أية ديمقراطية هاته ؟
مما لا يخفى على أحد من المهتمين ، خا صة فيما يتعلق بالتنمية في كل القطاعات الوزارية، أن وزارة الداخلية ممثلة في سلطها المحلية والإقليمية والجهوية والمركزية وما لها من امتدادات وعلاقات مباشرة بالقصر والقسر ودائرته الحمراء، انها تسيطر على المؤسسات المنتخبة ومنتخبيها ومنه ناخبيها أيضا، فدوما سلطة القرار الحاسم الأخير تعود لها في كل صغيرة وكبيرة وفي القطاعات جميعها، فهي المراقب المدبر؛ الآمر الناهي ، والمخطط والمدشن أيضا.
فأين المنتخبون من كل هذا؟ و أ عندهم دور بالفعل كما يسوق؟وما الغرض من وجودهم أصلا؟
أسئلة من قبيل هاته وأخرى .. أضحى من اللا زم على كل مواطن(ة)غيور على وطننا المغربي الأبي أن يطرحها أولا، ويتأملها بروية ثانيا، وأكيد أنذاك سيتوصل ببصيرته إلى إجابة أو يهتدي لها مستعينا بمن هو أدرى منه بنظام المغرب وقواعد عمله المتوارثة المتواترة الخاضعة لاجتهادات فرضها العصر، قواعد ما فتئ يزيدها رسوخا وتغلغلا بين المواطنين الأعزاء الأذلاء.
فمن المعلوم أن المشاريع التنموية جميعها في كل القطاعات الوزارية يحتاج فيها المنتخب إلى موافقة ممثل وزارة الداخلية بالحيز الترابي الذي يمثل ساكنته، وأحيانا يحتاج الموافِقُ إلى موافَقَة وهكذا ..
إنه من غير المنطقي بالفعل ان يُقبل من قِبل عاقل أمر ماكر كهذا، فلا يمكن قطعا القبول بهذه الرقابة الرهّابة . هذا طبعا إذا كان المغرب بلدا يسعى فعلا إلى ترسيخ العمل الدموقراطي ونشر قيمه، لأن الديموقراطية تُـرَسَّخ بالعمل الدؤوب في الواقع والمجتمع؛ لا بالقوانين وإيهام الشعب بأنه يحكم نفسه بنفسه، إذ لا يمكن أن ننظم انتخابات جماعية أو تشريعية تصرف عليها ميزانية باهظة من مالية الدولة العامة، فتفرز لنا مؤسسات ومنتخبين، ويُروّج لهذا إعلاميا بالداخل والخارج .. وكل هذا التزمير والتشهير ينكشف فيما بعد سره؛ ينكشف أن الدولة / النظام يعمد إليه كأسلوب - عار مفضوح - بغية تسويق وتصدير صورة إيجابية له للعالم القريب والبعيد.
وعليه فالديموقراطية ليست إلا وسيلة تجميل وتزيين براقة لتعزيز التعاون والصداقة؛ تضعها الأنظمة الاستبدادية العرجاء على محياها المجعد الهرم الماكر، ولعل هذا ما يؤسف المواطن المغربي الحر أشد الأسف وويوجعه أمر الألم.
فبعد قيام المؤسسات المنتخبة وتنصيب رؤسائها - بحضور الداخلية طبعا - تواجه بعد مباشرتها تسيير الشأن العام تضييقا من لدن السلطة التي تكبل ممثلي المواطنين وتعتقل نواياهم الحسنة فتحد من اجتهادهم وتحط من همتهم فيتراجع طموحهم الرامي إلى خدمة المجتمع، ويصبح هاجس إرضاء السلطة والتفاهم معها أكبر همٍّ للمنتخب حتى لا يقحم نفسه في مناوشة معها يعلم مسبقا أنه هو الخاسر فيها. فالسلطة تحشر أنفها في عمل المؤسسات بقوة القانون( قانون الجهوية - قانون الجماعات المحلية) ، قوانين دبجت في الأصل لخدمة السلطة وتسهيل قبضتها بإحكام على مفصل كل مؤسسة على حدة.
فلماذا إذن يتم التغرير بالشعب وفئاته القاصرة المهمشة الضعيفة المجهلة والزج بها كحطب ووقود دائم لسير اللعبة الديموقراطية بدفعها إلى المشاركة فيها طمعا أو جهلا أو قسرا ، وتبذير أموال طائلة ( تمويل الأحزاب الدائم والموسمي - تمويل المجتمع المدني - الإعلام والإشهار - اللوجيستيك الانتخابي - تعويضات الموارد البشرية ..) ، لإنتاج مؤسسات دستورية منتخبة بشكل ديموقراطي - مع التحفظ - ثم إناطتها بصلاحيات شكلية مقزمة مفرملة عن بعد أو عن قرب.
إن العاقل ليعتقد جازما بأن الدولة المغربية لا إرادة لها في الإصلاح الفعلي ونقل البلد من كهوف الظلام الكاسح والاستبداد المقدس المقنن المدستر المشرعن إلى نور العلم وثقافة الديموقراطية الحقيقية التي لا يعلوها غبار ، وتظهر جلية للمواطن في واقعه المعيش سلوكا وعملا دون المساس بآمال الناخبين وصلاحيات المنتخبين، بل وتمكنهم من صلاحيات أوسع وأكثر حرية حتى يحسوا بحجم المسؤولية والمهام التي انتخبوا من أجلها، وبالمقابل يدركون أيضا تمام الإدراك أنه؛ إلى جانب الناخب، هناك مؤسسات أخرى تراقب أعمالهم وتتبع تنزيل برامجهم ، فكل إخلال بالمسؤولية ينتظر صاحبه العقاب القانوني المناسب بعد خضوعه لمحاسبة حقيقية. أما الآن فالسلطة القضائية لا تقوم بدورها لأن المؤسسات المحاسبة تنتقي من تحاسب، ثم تركن تقاريرها في الرفوف، أو بعبارة أفصح ولغة أصرح، لأن النظام يعلم علم اليقين أنه لا يمكن أن يعاقب منتخبا أخل بالمسؤولية أو اختلس المال العام أو أساء التدبير، لأن الفاعل الأساسي في كل ما يقع هو ممثلو وزارة الداخلية الذين يعملون للصالح الخاص، لصالح من يعينهم، فهو الوحيد القادر على محاسبتهم بل العازم على مكافأتهم.
عبد العزيز الطوالي
وسوم: العدد 670