مهن سادت .. ثم بادت

الشيخ حسن عبد الحميد

ذكريات .. 

clip_image001_a2eb9.jpg

١ / بيع الدّلال : لم يكن هناك قديما مكاتب عقارية ، بل كان من يريد بيع داره يخبر الدلال ، الذي يقف في وسط السوق ، ويصرخ بأعلى صوته ياسامعين الصوت صلوا على النبي ( عليه الصلاة والسلام ) دار فلان ابن فلان ، أربع غرف ومطبخ وجب ماء وليوان وبركة وسط الدار ، الحاضر يعلم الغايب 

٢ / في الباب عائلة اسمها بيت نقّر ، وعملهم تأجير النقّر ، ما النقرة ؟؟

قدر كبيرا جدا تتسع لخمس شنايل حنطة ، وتحتاج إلى مائة قادوس ماء ، يوم كنا نستقي من الجب ، أما الآن فخرطوم الحنفية يظل ساعة أو أكثر ليملأ النقرة ، وتوضع الحنطة التي نُقيت من الغبار والحصى في النقرة ، وتُشعل تحتها النار ، وهذا يكون في الشارع ليتعاون الجيران ، وتظل النار تحت النقرة ساعات حتى ينضج القمح ، ويسمى سليقة ، وكلما مر مار أخذ لنفسه حفنة من السليقة ، ويتهادى الجيران صحون السليقة بعد أن يضعوا عليها الدروبس الملون ، وتصبح الفرحة في الحارة كلها ، سليقة بيت فلان 

ويأتي التعاون بين الجيران لنقل السليقة إلى مصطبة نظيفة بالحوارالأبيض ، أو بالأسمنت ، تنقل السليقة إلى المصطبة حتى تيبس ، ثم يأتي دور التعديس ، أي ينقل الحب الناضج إلى العدسة ، وهي حوض عليه حجر كبير جدا يدور مع دابة بشكل دائري ، حتى يخرج قشر القمح منه ، ويأتي بعد ذلك دور الجراش ، وله آلة خاصة تجرش القمح وتحوله إلى برغل ناعم وخشن ، وينبعث من ذلك  ماكنا نسميه طحين برغل ، ومنه يصنع عروق أبو أمون تخبز في التنور 

 كل قرص منها يهتف تسقط الاشتراكية التي تطعمنا خبزا يأنف الكلب من أكله ؟؟؟ 

وفي كل دار كوير مثنى كوارة ، واحدة للبرغل الخشن والثانية للناعم 

ويُشترى الحطب من أجل إشعال النار والحطب يتشكل من السوس والخرنوب ، وكانت تقوم به نساء القرى ، يجمع ويحمل على دابة ويباع في سوق له خلف جامع الشيخ دوشل 

وقد بادت هذه المهن لأن بنات القرى لبسن البنطلون وصرن على الموضة ، وتراهن يقفن على أبواب الأفران لتأخذ كفاية أسبوع من خبز كله عجين ؟؟ وتركن خبز الصاج ؟؟

كما ترك الحضر خبز التنور ؟؟

ومن زار قرية أسرعت الفلاحات إلى صنع طعام البيض البلدي المقلي بالسمن العربي ، وهناك من يخبز على الصاج مايسمى بالنانات 

هل ذقت أبو أمون وعليه حب الرمان ؟؟؟

هل تذوقت البرغل بشعيرية بالسمن العربي ؟؟؟

تقول : لا ، إذا خليك على الهمبرغر والكنتاكي ؟؟؟ 

وزر عيادات الأطباء التي تغوص بأمواج المرضى ؟؟؟

٣ / هل أدركت أيام البيدر ، وهي مجموع عمل الحصاد ، وكانت البيادر مقرها عند مخفر الخيالة ، وأمام مدرسة البحتري 

والبيدر يحتاج إلى جرجر تجره دابة ، والجرجر له دوائر حديدية مسننة تفصل السنبلة عن الاعواد 

وإذا انتهى عمل الجرجر جاء يوم التزرية ، ويفصل الحب ويجمع وحده ، ويكون التبن بعيدا ، وله طالبوه لأكل الدواب ،

فإذا وضعت فوق التبن حفنة شعير نهق الحمار شاكرا معروفك واهتمامك

 ويتفاخر في جمعية الرفق بالحيوان قائلا لم يسكن عندنا ماركس ليعلمنا أن الأرض لمن يعمل بها ، ولكن سرق قوت الشعب دعاة الرسالة الخالدة ؟؟؟ 

٤ / هل تعرف مهنة المبيض 

أواني البيت كلها من النحاس الذي كان يصنعه أرمن ، ومنهم جارنا آرتين ، هذه الأواني طناجر وصحون وطشوت ولقون تسّود مع الأيام ، وتحتاج إلى من يبيضها بالقصدير 

وقد كان شيخ هذه المهنة المجاهد الشيخ صافي الأخرس الذي أنزل علم فرنسا من على السراي في جرابلس رحمه الله .

لو رأيت أجير المبيض وهو ينظف الأواني لعرفت لم كان أجدادنا أقوياء ، لأن الرياضة تلازمهم ، في الصلاة وتبيض الأواني النحاسية ، وسحب الماء من الجب ، وحمل الصوف المبلول من العين

التبيض يحتاج إلى مرتين كل عام أو أكثر أو أقل ، بعد المبَيض صحونا وملاعق يأتي دور الولائم الفريكة باللحم البلدي والمخبص باللبن البلدي غير البراوي ،  وماأجمل منظر الصنوبر فوقه ، فإذا مللت المخبص وهو أكلة أهل الباب المشهورة فهناك الكبة بسماقية ؟؟؟

٥ / إليك صورة من الماضي : 

عند طلوع الشمس الأم تخبز ، والأولاد ذهبوا لشراء الحليب ، أنظر إلى طريق قباسين تراه بداء من العين إلى قباسين الطريق فيه البشر مثل النمل ، الكل ذاهبون إلى كرومهم ، إلى مزارعهم ، النوم بعد الشمس لايكون إلا للصغار ، أما الكبار ففي الكروم والدواليب 

والمزرعة تسمى دولاب ؟؟

 لأن فيها آلة تسير كنواعير حماة ، لاستخراج الماء من حفرية عمقها أربع أمتار ، وعرضها مترين ، وتدور الدابة حول مدار ويخرج الماء إلى السواقي ، تستقبله شتل الباذنجان والكوسا ،

وليسقي أشجار التوت والمشمش ، وسبحان المعطي الذي قدر فهدى 

٦ / ومن المهن البائدة فضّ الخرق :

واسألوا العجائز عن مهنة بادت ، واستبدلت بالحافوظات ؟؟

وجيل الخرق أقوى من جيل الحافوظات ؟؟

ولبسنا الجنيز  ووحدة حرية اشتراكية

وأكلنا الهمبرغبر ؟؟

 وحملنا الايفون وفيه الواس آب ؟؟

 وجاء اللابتوب وفيه الفايس بوك ؟؟ والكاميرا المفتوحة وحدث ولاحرج ؟؟؟؟؟

ولله الأمر من قبل ومن بعد

والله أكبر والعاقبة للمتقين

وسوم: العدد 661