القائد الملهم

د. أحمد محمد كنعان

جلست وصاحبي نفكر في حال أمتنا وما وصلت إليه من تخلف وما تتعرض له من مشكلات معقدة وما تواجهه من تحديات عظيمة، وأخذنا نتبادل الأفكار حول كيفية حل هذه الإشكاليات لإخراج الأمة من تخلفها ، وانطلاقها للمشاركة في صناعة الحياة مع الآخرين، فرأى صاحبي أن هذه الغاية تحتاج إلى "قائد ملهم" فاعترضت مستنكراً :

- وهل وصلت الأمة  إلى هذه الحالة المزرية إلا ببركات القواد الملهمين الذين تسلطوا علينا منذ منتصف القرن الماضي ومازالوا ؟!!

قال صاحبي : 

- إذن ، ماذا ترى ؟ 

قلت :

- الأمة ليست بحاجة إلى قائد ملهم، وإنما بحاجة إلى قائد ربانيّ يخشى الله ( واستدركت مضيفاً ) لكني لا أخفيك أنني أخشى إذا وصل هذا القائد الرباني إلى الكرسي أن ينقلب إلى قائد ملهم ويعيدنا مرة أخرى إلى الدائرة الجهنمية من جديد !

وتواصل الحوار بيننا وارتفعت أصواتنا فتحولت إلى صياح حتى خشيت إن استمر حوارنا على هذا النحو ر فقد نصل إلى الاشتباك بالأيدي، لهذا عرضت على صاحبي أن نتوقف قليلاً لنشرب قهوتنا التي بردت، لعلنا نهدأ ونفكر على رواق، وبالفعل شربنا القهوة فشعرنا بالهدوء، ووجدت الجو قد راق فعلاً فقلت :

- انظر يا صاحبي ( فالتفت إليّ باهتمام  فيما تابعت أقول ) يا صديقي أنا أرى أن لا أحد في البلد يهتم بحال البلد قدر اهتمامنا أنا وأنت ، فلا أحد أحق منا بقيادة البلد، فتعال نقسم البيدر نصفين 

قال صاحبي :

- نصفين ؟!! كيف ؟!!

قلت :

- رئاسة الدولة لي، ورئاسة الحكومة لك !

فصمت صاحبي برهة يقلب الأمر في نفسه ثم نظر إلي مستبشراً وقال :

- والله ، أنت جبتها !!

ولم يكتف بهذا بل أضاف  وهو يرمقني بنظرات الإعجاب قائلاً: 

-  هذا الطرح منك يثبت لي أنك بالفعل قائد ملهم ... سيدي الرئيس

( سيدي الرئيس !!؟ وقائد ملهم !!؟ ) قلت في نفسي وأحسست أن صاحبي بدأ يمسح لي الجوخ وينافقني ، وعليّ  من الآن وصاعداً أن آخذ حذري منه، ورأيت من الحكمة أن أتغدى به قبل أن يتعشى بي ، فاستأذنته وقمت إلى غرفة مجاورة من أجل مكالمة هاتفية ، فلما عدت إليه فاجأني فوقف مصفقاً يهلل لعودتي :

- يعيش قائدنا إلى الأبد .. يعيش .. يعيش ... 

وأصلح لي الكرسي لأجلس، وهو يقول :

- تفضل سيادة الرئيس

وحين جلست نظر إليّ نظرة ذات مغزى وقال :

- سيادة الرئيس بعد أن وزعنا السلطة فيما بيننا صار علينا أن نبدأ العمل 

قلت :

- صدقت ، يجب أن نبدأ العمل ونكفّ عن الثرثرة (ورشفت رشفة هادئة من سيكارتي ونفثت دخانها على مهل ونفضت رمادها بسبابتي بأناقة متكلفة كما ينبغي لرئيس أن يفعل، وأضفت) بالفعل يا صديقي يجب ان نبدأ العمل، وأنا من جهتي بدأت العمل بالفعل ! 

فنظر اليّ مندهشاً وقال :

- كيف ؟!! 

قلت :

- لقد أجريت الآن مكالمة أصدرت من خلالها أول قرار رئاسي بعزلك عن رئاسة الحكومة وتكليف ولدي الأكبر بتشكيل الحكومة

فخمد صاحبي دفعة واحدة لوقع المفاجأة ، وراح يفرك بين أصابعه بعصبية ظاهرة ويتمتم بكلمات غير مفهومة، ثم عاد فرسم ابتسامة مصطنعة وهو ينظر إلي وقال :

- عين العقل .. هذا القرار عين العقل سيدي الرئيس، وقد كنت على وشك أن أطلب منك أعفائي، لكنك سبقتني، مما يؤكد لي مرة أخرى أنك بالفعل قائد ملهم، وصاحب رؤية مستقبلية ( واصطنع نظرة إعجاب مبالغ فيها قبل أن يضيف) أين كنت من زمان يا سيدي؟ البلد كانت تنتظر قائداً ملهماً مثلك، لكنْ لا بأس لقد تأخرت، لكنك جئت أخيراً فيا لسعادتنا بك؟!!

فخاطبته في نفسي ( أرجو أن تبقى على هذا الإعجاب بعد قليل عندما يأتون فيشحطونك إلى السجن !)

( انتهت )

( ملاحظة : انتظروا الحلقة التالية، الأسبوع القادم في نفس الموعد ، إلا إذا انكشف ولدي عن قائد ملهم جديد وشحطني إلى السجن )

وسوم: العدد 676