من يتذكّر محمد مرسي ؟

لو  التزم الناس على اختلاف انتماءاتهم السياسية والايديولوجية مقاييس الحق والعدل والإنصاف و تخلوا عن أفكارهم المسبقة وتعصّبهم لِلذات لانحازوا إلى محمد مرسي بعد الإطاحة به واصطفوا في الدفاع عنه وإدانة الانقلاب العسكري وما تبعه من جرائم بشعة تستمرّ إلى الآن ، يرقى بعضها إلى جرائم ضدّ الانسانية ، لكنّ غلاة العلمانيين ودراويش الوهابية اختاروا الانحياز للدبابات والظلم والباطل لسبب واحد هو أن الرئيس مرسي إسلامي ومن الإخوان المسلمين ، وقد أعماهم الحقد عن إبصار حقائق ماثلة للعيان ، فهو اعتلى سدّة الحكم لأول مرة في بلاد العرب عبر صناديق الاقتراع غير المزوّرة ولم يُمهله خصومه يوما واحدة لإنجاز وعوده الانتخابية ، وانقلب العلمانيون على الديمقراطية التي يزعمون أنهم حماتُها ، كما تخلّى الوهابيون عن أحكام الدين وضوابط الأخلاق التي يدعون إليها ، أما المجتمع الدولي فقد التزم نفاقه المعتاد.

ماذا تعيش مصر بعد ثلاث سنوات من عمر الانقلاب ؟ لا يختلف اثنان في ما وصلت إليه من خضوع للقوى الأجنبية في الخارج وتجاوزها جميع الخطوط الحمراء في الداخل.

خلال العام الذي قضاه الرئيس المنتخب في السلطة لم يفتح سجونا ولا معتقلات ليزجّ بخصومه فيها ، ولا منع مظاهرة ولا أمر بقتل أيّ متظاهر ، ولا أغلق كنيسة أو مسجدا ، ولا ضيّق على معارضيه رغم فجورهم في الخصومة ، و لا قيّد حرية الصحافة ولا أغلق قناة فضائية مهما بالغت في عدائها له ، ولا تقرّب من العدوّ الصهيوني أو تزلّف إليه أفضلا عن أن يصوّت لصالحه في الأمم المتحدة ، لم يحاصر غزة وأهلها المحاصرين أصلا ، ولا فرّط في مياه النيل لصالح أيّ بلد ، ولا وصل الاقتصاد إلى الحضيض رغم تركة مبارك السلبية ، لم يهرب المستثمرون ، فقد سادت في عهده الحرية ولم يحِدْ عن النظام الديمقراطي ، وسعى سعيا حثيثا لتخليص البلاد من التبعية لأمريكا وبدأ نسج علاقات اقتصادية وسياسية مع الدول ذات التجربة الناجحة في آسيا وأمريكا الجنوبية ، لكن كل هذا لم يشفع له لأن العلمانية المتوحشة تفضّل الخراب على رئيس أو نظام له صبغة إسلامية ، وكذلك الأمر بالنسبة للكنيسة القبطية ، فكانوا جميعا على أشقى قلب رجل واحد ، استقووا بالعسكر وبالغرب والكيان الصهيوني الذي اشرح انشراحا كبيرا لإزاحة مرسي وإجهاض التجربة الديمقراطية الواعدة واغتيال الثورة العربية السلمية التي بدأت بكنس أنظمة الاستبداد والفساد الواحد تلو الآخر .

إن الدكتور محمد مرسي – بغضّ النظر عن انتمائه السياسي – يمثل انتصار الديمقراطية بينما تمثّل العلمانية المتوحشة المتحالفة مع العسكر أقبح وجه للممارسة السياسية لانحيازها للاستبداد والظلم ضدّ الشعوب وطموحها في الحرية والكرامة ، فمن يتذكر محمد مرسي ، الرئيس الشرعي الذي أحبته الجماهير المؤمنة وأبغضه التغريبيون  والصهاينة ورموز الدكتاتورية في البلاد العربية ؟ أبغضوا نموذج الحكم الذي يمثله كما أبغضوا التزامه الديني لأنهم أنصار الخمور والفواحش وحرية الجسد والقمار وجميع المعاصي ، أزعجتهم لحيته وحجاب زوجته وطهارة يده وصورة الحاكم الذي يبتعد عن الانتهازيين والمنافقين ، لذلك لم يمهلوه يوما واحدا لينظروا إلى كيفية تسييره لشؤون البلد ، فشعارهم يسقط " الاسلام السياسي " – ويقصدون الاسلام ذاته -  ولو أدى ذلك إلى اغتيال الديمقراطية وتخريب البلاد كلها ، مع أن مرسي لو تنصبه الدبابة وإنما اختاره الشعب بحرية.

وها هي حال مصر – ومعها الأقطار العربية الأخرى – لا تحتاج إلى تعليق ، فقد " أنقذها " العسكر مما يسمونه " حكم الإخوان " كما أنقذ زملاؤهم الجزائر من قبل ليُسْلموا أرض الكنانة للدمار المادي والمعنوي في ظلال دولة عسكرية بوليسية هي أشبه بسفينة غمرتها المياه من كلّ جانب ، وقبطانها أعمى البصر والبصيرة ، ولا تعليق على مسرحية المحاكمات سوى لفت الانتباه إلى قضية التخابر مع قطر ...بينما يتخابرون هم مع الكيان الصهيوني في وضح النهار .

إن محمد مرسي يدفع منذ ثلاث سنوات ثمن تبنّيه للحرية والديمقراطية والإسلام ، هزمته دولة الباطل العميقة لكن الأحرار في كلّ مكان ما زالوا يلهجون بذكره ويتألمون لما أصابه بسبب ثباته ويدعون له بالفرج القريب ، انحازوا إليه لأنه انحاز إليهم ولم يخذلهم ، فهو في أعينهم يمثل البطولة الحقّة مثل نلسن مانديلا بينما يمثّل الجنرالات وغلاة العلمانيين  بطولة السكتشات والمهازل التي يتقنها عادل إمام وجوقة المهرّجين الذين لا يطيقون العيش في الهواء النقيّ والنور الساطع ، ويعرفون غربتهم عن أمّتهم التي لن تختارهم كلما أدلت بصوتها.

محمد مرسي طرف في المعركة الأزلية بين الحق والباطل ولئن خسر – وخسرنا معه – جولة فإننا نبصر بأعيننا كيف يخسر الجنرالات والعلمانية المتطرفة على جميع الجبهات ، ولولا القوة التي يستندون إليها والبطش الذي اتخذوه سياسة لما بقيت لهم حجة ولا موطأ قدم في البلاد التي ابتُلين بهم ، أما الرئيس مرسي فقد أثبت أنه حرّ تآمر عليه العبيد ، وأسدٌ قوي لا يُرهبه القفص ولا التهديد بالقتل ، فالموت في سبيل الله أسمى أمانيه كما أن العيش في الزيف والحقارة والفساد هو ديدن خصومه.

إنّ أعداء الحرية والكرامة انتقموا من رجل يجسد نقيض ما هم عليه من فساد وظلم ومهانة لكن الشعوب بالمرصاد للحظة تاريخية أخرى ، والله تعالى يمهل ولا يهمل ، و واجب كل حرّ أبيّ بذل ما يستطيع من جهد لتقويض دعائم الانقلاب والاستبداد حتى تعود الكلمة للشعب.

وسوم: العدد 674