إسطنبول والنورسي
(ألقيت هذه الكلمة في حفل افتتاح المؤتمر العالمي العاشر: (دور النبوة ومكانتها في البحث عن الحقيقة من منظور رسائل النور) الذي عقدته مؤسسة استانبول للثقافة والعلوم في إسطنبول في 22-24 سبتمبر 2013م، وكان الافتتاح في المجمع الرياضي سنان أردم بحضور أكثر من عشرة آلاف شخص)
بسم الله الرحمن الرحيم
يا أبناء النورسي عربًا وأتراكًا وكردًا:
يَنزل المساءُ على كثير من المدن نزول عاديًا، ولكنه في إسطنبول ينزل على ألف حكاية وحكاية، فعن أي حكاية سوف نتحدث؟
هل نتحدثُ عن رسائل النور، أم عن صاحبها بديع الزمان، أم عن طلابه الأوفياء الذين صدقوا ما عاهدوا اللهَ عليه؟
إنَّ المشاعرالجياشة تتلاطمُ في مخيلتي كما تتلاطمُ أمواجُ البحار، فاسمحوا لي بهذه الكلمات ...
ظهرت رسائلُ النور بالعربية ونحن طلابٌ على مقاعد الدراسة الجامعية في بغداد، ورأينا أن مَنْ قرأها أصبح طالبًا متميزًا علمًا وسلوكًا ودعوةً ونشاطًا، تلك كانت الحكاية الأولى.
ثم نظرنا فإذا رسائلُ النور لا تؤثِّر في حياة طالبٍ فقط، بل تؤثر في حياة شعبٍ بأكمله.
ثم رأينا أنها تؤثِّر في حياة دولٍ، وفي مشروعاتٍ حضارية كبرى.
وجئنا إلى اسطنبول عاصمةِ العالم الإسلامي السياسية، وقبلةِ الناس لمئات السنين، جئنا ونحن نسمعُ الناس يتحدثون أن إسطنبول انتهت، ولم تعد عاصمة لشيءٍ، ولكننا رأيناها ازدادتْ تألقًا ونورًا وقوةً، ورأينا أنها قد أصبحتْ عاصمة معنوية جديدة، أتدرون مَنْ جعلها كذلك؟
إنه الأستاذُ بديع الزمان ورسائل النور، انظروا في هذه الصفوف تجدوا مصداقَ ما أقول.
فيا أيها الأستاذ الجليل:
لقد رَفع الجنديُّ الباسلُ حسن أولباتلي الرايةَ على أسوار إسطنبول، وأنت رفعتَ الراية مرة أخرى، وإنَّ رايةً رفعها حسنٌ وبديع الزمان لن تسقط إن شاء الله .
أيها الأستاذ صديق الكون:
كنتَ صديقًا لنجوم الليل وهي تسبحُ في مجراتها، وكنتَ صديقًا لشمس الضحى وهي تنثرُ أشعتها على الرياض والحقول والجبال.
لقد تلقيتَ من الكون دروسًا كثيرة، وهاهم اليوم أهلُ الكون يقرؤون معك تلك الدروس.
أيها الأستاذ يا نصيرالإنسان:
سوف يظلُّ التاريخ يحكي قصتك في أنك انتصرتَ للمبادئ الإنسانية الخالدة.
يا رفيقًا بالحيوان ومشفقًا عليه:
إنَّ (بارلا) قد سجّلتْ لك أنك قلتَ لراعٍ كان يأتيك بالحليب: لا تأت بالحليب من شاةٍ لها ولدٌ حتى لا يتضرر وليدها .
فيا صاحبَ القلب الكبير:
كم كان يحوي هذا القلبُ من رحمة وشفقة وحنان؟
أيها الأستاذ يا ابنَ هذا الوطن الأصيل:
لقد كنتَ تقولُ: إن من الخيانة أن أهربَ من هذا المكان إلى أي مكانٍ آخر. ولقد أثبتَّ أنك أصيل حقًا.
أيها الملهم الجليل:
إنَّ صوتك في (الجامع الأموي) في دمشق مازال يرنُّ في أطراف المسجد:
يُحذِّرنا من اليأس والقنوط.
يحذِّرنا من موت الصدق.
يُحذِّرنا من حبِّ العداوة.
يُحذِّرنا من تجاهل الرابطة الروحية.
يُحذِّرنا من ذيوع الاستبداد والظلم.
يُحذِّرنا من حصر الهمّة في المنفعة الشخصية.
وليتنا نفهم هذا التحذير جيدًا، عسى أن يعود إلى الشام وجهُها الباسم، وعسى أن نمسح عن خدودها الأسى وتلك الدماء.
والآن أيها الأحبة دعوني أطلق هذه النداءات:
يا (تل يوشع) كلنا بحاجةٍ إلى وقفةٍ عليك، عسى أن نتغير إلى الأفضل.
يا (مجلس المبعوثان) كلنا بحاجةٍ أن نسمع: أيها المبعوثون إنكم مبعوثون إلى يوم عظيم.
يا (شجرة الدلب في بارلا) ما أشدَّ شوقنا إلى أنْ نسمع أعذب الذكر وأجمل الدعاء في تلك الأسحار؟
ويا (جبل جام) إننا نحسدك على ما كنتَ تسمعُ من الأذكار في تلك الأيام.
واسمعي يا (جبالَ طوروس): إنَّ الرجل الذي وُلِدَ في سفوحك أضحى يُضاهيك ويُساميك رسوخًا وشموخًا ورفعة وجلالًا.
واسمعي يا (بحيرةَ وان): إنَّ مياهَكِ الصافيةَ التي طالما روَّت الكثيرين، أضحى يُنافسها منبعٌ آخر أشد صفاء وأكثرعذوبة، ذلك هو رسائل النور.
أيها الأستاذ يا معجزة الإسلام:
لا تخشَ على الأمانة التي تركتها، فأنت خلَّفت مِن بعدِك جبالا تمشي على الأرض.
نَمْ قريرَ العين في (مرقدك المجهول)، وكنْ مطمئنا على إرثك المعلوم فإنه يقسم الآن بعدالةٍ تامةٍ بين أبناء روحك في كل مكان.
لقد كنتَ تنظِّف حبات العنب من بذورها وأغشيتها وتقدِّمها إلى تلاميذك، وهاهُم اليوم ينظِّفون حبات قلوبهم من الدنيا ويقدمونها إليك لتقودها إلى بارئها.
نذكرُك ونتذكرك، نذكرُك ونحن نعاني الذل في هذه الدنيا، ونتعلمُ منك مشاعرالعزة، يا مَنْ كان أقوى من الدنيا، يا مَن كان يطبِّق القرآن تمام التطبيق، وعندما نصلُ إلى مستواك سوف ننتصرُ على هذه الدنيا.
لقد تركتَ الدنيا تحت قدميك، ولن تنتصر الأمة إلا إذا وضعت الدنيا تحت أقدامها.
خرجتَ من الدنيا لا تملك شيئًا، لكنك تَملك اليقين...
رجلٌ واحدٌ يغير الدنيا.
ورجلٌ واحدٌ يعلِّم الملايين بهمته.
يقولُ للشرق والغرب: إنني أستطيعُ أنْ أعيشَ بغير طعام لكنني لا أعيش بغير حرية.
فيا شعوبَ الإسلام: تعلَّمي هذا الدرس من الأستاذ.
حفظ اللهُ هذه الوجوهَ الطاهرة، ولا أقول وداعًا ولكن إلى لقاء.
وسوم: العدد 674