرحيم، الله أكبر كبيرا، والحمد لله كثيرا، وسبحان الله بكرة وأصيلا، وليلاً طويلاً، اللهم رب جبريل وميكائيل وإسرافيل اغفر لثبت بن يزيد الأشعري ما تقدم من ذنبه وما تأخر ولمن قال آمين آمين رب العالمين وكتب هذا الكتاب في شوال من سنة أربع وستين).

وسوم: 640